طيبة الأحامدة (العزبة).. قصة منطقة بين مطرقة الإهمال وسندان العزلة
رغم المتغيرات التي طرأت على ولاية الخرطوم وعدد من ولايات السودان بعد النفرة التنموية والاهتمام بالبني التحتية، إلا أن منطقة طيبة الأحامدة أو «العزبة» كما يطلق عليها البعض لا زالت تمثل أنموذجاً من نماذج التهميش والعزلة رغم وقوعها في جوف العاصمة. فهذه المدينة التي لا يفصلها عن منطقة بحري سوى بضع كيلومترات حيث إنها تقع شمال ضاحية كافوري، تتعرض لويل الإهمال وتعاني الآم المواصلات، وأوجاع التعليم، ومآسي الانفلات الأمني، ومخاوف انهيار المنازل كلما حل فصل الخريف من كل عام، تضج صخباً وأنيناً تحت وطأة سكنها العشوائي ومربعاتها التي تحتاج إلى التخطيط العمراني. والمزري أن بعض سكانها يعيشون تحت أبراج الكهرباء وأسلاكها ذات الضغط العالي رغم التحذيرات التي أطلقتها وزارة الصحة خيفة الإصابة بمرض السرطان أو التعرض لحريق إذا ما تلامست هذه الأسلاك لأي من الأسباب، هذا بخلاف انتشار أوكار صناعة الخمور البلدية رغم مجهودات شرطة أمن المجتمع.
إن ما رصدته (المجهر) ووثقته بعدستها يجسد واقعاً مؤلماً لمنطقة تتوسط قلب الخرطوم وواقع حالها يؤكد أنها نسياً منسياً.
تصحيح مسار…
السيرة الذاتية لمنطقة طيبة الأحامدة لا تحوي صفحاتها الكثير من التاريخ والرموز، لكن وبحسب بعض سكانها الذين استطلعتهم (المجهر) فإن تاريخها يعود لقرن من الزمان يجهله معظمهم، وذلك عندما اتخذت قبيلة الأحامدة من هذه المنطقة سكناً لها إبان فترة عملهم بالزراعة في المنطقة التي أقيم فيها حي “كافوري” الحالي، بيد أن التحديث الذي طال جميع المدن المحيطة بطيبة الأحامدة ظلت هي بعيدة عنه تماماً، تجتهد ساعية بخطوات أبنائها المتعثرة لإيصال أصواتهم للمسؤولين الذين وبحسب أفراد المنطقة لم يأت أي منهم للوقوف على أحوالهم والسؤال عنهم، الأمر الذي نتج أفرز نقصا في جميع الخدمات بالمنطقة، ما عدا الماء والكهرباء حسب إفادات المواطنين.
مياه محتقنة
وبحسب حديث العمدة “إبراهيم عبد النبي” عضو اللجنة الشعبية ورئيس لجنة الخدمات بالمنطقة لـ(المجهر) فإن أصعب المشاكل التي تعاني منها المنطقة المصرف الأساسي لمياه الأمطار التي تختزن بجوفه، وأحياناً تخرج عن مسارها وتجتاح المنازل والأسواق. وأكد “عبد النبي” مخاطبتهم المستمرة للجهات المسؤولة لتغيير مسار المصرف لينحدر غرباً ناحية مصنع (ويتا) حيث مساره الصحيح إلا أنها “أي الجهات” طالبتهم بتصديق من مدينة عطبرة لفتح مسار السكة حديد.
مشكلة أخرى أضافها “العمدة” وهي معاناتهم أيضاً من عدم تواجد آليات النظافة بالمنطقة لأكثر من ستة أعوام كاملة يلجأون فيها إلى المكب الرئيسي أو حرقها.
نفايات ومواصلات…
إن الصورة الحية للأوساخ داخل المنطقة تؤكد مصداقية حديث رئيس لجنة الخدمات وقد ثمنت على حديثه الخالة “نعمات آدم” (ربة منزل) وهي تشرح لـ(لمجهر) معاناتهم في التخلص من تلك النفايات التي يتشارك نسوة المنطقة في استئجار (عربة كارو) للتخلص منها في المكب الرئيسي خوفاً من تراكمها وانتشار الأمراض والأوبئة.
إلى جانب هم التخلص من النفايات، يتشارك سكان المنطقة أيضاً في هم المواصلات فالذهاب لمدينة بحري لا يتأتى إلا عبر مدينة كوبر ومن ثم الوصول (للمحطة الوسطى) في جولة أشبه بالمثل القائل (أضانك بي وين)، فالعم “مختار محمد الأمام” رجل بالمعاش التقته (المجهر) داخل سوق (التامة) أكبر سوق بالمنطقة لكنه متنازع بين إنذارات المحلية بالإزالة ورفض المواطنين شريطة تعويضهم بغيره.
أبدى العم “مختار” تذمراً واضحاً من غلاء تعرفة المواصلات، مستنكراً أن تكون التعرفة للمحطة الوسطي تقارب تعرفة الذهاب لمنطقة الجيلي، مبدياً انزعاجه من اقتراب فصل الخريف في ظل انعدام المصارف، لافتاً إلى أنهم يعانون إهمالا تاماً من جانب الدولة.
إلى أين تتبع المنطقة…
الاهمال الذي تعانيه المنطقة لا يقف عند حد المواصلات والنفايات فقط بل حتى الكيفية التي تدار بها المنطقة أيضاً، وحسبما قال عضو اللجنة الشعبية ورئيس لجنة الخدمات العمدة “إبراهيم عبد النبي” فإن طيبة الأحامدة (العزبة) تتبع إدارياً لمنطقة السامراب، وسياسياً لشمبات، وأمنياً لعمر المختار بينما تتواجد محكمتها في منطقة الحلفايا، مناشداً الجهات المسؤولة بالتدخل السريع لمعالجة السكن العشوائي ومصارف الخريف.
جملة من المشاكل والتحديات تواجها المنطقة لخصها لـ(المجهر) نائب رئيس اللجنة الشعبية لمربع (20) “محمد فتح الرحمن الجعلي” في نقاط تتسيد قائمتها المطالبة بتعويض المواطنين الذين طالتهم الإزالة، بالاضافة إلى عمل مصارف داخلية ومعالجة المشاكل الأمنية والصحية، وسفلتة طريق المواصلات، وتسيير الإجراءات بصورة طبيعية.
علاج على نفقة الفقراء
وطالب نائب رئيس اللجنة الشعبية بضرورة الانتقال للسوق حديث الإنشاء الذي اكتملت جاهزيته، وهو كما وصفه يحوي جملون خضار يتكون من (12) مسطبة و(8) جزارات ومخبز وزريبة فحم وعدد (60) دكاناً. ولفت “الجعلي” أيضاً إلى أن المركز الصحي بالمنطقة يحوي مرضى الدرن الذين يتوافدون من مناطق مختلفة، الأمر الذي تسبب في تشريد المواطنين ولجوئهم إلى العيادات الخاصة رغم أن جل سكان المنطقة من الفقراء، منوهاً إلى أن المواطن لا يستفيد من خدمة التأمين الصحي حيث إن أقرب خدمة لتلقي العلاج هي مستشفى الصافية.
انعدام أمني…
وعن الإنذارات الموجهة من قبل المحلية بإزالة سوق (التامة) بطيبة الأحامدة بغية توسعة مصرف الخريف، تحدث لـ(المجهر) العم “إبراهيم سليمان إبراهيم” أحد المؤسسين له منذ (33) عاماً، مؤكداً استعدادهم لتنفيذ القرار شريطة إيجاد بديل لهم، ومع ذلك لم يجنوا سوى الصمت وعدم الحراك من المحلية وجهاز حماية الأراضي خلال مخاطباتهم لهما، واستطرد بأن المنطقة تعاني كثيراً من المشاكل، وتفتقر لصحة البيئة، فضلاً عن انعدام الأمن بالمنطقة الأمر الذي حدا بالكثيرين لحمل الأسلحة دفاعاً عن أنفسهم، وشاركه الحديث “عبد العظيم حمد محمد” (جزار) متناولاً ضرورة إيجاد بديل يأويهم ويضمن استمرارية أرزاقهم.
ما تلمسته (المجهر) خلال الزيارة التي قامت بها لتلك المنطقة هو إن جل سكانها يتقاسمون ويتشاركون همها ويتطلعون للارتقاء بها من خلال سعيهم الحثيث لمعالجة قضاياهم وإيصال صوتهم للمسؤولين. ولكنهم وبحسب المواطن “عثمان الفكي علي” أحد سكان المنطقة لم يسمعوا غير الصدى مرتداً, وهم على هذا الوضع منذ سنوات عدة، يفتقدون التنسيق في الخدمات والتعليم رغم أن المنطقة بها ثلاث مدارس أساس حكومية واحدة للبنين واثنتان للبنات، ومدرسة ثانوية للبنات تضيق ذرعاً بفتيات المنطقة التي تحوي حوالي (70) ألف نسمة وثلاثة آلاف منزل ، ومع ذلك يعاني أبناؤها العنت في الدراسة، اللهم إلا بمدارس “عمر المختار” أو شمبات أو الحلفايا.
صور مقلوبة …
الحديث عن الصحة يسوقنا إلى وجوب الاهتمام بالمواطن وتوفير خدمات صحية يتأتي معها الشفاء لكن داخل مركز صحي طيبة الأحامدة يختلف الحديث تماماً وكذلك الصورة. فـ(المجهر) أثناء تواجدها رصدت صور ذلك المبنى المتهالك الذي لم تطله الصيانة لأكثر من (14) عاماً هو تاريخ إنشائه. فالسور بحاجة للتعلية والحوائط تصدعت جنباتها حتى الأشجار جفت أوراقها والمواطنون آثروا الفرار خوفاً من إصابتهم بعدوى الدرن (السل) بعد أن تحول المركز لعلاجهم في أغرب مفارقة تجمع مرضى الدرن بالأطفال والحوامل.
إقبال ضعيف
الدكتورة “جيهان خالد” أكدت لـ(المجهر) ضعف الإقبال وتردد المرضى للمركز الذي يشمل خدمات التحصين ومتابعة الحوامل والتغذية والعمليات الصغيرة وعلاج الأطفال، مشيرة إلى أن العلاج لا يكون ببطاقة التأمين الصحي، بينما تطرق المدير الطبي للمركز “محمد أحمد جلي” متحدثاً عن سوء الأوضاع وعدم الصيانة حد أنهم في الخريف الماضي عجزوا عن الدخول للمركز لأكثر من ثلاثة أشهر بسبب امتلاء فنائه بالمياه.