«البشير» في «الدوحة» .. الـخيوط تتجمع في العاصمة القطرية
حراك دبلوماسي على أعلى المستويات بين السودان وقطر، إذ توجه الرئيس «عمر البشير» بزيارة إلى الدولة الخليجية ظهر أمس (الثلاثاء) تلبية لدعوة تلقاها من الأمير «تميم بن حمد بن خليفة آل الثاني». والمتمعن في علاقات البلدين لن تتملكه الدهشة لجهة أن قطر ظلت طوال السنوات الأخيرة تلعب دوراً رئيساً ومباشراً لحل كثير من القضايا المحلية السودانية، ابتداءً باحتضانها مفاوضات سلام دارفور التي أثمرت عدة اتفاقيات، بالإضافة إلى سعيها الدءوب لإنجاح المفاوضات بين الحكومة والمعارضة الداخلية.
فلم يكد وزير الخارجية القطري «خالد العطية» ينهي زيارته المفاجئة للبلاد حتى توجه رئيس الجمهورية إلى دولة قطر. وكان الوزير القطري قد التقى بالرئيس «عمر البشير» في زيارة تهدف إلى تبادل الآراء حول كيفية تطوير العلاقات السودانية – القطرية في مجالات التعاون كافة، وتبادل الرؤى والأفكار حول ما يجري بين البلدين، وفي المنطقة بحسب وزير الخارجية السوداني «على كرتي».
وذات الأمر أكد عليه «العطية» الذي قال إن (اللقاء تطرق إلى العلاقات الثنائية بين البلدين، كما تم استعراض مجالات تطويرها، والعمل سوياً على الانتقال بتلك العلاقة ممّا هي عليه الآن إلى مراحل متقدمة). في وقت ذكرت مصادر أن «الدوحة» تتمسك بالخرطوم كحليف لها، وأن سياسة الخرطوم الخارجية، في ما يتعلق بجيرانها، وخصوصاً مصر، لن تؤثر على العلاقة بين الدولتين.
الرئيس في «الدوحة»
رغم أن الأهداف المعلن عنها لزيارة الرئيس إلى دولة قطر لم يفصح سوى عن إطارها العام، إلا أن ثمة قضايا ملحة وأخرى أكثر إلحاحاً، يبدو أنها سوف تكون حاضرة على طاولة الرئيسين. فقد أكدت مصادر أن الزيارة تتعلق بمحاولة «الدوحة» إنقاذ دعوة الحوار التي كان الرئيس «البشير» قد تقدم بها، لا سيما بعد إبلاغ زعيم حزب المؤتمر (الشعبي) المعارض «حسن الترابي» للقيادة القطرية، بتراجع الحكومة عن الالتزامات التي اتفق عليها، على اعتبار أن «الدوحة» تدعم بقوة الحوار بين كافة القوى السياسية السودانية.
وكان أمير قطر قد زار السودان في (2) أبريل الماضي، وأجرى مباحثات مشتركة مع الرئيس «عمر البشير»، وذلك في مستهل جولة عربية شملت أيضاً الجزائر وتونس. وكانت المرة الأولى التي يزور فيها الدول الثلاث منذ توليه مقاليد الحكم في يونيو 2013.
وقدم أمير قطر مليار دولار للسودان على شكل وديعة لدعم احتياطيات النقد الأجنبي في البلاد التي تشهد ظروفاً اقتصادية صعبة، وقد أكدت الحكومة وقتها على أهمية العلاقة مع «الدوحة» التي حظي أميرها بهدايا عينية، بينها مجموعة من النوق. ووصف «بدر الدين محمود» وزير المالية والاقتصاد السوداني زيارة أمير قطر بالإيجابية، وحققت مكاسب اقتصادية كبرى تمثلت في الاتفاق على إقامة مشروعات استثمارية مشتركة في مجالات الطاقة والتصنيع الزراعي، لافتاً إلى منح قطر السودان القسط الثاني من الوديعة القطرية والبالغة مليار دولار. وأضاف الوزير أن الجانبين اتفقا على الدفع بالمشروعات القائمة الآن مثل مشروع الديار ومشروع حصاد الزراعي، أما وزير الاستثمار «مصطفى عثمان إسماعيل»، فقد قال إن زيارة الشيخ «تميم» – رغم قصرها-قد عززت العلاقات بين البلدين عبر تناولها للقضايا السياسية والاقتصادية والتعاون الثنائي، حيث وضعت إطاراً جيداً لمستقبل الاستثمارات القطرية بالبلاد، مؤكداً أنها ستكون لها انعكاساتها الإيجابية في كافة الجوانب .
ملفات سودانية قطرية
بعد وصول الأمير «تميم» إلى الحكم في دولة قطر توقع عدد من المراقبين أن تتبدل سياسة قطر تجاه السودان والمنطقة العربية عموماً، ولكن ما حدث كان عكس ذلك تماماً، فقد بدأ الأمير القطري أولى زياراته الخارجية بالسودان، كما أن الدور القطري في السودان لم يكن مقصوراً على الجانب الاقتصادي فحسب، بل إن الدور السياسي الذي تلعبه قطر الآن في السودان والذي يتصاعد يوماً بعد آخر، يجعل قطر (ترساً) مهماً تمر عبره معظم القضايا السودانية، مثلما وصف وزير العدل «محمد بشارة دوسة» قطر بأنها دولة مفصلية للسودان، مشيراً إلى أن لقاءات الرئيسين فرصة لتمكين مسيرة التعاون في كافة المجالات من أجل الدفع بالعلاقات للأمام، علاوة على مدلولها وبعدها السياسي بالنظر إلى الأوضاع الإقليمية المحيطة بالدولتين. وذات الأمر أكده وزير الإعلام السوداني «أحمد بلال عثمان» الذي أشار إلى تطابق وجهات النظر بين «البشير» والشيخ «تميم» في كافة القضايا الإقليمية والدولية.
وتُقدَّر استثمارات قطر في السودان بحوالي (3.8) مليار دولار، وتأتي في المرتبة الخامسة ضمن الدول العربية الأكثر استثماراً في البلاد. وتتركز تلك الاستثمارات في المجال العقاري والزراعي، ولكنها انتقلت مؤخراً إلى المجال الثقافي، بعدما بدأت حالياً في تنفيذ مشروع خاص بتأهيل الآثار السودانية بمبلغ يتجاوز الـ (150) مليون دولار.
الحوار الداخلي وقطر
يعقد الرئيس «عمر البشير» رئيس حزب المؤتمر الوطني يوم (الخميس) القادم اجتماعاً مع قادة القوى السياسية المشاركة في الحوار الوطني، بعد عودته من قطر مباشرة في اجتماع ينتظر أن يناقش الأجندة التي سيتأسس عليها الحوار والقضايا المطروحة فيه، بعد أن فوضت الأحزاب والقوى السياسية المشاركة في حكومة القاعدة العريضة الرئيس «البشير»، لاختيار ممثليها في آلية الحوار الوطني، كاشفة عن تقديم عدد من المقترحات والمطلوبات للدخول بها عملية الحوار. ويعتقد مراقبون أن الدور السياسي القطري في السودان لن يتوقف حتى يبلغ منتهاه في الأمور الاقتصادية والسياسية، وما ألمحوا له في الدور القطري تجاه قضية الحوار الداخلي. وينتظر أن يناقش الرئيسان «البشير» و»تميم» ملامح إخراج الحوار إلى بر الأمان، بعد أن تراجع كثيراً خلال الفترة السابقة في الفترة التي أعقبت اعتقال «الصادق المهدي» ورئيس حزب المؤتمر السوداني «إبراهيم الشيخ»، وتململ كثير من الأحزاب المشاركة في الحوار الوطني من إجازة قانون الانتخابات قبل أيام. وتجاهل «المهدي» و»الترابي» لدعوات البرلمان للمشاركة في مناقشة إجازة التعديلات التي أجريت على القانون، وربما ذاك ما دعا «الترابي» إلى القول إن الحكومة تراجعت عن الالتزامات التي اتفقت عليها، واضعين في الاعتبار اهتمام قطر بقضية الحوار الداخلي.
وخلال وقت سابق من هذا العام استقبل الأمير «تميم» زعيمي المعارضة السودانية «الصادق المهدي» و«حسن عبد الله الترابي»، اللذين قبلا الدخول مع الحكومة في مفاوضات سلمية في موقف مناقض لموقف الأحزاب السياسية الأخرى الأقرب إلى اليسار. وأعلن الزعيمان من العاصمة القطرية وقتها احتكامهما لصوت الحوار لحل القضية السودانية، وربما تبدو هنا إشارات ودلالات مهمة يراها مراقبون من القبول الكبير الذي يتمتع به الزعيمان الإسلاميان المعارضان داخل الدولة الخليجية. ولا يخفى كذلك الدور الكبيرالذي تسعى له في محاولاتها جمع الصفوف الإسلامية وتوحيدها وتقريب شقة الخلافات بينها. ومع زيارة الرئيس «البشير» يبدو أن هذا الأمر سيكون أول الملفات التي ستوضع على طاولة الزعيمين. ومن هنا يبدو أن جميع الخيوط ونجاح المفاوضات الداخلية الآن تتجمع أمام الأمير القطري، وتبدو السانحة التاريخية الآن مواتية للغاية لتجاوز المطبات التي أنهكت الحوار الوطني كثيراً وإعادته إلى الوراء خطوات كثيرة.