المشهد السياسي

كانت قفزة متوقعة.. ولكن..!

في المشهد السياسي بعنوان (خسر الأمين العام وكسب الحزب) بتاريخ 4 مايو الماضي – أي قبل شهرين – ولم يكن السيد “المهدي” زعيم الحزب قد دخل في ما جلبته عليه تصريحاته بشأن قوى الدعم، قد ذكرنا أن تسمية الدكتورة “سارة نقد الله” أميناً عاماً خلفاً للدكتور “إبراهيم الأمين” كان مكسباً للحزب الذي ظلت المرأة فيه (مهمشة) كما كانت تشكو الراحلة “سارة الفاضل المهدي” (المرأة الحديدية) رحمها الله.
و”سارة نقد الله” وإن كانت مقربة من السيد الإمام وبيت “المهدي” إلا أنها لم تكن مثار جدل وقد اتفق على تسميتها بالإجماع، ولكن بالأمس وبعد مرور شهرين على ذلك الحدث ضرب الساحة السياسية في حزب الأمة القومي حدث القفز بالدكتورة “مريم الصادق” إلى موقع أحد نواب السيد رئيس الحزب الأربعة.. وهو حدث ليس بالهين وكان متوقعاً منذ عودة السيد الإمام بعد اتفاق جيبوتي إلى الداخل منسلخاً من جماعة (التجمع الوطني الديمقراطي) المعارض في الخارج.
الدكتورة الطبيبة “مريم” التي كانت لها إسهاماتها السياسية والعسكرية في المعارضة بالخارج والأقرب إلى (قوى الإجماع الوطني) في الحزب بعد العودة هي أيضاً أقرب أبناء وبنات “المهدي” (سياسياً) إليه رغم الاختلاف حول مواقف أحزاب المعارضة التي يصفها بأنها (مهلهلة) وغير مؤهلة للقيام بدور يذكر في الشأن العام.
“مريم” برأي أبيها وممارسته ورغم المتاعب التي ترمي بها بين قيادات الحزب بين الحين والآخر هي (بيناظير بوتو) السودانية المتوقعة للحزب رغم الصعوبات السياسية والانصارية وربما الأسرية الكبيرة والصغيرة.
وذلك ما كنا نقول به منذ سنوات والدكتورة (تركب) ماكينة رئيس حزب – كما يقولون..! فقد كانت تلقي بالمؤسسية في الحزب خلف ظهرها لأسباب تقدرها وتحملها بين جنبيها. فهي أكبر من كل كبير في الحزب والأسرة. وشاهدنا في ذلك حراكها السياسي الواسع في الداخل والخارج ومزاجها الحاد ضد النظام الحاكم الذي صار اثنان من إخوتها في دفته تقريباً..!
“مريم” هنا ليست “سارة نقد الله” – الأمين العام السياسي للحزب.. وذلك لأنها كما قلنا:
أولاً: الأقرب إلى والدها زعيم الحزب وإمام الأنصار (سياسياً) وفي باله التقدم في السن – حفظه الله.
ثانياً: ثقتها بنفسها التي جعلتها تركب (ماكينة) زعيم حزب و(تشاكس وتعاكس) غيرها من القيادة وسياسات الحزب ومواقفه..!
بهذه الطريقة فإن القفز السريع وإن كان متوقعاً ويعمل من أجله من قبل الزعيم الوالد (الصادق المهدي).. ليس بغرض إعطاء المرأة حظها البالغ (25%) في هيكل الحزب الرئاسي – كما جاء في تبرير الحدث وإنما فتح الباب لمتغير آخر أكبر ربما أسفر عنه المؤتمر العام في بداية العام القادم.
وتلك قضية كانت تشغل بال السيد الإمام زعيم الحزب والجماعة العضوية وهو في محبسه بكوبر.. وعليه فإن تسمية الدكتورة “مريم الصادق” نائباً لرئيس الحزب ضمن ثلاثة آخرين وقد تمتع “المهدي” بالحرية تعد محل اتفاق وتقدير رغم كل شيء. فهناك إرهاصات الآن تقول بجمع لحمة الحزب بما فيها كل أولئك الذين كانت للحزب معهم خلافات وهم تحديداً السيد “أحمد المهدي” وجماعته والسيد “مبارك الفاضل المهدي” وجماعته. فماذا يعني ترفيع الدكتورة “مريم” لذلك المستوى وجمع اللحمة في البال؟
إن ترفيعها وهي المعارض و(المكاجر) للنظام الحاكم وحزبه (المؤتمر الوطني) يعد في هذا الظرف تعبيراً عن موقف عام للحزب ولقيادته.. غير أنه بالنسبة للمصالحة – إذا ما كان لها من سبيل – فسيكون المتوقع في حال إذا ما سار الإمام “الصادق” بمريم إلى نهاية الطريق وهي (خلافته) فإن ذلك سيعني لا ريب الفصل بين (الإمامة والسياسة) لأن إمام الأنصار لن يكون امرأة وإن كانت تعرف عند البعض (بالمنصورة). هذا إذا ما وجدت زعامة المرأة للحزب قبولاً..!
هذا والمعروف أن الجمع بين (القداسة والسياسة) كان قد تم بعد انفصال السيد “مبارك الفاضل” وجماعته على أنه (عصا) لمآرب السياسة يتوكأ عليها السيد زعيم الحزب ويهش بها على الآخرين..! وذلك إذا ما حدث وهو (إجباري واضطراري) يعتبر خطوة في طريق لم الشمل واللحمة.. ولكن نهج (المنصورة) وطريقتها في (المكاجرة) والانفراد بالقرار سياسياً يظل قائماً.. وهي التي ترتدي وشاح (بيناظير بوتو) الباكستانية.
أما داخل الأسرة وقد حاول السيد “الصادق المهدي” بطريقة ذكية أن يخفف الصراع بين ابنه (عبد الرحمن) وبنته (مريم) بأن دفع بالأول إلى التعاون مع النظام الحاكم في مستواه الرئاسي حيث صار مساعداً للسيد رئيس الجمهورية كما هو الحال الآن.. وأبقى بالأخرى في الحزب (تسرح وتمرح) سياسياً كما تشاء..!
وهذا مفهوم الآن وإن قبله بعض القادة في الحزب على مضض ولكن: ماذا و”مريم” يقفز بها (جزئياً وسياسياً) إلى مراتب ربما تعقد العلاقة بين الأخوين في المستقبل والسيد الإمام يفكر منذ مدة في الخلف في الحزب وغيره..؟
السيد مساعد رئيس الجمهورية “عبد الرحمن الصادق المهدي” جنى وتعلم الكثير من موقعه المذكور على صعيد إدارة الدولة والإلمام بمشاكل الحكم وصعوباته والتعرف على الرموز السياسية والمجتمعية إلا أن عدم الوضوح في موقعه من الحزب وقفز الدكتورة “مريم” المتسارع في القيادة ربما عقد الأمور في المستقبل والسيد الإمام يبحث عن من يخلفه وقد جاوز الثمانين من العمر – حفظه الله -.
فتسمية الدكتورة مريم نائباً (رابعاً) لرئيس الحزب هي بكل الحسابات والتقديرات (قفزة) ولكنها كانت متوقعة ولها من المؤشرات والعلاقات الكثير، وقد ذكرنا بعضها في هذا (المشهد السياسي) اليوم تحليلاً للحدث وتعليقاً على مآلاته. إذ هناك من الأمور المتداخلة الكثير الذي يتوجب (تفكيك) ما أمكن.. وبالله التوفيق.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية