رأي

حديث لا بدّ منه (42)

} الأيام الخوالي من أيام رمضان في مدينة الحديد والنار والنور، لها طعم ومذاق خاص.. طعم بطعم أهل مدينة عطبرة الكرام.. والذكريات فيها تترى.. وكذلك ورش السكة الحديد لها حظها الكبير والمشهود من نفحات رمضان.. حيث تنتظم الدروس الدينية في فترة ساعة الإفطار.. فعندما تضرب الصافرة عند الساعة التاسعة صباحاً في أيام رمضان.. تجد ورش السكة الحديد تعج بحلقات الدرس في مختلف العلوم الإسلامية.. والذين يقومون بتقديم هذه الدروس هم عمال السكة الحديد أنفسهم.. لأنني كما ذكرت من قبل فيهم كثير من حفظة القرآن الكريم.. وفيهم من أهل الفقه.. بالذات الفقه المالكي.. لأنهم أخذوه من علماء جهابذة بهذه المدينة الباسلة.
} وكان على قائمة الذين يقومون بدروس التربية وتزكية النفس الشيخ “الحاج ميرغني مختار” رحمه الله رحمة واسعة، حيث أنه كان من تلاميذ “الشيخ ماهر” رحمه الله رحمة واسعة.. والشيخ “ماهر إسماعيل” كان من جهابذة علم التفسير.. وكانت له فتوحات وإشراقات قل أن تجدها في كتب التفسير.. وكان صاحب بيان نافذ إلى القلوب وأثره آخذ في النفوس.. كما أنه صاحب باع طويل في علوم النفس.. وكان يأتي من وقت لآخر لمدينة عطبرة.. حيث أنه كان مقيماً بمنطقة “بلانا” التي أصبحت تابعة لجمهورية مصر العربية بعد قيام السد العالي.. والشيخ “ماهر إسماعيل” كان خراطاً بالسكة الحديد.. وكان يجالس العلماء بالأزهر الشريف وأخذ منهم الكثير.. ولكن علمه كان فتحاً ربانياً.. ويقول تعالى في كتابه العزيز (وعلمناه من لدنا علماً).. فالعلم اللدني لا ينحصر على نبي الله “الخضر” عليه السلام.. فقد كان نبياً عملاً بقوله تعالى (وما فعلته عن أمري).. و”الخضر” لقب له لأنه ما جلس في مكان إلا اخضر.. ويقول أهل العلم أن اسمه “بليا ابن ملكان”.. أما هل هو حي أو ميت ففي ذلك جدل كبير بين أهل العلم.. فولو قلنا ميت فأين قبره الذي قبر فيه.. ولو قلنا حي أين هو الآن.. والله جل جلاله أعلم بحاله.. وكما ترك سبحانه وتعالى إبليس إلى يوم الوقت المعلوم يصح أن يجعل بشراً حياً ليوم الوقت المعلوم.. والمعارضون لذلك يحتجون بقوله تعالى (وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ).. فالأمر كما قلت فيه خلاف واسع وكبير والمقام لا يسع الخوض فيه.. ولكن العلم والفتوحات الربانية واردة لمن أراد الله له ذلك.. وما ذلك على الله بعزيز.. ويقول تعالى في كتابه العزيز (واتقوا الله ويعلمكم الله).. ونجد كذلك أثراً يقول (من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم).. ومعلوم أن العلم بالتعلم والحلم بالتحلم.. والتلقي ضرورة وهو الأصل في العلوم.. والعلم الحقيقي ليس من السطور فحسب.. بل من أفواه الرجال.. لأن العلم موصول بقول (حدثنا وسمعنا).. ومن أراد صنعة تعلم ممن يتقنها.. ولا تعلم العلوم الهندسية إلا بالدراسة والتلقي.. وكذلك علوم الطب والاقتصاد والإدارة والعلوم العسكرية وسائر العلوم الأخرى والصناعات.. لا بد فيها من التلقي، وهذا لا ينفي العلم اللدني.. لأنه حالة خاصة.. ولا يدرك إلا لمن سلك طريقاً للعلم والعلوم وجالس العلماء وأفاد منهم.. ثم يكرم بهذا الفيض والفيوضات والفتوحات الربانية.
} نعود إلى شهر رمضان في ورش السكة الحديد.. وذكرنا أن من كان يقوم بدروس التزكية والتربية هو تلميذ الشيخ “ماهر إسماعيل” وهو الشيخ “ميرغني مختار” الذي كان في وظيفة (قومنده) بورشة (العمرة بخار).. ثم أضيف قسمه لـ (عمرة عجل الديزل).. وكان نعم الرجل القدوة والأسوة.
} نقف هنا ثم نواصل إن شاء الله.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية