أخبار

في "النعيماب"

} في منزل الفريق أول “بكري حسن صالح” استقبلنا الرجل بابتسامته وترحابه البشوش.. أقداح الشاي والقهوة بعد صلاة التراويح من التقاليد التي يحرص عليها الكثيرون في رمضان.. لكن أنواعاً من التمور التي يباهي بها الدناقلة ويفتخرون قد وضعت أمام الضيوف.. ووالي الخرطوم يقدم مرافعة وجدت الاهتمام من النائب الأول عن أسباب انقطاع المياه ببعض الأحياء.. “بكري حسن صالح” شكا للوالي “عبد الرحمن الخضر” نيابة عن سكان حي الكلاكلة الذين يواجهون في رمضان انقطاعاً دائماً للمياه.. ويفتح باب الشكاوى.. ويقول “حاج ماجد” إن نقص المياه وصمة عار في جبين الحكومة.. والنائب يقول (صحيح لازم نحل مشكلة المياه يا السيد الوالي). ود. “الخضر” يقدم بالأرقام مرافعته ويثبت أن المشكلة الحقيقية في انقطاع التيار الكهربائي عن محطات المياه.. النائب الأول يقول إذن المشكلة في الكهرباء وليست في المياه.. ووالي الخرطوم يعاتب الصحافة على خبر نشر عن بيع منتزه المقرن العائلي.. وقال لن نبيع هذه الأرض ولو وزنت بالذهب.. سنشيد قصراً استثمارياً لصالح الشهداء.. والدكتور”محمد عبد الرازق” مدير ديوان الزكاة يحث الجميع على بدء برنامج الراعي والرعية.. وقد تجاوزت الساعة الحادية عشر مساءً.. الفريق “بكري” يضحك (يا جماعة التأخير سببه “عبد الرحمن الخضر” الذي طلب مزيداً من القهوة).
} غادر ركب السيارات منزل النائب الأول وقد رفض الرجل أن يزيد عدد السيارات عن (5) فقط، رغم أن الوفد يضم وزيرة الرعاية الاجتماعية (عريس الحدث) ومدير ديوان الزكاة ومنسق قوات الدفاع الشعبي “عبد الله الجيلي”.. و”حاج ماجد” مدير عام منظمة الشهيد والزميلين الصديقين “مصطفى أبو العزائم” و”الصادق الرزيقي”.
} هبت على الخرطوم رياح خريفية وتلاشى مدى الرؤية لعدة أمتار، وبعد زيارة منزل “قرشي مبارك شيخ إدريس” الذي تتكون أسرته من (13) فرداً.. منهم اثنان مصابان بالفشل الكلوي.. وتعيش الأسرة على الكفاح والفقر المدقع في حي بري الدرايسة وسط الخرطوم.. فالفقر والحاجة لا وطن لها وسكان الأحياء التي نحسبها غنية بعضها أفقر مما نتصور ونعتقد.. أربعون ألفاً من الجنيهات قدمها النائب الأول للأسرة المكلومة.. وسعى من جهته د. “عبد الرحمن الخضر” لإضافة خير من حكومته.. والرجل رءوف رحيم في سلوكه.. تبرع بمبلغ (20) ألف جنيه مقدم سيارة تاكسي للمساهمة في ترحيل المصابين بالفشل الكلوي للمستشفى يومياً.. وبدت الوزيرة “مشاعر الدولب” حزينة منكسرة أمام فقر وعوز الأسرة..
} لكن الطريق إلى قرية “النعيماب” بشرق النيل بدا بعيداً جداً والسماء ترعد و(البروق لاحت) كما يقول “البرعي ود وقيع الله”.. تجاوز رتل السيارات ذات الدفع الرباعي الوادي الأخضر بالشارع المؤدي للجيلي.. انحرفت يميناً بشارع ترابي فزادت سرعة الرياح والأتربة وتلاشت أنوار مدينة الخرطوم في عتمة الليل.. والساعة تقترب من الواحدة فجراً.. بدت آثار قرية بلا ماء ولا كهرباء.. ولا شارع أسفلت.. على بعد (25) كلم من أطراف الخرطوم.. ولا يشاهدون كأس العالم ولا يتابعون (أغاني وأغاني).. لم يتظاهروا احتجاجاً على أي شيء.. لأنهم لا يملكون أي شيء.. ولكنهم مواطنون.. جلس “بخيت موسى” بالقرب من النائب الأول وعلى يمينه رجل سبعيني وزوجته “فضة داوود المليح” قابضين على جمر الصبر، وثلاثة من فلذات أكبادهم قدموا أرواحهم شهداء من أجل الوطن.. “بخيت موسى” استشهد في جنوب كردفان عام 1999م وقبله استشهد شقيقه “سعيد موسى مكين” عام 1994م، وقبله بعام واحد استشهد “أحمد موسى” 1993م. وتقطن الأسرة في منزل يقع في مجرى سيل بدون كهرباء ولا ماء.. ويعول الأسرة الابن “فضل الله موسى” (15) عاماً وقد ترك الدراسة من أجل أمه وأبيه وأخته “أم سلمة”.
} بدأت الأمطار في التساقط ولكن دموع وزيرة الرعاية كانت أسبق .. والنائب الأول يحتضن الأسرة وقد بدا الرجل ضعيفاً أمام أسرة قدمت للوطن ثلاثة من فلذات الأكباد ولم يذكرها أحد.. لكن برنامج الراعي والرعية قد ذهب بعيداً في قلب المجتمع المحزون بالآلام والتضحيات.. ولنا عودة.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية