المشهد السياسي

إسرائيل تستثمر الوضع الإقليمي والدولي

استهداف الإسلام والمسلمين لم يعد شأناً دولياً، كانت الحرب في أفغانستان وأحداث الحادي عشر من سبتمبر – أيلول 2001م ثم الحرب على العراق بعد ذلك.. وإنما شأناً إقليمياً في الفترة الأخيرة، الأمر الذي جعل العلاقات العربية – العربية، والإسلامية – الإسلامية على صعيد المنظمات والمؤسسات الراعية للعلاقات، قد ضعفت إن لم نقل قد تآكلت..! وذلك ما جعل الدولة العبرية “إسرائيل” تستغل ذلك الوضع وتلعب عليه تحقيقاً لأهدافها طويلة المدى والمعروفة منذ احتلالها للأرض الفلسطينية عبر حرب 1948، وما تلاها من حروبات منها حرب يونيو – حزيران 1967 وأكتوبر – تشرين أول 1973.. ثم اتفاق (كامب ديفيد) بين مصر في عهد الرئيس “السادات” وإسرائيل وما تلا ذلك مما عرف بمفاوضات السلام بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، وكلها كانت معابر إلى الاحتلالات وضم الأراضي الفلسطينية والقدس الشريف.
اليوم تكاد سوريا تكون قد خرجت بالكامل من المواجهة والتهديد الذي كان مع الدولة الإسرائيلية جراء ما جرى فيها من تطورات سالبة أفقدتها وجودها المعروف تقريباً وقواها المهددة لإسرائيل، وأكثرها شهرة قواها وسلاحها المتطور الذي أبيد مؤخراً.
ومعلوم أن الجمهورية العربية السورية في السابق كانت موئلاً وملاذاً للقادة والجماعات الفلسطينية، وكانت داعمة لحزب الله اللبناني الذي كان أكبر مهدد للدولة الإسرائيلية في المنطقة، وبخاصة بعد حرب عام 2008 التي عانت فيها إسرائيل ما عانت.
الآن حزب الله وقد بات جزءاً مما جرى ويجري في سوريا وأثر إلى حد كبير، لا يبدو هو الآخر مهدداً للدولة العبرية، على نحو ما كان شأن نظام الرئيس “صدام حسين” الذي ذهب وذهبت معه قدرات وإمكانات تماسك وقوة الجمهورية العراقية.. التي كانت مهدداً كبيراً للدولة اليهودية، وبسبب ذلك كانت الهجمة الأمريكية على العراق رغم تورط الرئيس العراقي السابق “صدام حسين” في هجمة غير محسوبة على دولة الكويت، في وقت مبكر من عقد التسعين من القرن العشرين.
وفي ذلك السياق – أي سياق استغلال إسرائيل للفرص ولما يجري – لا نستثني جمهورية مصر العربية التي كان لعلاقتها في السابق مع القطب الأمريكي تأثيره في الضغط لصالح حليف أمريكا في المنطقة (الدولة العبرية)، إذ كانت قضية فتح الحدود وإغلاقها في وجه الفلسطينيين ومصالحهم هي القضية الأساسية.
أما اليوم في مصر وعلاقتها مع ما يجري في غزة الفلسطينية فهو ليس كما كان معتاداً وإنما دخل فيه عنصر عداء الدولة المصرية الجديدة المستحكم مع الإخوان المسلمين في الداخل والخارج في وقت واحد. ومعلوم أن جماعة (حماس) الإسلامية في غزة هي التي تدير وتدبر المواجهة السياسية والعسكرية مع إسرائيل، عندما باتت مساعي الرئيس الفلسطيني “أبي مازن” للسلام والمفاوضات مع إسرائيل – وهي التي بدأت مع السيد “ياسر عرفات” في سبتمبر1993 – غير مجدية.. بل إن الولايات المتحدة الأمريكية وما عرف بـ(الرباعية) في ذلك الشأن كلها غير مجدية، أو مفيدة في إطار الانحياز للدولة العبرية.
والموقف المصري الحالي مما يجري في غزة يأتي في إطار النزاع المصري الداخلي مع الإخوان المسلمين في مصر الذين لهم صلاتهم التاريخية المعروفة مع ذلك الجناح الفلسطيني. وتضاف إليه أمور أخرى متصلة بما يجري في المنطقة، الشيء الذي جعل الموقف المصري على هذا الجمود والدولة العبرية تضرب فلسطين وشعبها بكل ما لديها من أسلحة وقوى… فيموت المئات ويجرح أضعافهم من النساء والأطفال والرجال، وليس الرموز التي تدعي إسرائيل أنها تطاردها وترمي إلى النيل منها قتلاً.
إن الموقف الحالي الإقليمي والدولي غير المتوازن في الشأن الإسلامي والفلسطيني الغزاوي بشكل عام، هو الذي شجع إسرائيل على أن تقوم بما قامت به ولا تزال، في غزة، وإن كانت إسرائيل بطبعها ومنذ ميلادها في 1948 لا تلقي بالاً لمثل ذلك الشيء. فقد ولدت مسنودة ومدعومة من الدول الغربية العظمى ومن حلفائها، حيث ما كانوا ومن المنظمات الأممية والتابعة.
غير أن المرء يسأل:
– أين هي الجامعة العربية الآن؟
– وأين هي منظمة المؤتمر الإسلامي.. والدول المؤسسة لها والداعمة التي لها يدها في صياغة أنظمتها ومبادئها؟
إنها أسئلة يضاف إليها بطبيعة الحال غير أنها جوهرية، فأين الحراك السياسي والمجتمعي والدبلوماسي الذي كان في مثل هذه الأحوال؟
إن الجمهورية التركية وحدها هي التي تذكر وتشكر في موقفها الإيجابي مع ما يجري في غزة، وهي تذكر في ذلك السياق أنها لن تعيد علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل، وهي تفعل ما تفعل بغزة وشعبها. ولا ننسى هنا أيضاً الحراك الكويتي الأخير.
الرئيس الأمريكي “أوباما” وبطبيعة مواقفه كان رأيه في ذلك الشأن (حمال أوجه)، غير أنه يقول لإسرائيل إنه يعلم أنها (تدافع) عن نفسها وشعبها.. وينسى في ذات الوقت أن الفلسطينيين في غزة يعانون من القسوة والهجوم اللا إنساني الإسرائيلي. وإسرائيل في كل الأحوال هي المعتدية والمحتلة للأراضي الفلسطينية.. غير أنه لا أحد يرفع كلمة في وجهها أو يذكرها بالمحكمة الجنائية الدولية وهي تقوم بكل هذه الفظائع.
إسرائيل على كل حال، وهي تفعل ما تفعل، تستثمر – كما نقول في هذا المشهد السياسي اليوم – وتستغل الوضع الإقليمي والدولي الحالي، وهو وضع ساكن ومهيض تلعب به مصالحه وأهدافه القديم منها والمستجد. وفي كل الأحوال للضعيف رب يحميه.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية