الشيخ "عبد الجليل الكاروري" في أجرأ حوار مع (المجهر)
يعدّ الشيخ “عبد الجليل النذير الكاروري” من رجالات الفكر والفقه في السودان الذين ارتبطوا بنظام الإنقاذ حيث ظل يفتي في كثير من الموضوعات متى ما استدعت الظروف، كما عرف بآرائه الفقهية الجريئة في قضايا عدة خاصة الاجتماعية منها، ومن بعد ذلك هو واحد من أعضاء المكتب القيادي للمؤتمر الوطني الذين جهروا بوجهة نظرهم حيال كثير من القضايا مثل الفساد والضائقة المعيشية والحوار مع القوى السياسية.. (المجهر) جلست إليه في حوار تحدث فيه باستفاضة عن مستقبل الحوار السياسي الذي أطلقه الرئيس “البشير” وعن الفساد بالدولة، وأشياء أخرى.. فإلى التفاصيل:
} بداية شيخ “الكاروري” ماذا عن الرؤية الفقهية حول قضية التحلل من المال العام كالتي أثيرت مؤخراً في فساد موظفي مكتب والي الخرطوم؟
_ بعد الحمد والصلاة على النبي، التحلل في العقود ممكن لكن يجوز في الحقوق الخاصة، أما العامة القائم عليها وكيل لا يجوز فيه التحلل وليس أصيلاً، وبالتالي ليس له بهذا التحلل، فالتحلل من العقود ورد في الربا (وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ) وأيضاً من الحقوق الشخصية في الآية (وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ)، أما الحق العام لا يجوز فيه المسامحة، ولو نظرنا في السيرة النبوية نجد نبينا صلى الله عليه وسلم كان متسامحاً جداً في شؤونه الخاصة مع الخدم وخدمة البيت، أما في العام فكان حازماً جداً يمكن المثال هنا “ابن اللتيبية” دا كان عامل الزكاة ولما رجع بخزينته وقال هذا لكم وهذا أهدي لي هنا كان بيان عام وجاء القول الحاسم (ما بال أحدكم أوليه على العمل فيأتي ويقول هذا لكم وهذا أهدي لي هلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته) والشباب الذين حقق معهم المحقق قالوا في (24) قطعة كسبوها من بدري فيورونا كيف هم في هذه الأعمار وصلوا إلى (24) قطعة يورونا الدرب وفي ناس ما قادرة تصل لقطعة واحدة.
} وهل تعتقد مثل هذا الفساد حول الوالي يكفي لإدانته وعزله؟
_ هدايا العمال سحت، ما بالك من توظيف السلطة لمنافع شخصية لما نجي للسياسة العمرية الآن لما تدور شبهات الناس ينظروا لحين تحصل إدانة والعزل بالشبهة كافٍ وليس بالإدانة يعني إذا في والي حامت حوله شبهات كافية لعزله وهذه كانت السياسة (العمرية) يعني كانت مجرد أن تصل أخبار إلى المدينة يرسل (عمر رضي الله عنه) من يفتش ويأتي بالوالي ويعزله لأنه شيَّد قصراً أو تصرف أي تصرف.
} مقارنة مع الآن كيف تنظر إلى هذا التحول في سلوك الموظفين بالدولة؟
_ في أول الإنقاذ كان القريبون من الحكومة فدائيين يخدمون الناس في صفوف الخبز والبنزين وما كان في شح، والآن نحن وصلنا من الفدائية إلى الرفاهية والانتهازية وفي تغيير كبير في الناس الذين يخدمون وبالتالي محتاجين لمراجعة.
وكنت أتوقع بعد الوالي ما طلب التحقيق وجاءته النتائج أن يعمل محكمة إدارية للمتهمين
يعني الإنسان حتى في الخطة الإسكانية يسجل اسمه في الجهاز لما كان يطلب اسمه يحلفوه لكن كيف شاب يصل إلى (24) قطعة أرض وبالتالي استغل نفوذه وقربه من الوالي وهذه الأراضي (من أين لك هذا؟) السؤال مستمر، أيضاً هنالك مسؤولية إدارية أنا كنت أتصور أن الوالي بعد ما حاكمهم بالثراء الحرام يشكل لهم محكمة إدارية في إطار الخدمة المدنية، ولأنه في الخدمة المدنية في تعدي وفي تقصير دي مواد أيضاً بعد المحكمة الإدارية إذا كانت ظهرت جنايات يحالوا إلى المحكمة والمؤاخذة بمادة في القانون لا تكفيك من المادة الأخرى.
} سمعتك تتحدث عن السياسة (العمرية) تقصد أننا في حاجة إلى تشريعات جديدة مثلاً؟
– نحن محتاجون للسياسة العمرية التي كانت تؤاخذ على الشبهات وأحياناً كثيرة تحوم شبهات ويظل الشخص يعمل بينما الشبهات تهز الثقة، تذكرت لما كان العاملون مع الوالي “محمد عثمان محمد سعيد”- الله يرحمه- في أول الإنقاذ كان ناس المكاتب فدائيين يسهرون الليل يخدموا الناس في أزمة الخبز والبنزين، والآن يبدو أننا انتقلنا من الفدائيين إلى الانتهازيين وناس الرفاهية، ومعنى كدا نرجو أن تعمل هذه الحادثة مراجعة ونستلف عصا عمرية تجعل البعيد يخاف من الحساب مش القريب من الوالي.
} في رأيك هل تتحمل الإنقاذ وزر ما يحدث اليوم من فساد وتجاوزات؟
_ صحيح أن الإنقاذ كان ثوبها نظيفاً.. ما كان فيها مطعن، ويبدو أنها كبرت وعجزت عن الرعاية الكاملة وبالتالي هي تؤاخذ على ذلك، ولابد من مراجعة ذلك والحزب تحدث عن معاقبة أعضائه معاقبة مغلظة إذا كانوا تعدوا كأفراد مش عندهم تغطية ولا تسوية، وكان أقرباء “عمر” هم أشقى الناس بالقرب.
} في أعقاب قضية الفساد بمكتب الوالي ظهرت تكهنات بإقالة عدد من الولاة بذات الشبهة والتقصير؟
_ الاتهام بالجملة فيه تجاوز والبعض أيضاً يريد أي رمز يعمل ليه ملف أسود ودا شيء ما كويس.. أي والي منتخب عنده أجل، إذا حامت حوله شبهات مفروض المركز يعمل على تفتيشه، لكن أن يشاع حتى يقال إن الوالي قدم استقالته ويكون هو ما قدمها، معناه هنالك جهات تعمل على تدمير الثقة بين المركز والولايات.
} أخيراً حدث تغيير جذري للنافذين في الحكم بالبلاد مثل د. “نافع” و”علي عثمان” وغيرهما ألا تخشون أن يؤدي ذلك إلى ضعف الحكم؟
_ صحيح حدث تغيير وذهبت قيادات لكن هذا لا يعني أنه لا توجد متابعة، ولا مانع أن يشارك الذين ذهبوا في الحكم من خلال البرلمان أو الهيئات التشريعية.
} كيف تنظر إلى طفو الفساد على السطح بعد (25) عاماً من مجيء الإنقاذ، خاصة أنه في البداية لم يعتد الناس سماع ذلك في العلن؟
_ ما حدث له نظرتين، القراءة الإيجابية كأن يقول الرئيس أتحنا للناس من خلال تقرير المراجع العام بالشفافية والمناقشة في البرلمان.. في دول كثيرة سنين ميزانيتها لا تراجع، ووالي الخرطوم أبلغ عن ما حدث.. والقراءة السلبية كما قلت إنه في بداية الإنقاذ كانت في (انكرابة) وحزم وخدمة، والآن أصبحت في مغانم، وبالتالي في ناس يكثرون عند الطمع ويقلون عند الفزع.. ويبدو أنه فعلاً حدثت مغانم كثيرة بعدما جاء البترول وتطاول الناس في البنيان والدولة نفسها أسرفت في المعمار في العشر سنين دي.. (فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ).. نحنا ما خليناه في سنبله، خلينا المعمار أطل برأسه، والأبراج دي أكلت الفائض النقدي حق عشر سنين بترول، والناس على دين ملوكهم، حتى كثيرين بنوا مباني لا يحتاجون إليها.
} في ماذا ترى أنه يجب الإصلاح حتى تعود الأمور إلى نصابها؟
_ المؤتمر الوطني عكف على وثيقة إصلاح يمكن ستة أشهر، وفي النهاية هي التي قرأها الرئيس في مؤتمر الحوار، وتشمل إصلاحاً سياسياً واقتصادياً.. وحول معاش الناس خاصة بعد التظاهرات السابقة في سبتمبر بعد رفع الدعم عن السلع لابد من مراجعة عشان تحدث عافية للاقتصاد السوداني.
} هنالك جمود و(سكتة) حدثت بعد إعلان الرئيس للحوار.. هل ترى أنه يمكن أن يفضى إلى حلول؟
_ كأي أمر سوداني فيه بطء.. يعني أنا ألفت في السوداني قول (إذا قيل ادخل الجنة قال دقيقة)، والآن الأحزاب كلفت بأن تنتخب سبعة أعضاء للمشاركة في إدارة ورئاسة الحوار هي ما قادرة تتفق على السبعة.. المطلوب أن يحصل جدول زمني لمسألة الحوارات عشان لما يجينا وقت الانتخابات ما نحرج إنه فاجأنا العيد.
} لكن هناك أحزاب اشترطت تنحي الرئيس “البشير” عن الحكم؟
– بالعكس بعض الأحزاب ترى في “البشير” ضماناً لاستمرار حقوقها ووجودها، والأحزاب التي اشترطت ذهاب “البشير” أحزاب صغيرة وقليلة الحيلة في الانتخابات لو جاءت، ولكن أنا أقول إن “البشير” لن يحكم إلى الأبد، حتى الذي لديه رأي مثل الذي قال للرئيس في جلسة الحوار (البيبسي بيبسي والكولا كولا وأنا مترشح لعلمك) خلاص يجي يترشح.. أحسن يُقال الرئيس من خلال الترشيح حتى إنت محتاج لدولة ترعى ليك الانتخابات القادمة وإذا إنت عملت انهيار للدولة كيف ترعى الانتخابات؟!
} مؤخراً رفض مجلس تسجيل الأحزاب تسجيل الحزب الجمهوري.. ماذا عن ذلك من وجهة نظر فقهية؟
_ حسناً فعلت الدائرة المسؤولة عن التسجيل لأن هذا الحزب عنده خطرفة خارج أصول الدين، ونحن شهدنا تكوين هذا الحزب ولاقينا “محمود محمد طه” وحاججناه ووجدته ليس لديه ما يرد به، وهذا يمكن أن نسرده لكم في وقت لاحق بالتفصيل، وأيضاً حوكم فكرياً وقانونياً وأعدم بناء على فكره وإصراره على الخروج عن الدين في كتبه المنشورة.. ثانياً الجماعات الفكرية التي لديها اختيارات خاصة وترجيحات هي جماعات مغلقة وليست سياسية، والسياسة هي الاتفاق على ما يجمع الناس، وبالتالي أنت ترشح نفسك في دائرة انتخابية فيها ملل ونحل وتطلب أصوات حتى الملل الأخرى، وإذا إنت بقيت دائرة مغلقة داخل الملة حتى في مساجد المسلمين لا تصلي، فكيف تكون في حزب.. حتى الأحزاب السياسية إذا أدخلت نفسها في فتاوى ستكون معزولة لأن الذين يقتنعون بالفتاوى أقلية، والحزب الجمهوري نفسه ليس حزباً سياسياً.
} بالنسبة لما حدث للإخوان في مصر ألا تخشون من ذات المصير خاصة في حال تصاعدت القوى اليسارية والامبريالية؟
_ “مرسي” ما لقى زمن عشان نحاسبو عليهو لكن الحاسبوه قالوا ما قدر يعمل احتواء لوضع مصر، لأن الذين صوتوا للمرشح “أحمد شفيق” أكثر من (40%)، وهذا عدد لا يستهان به، وكان لابد من استيعاب هؤلاء.. الآن نحن حوارنا من أجل استيعاب ما حدث في مصر، وهو ليس حركة سياسية ضد الإخوان وإنما انقلاب عسكري ونحن متفقون مع الإخوان المصريين القالوا دا انقلاب عسكري، فحركة “السيسي” انقلاب عسكري، والآن لو فاز يكون زي “مبارك”، والآن نحن نعمل في ترياق لهذا الذي حدث للإخوان في مصر لأننا نريد أن نستوعب الآخرين معنا.. إذن خطنا غير خط الإخوان المصريين.
} مما تتخوفون.. من المتمردين أم الأحزاب السياسية بالداخل؟
_ المتمردون جهودهم لتغيير النظام في الخرطوم حملة زي حملة “خليل إبراهيم” التي انتهت في الكوبري، ولم تستطع عبور كوبري أم درمان للخرطوم، وزي الإزعاج والهجوم على (أبو كرشولا) وأظن لا أحد يستطيع بـ(التاتشر) يدخل القصر بعد مفاوضات زي ما “مني أركو” قعد في القصر لكن لا تستطيع أن تأتي على الخرطوم كلها.. حتى الآن أي نظام عسكري بالسودان تغير بالانتفاضة، وأي نظام مدني تغير بانقلاب عسكري.. كل الانقلابات العسكرية على أنظمة عسكرية فشلت في زمن “نميري” وفي زمن الإنقاذ، وبالتالي الأحزاب الشغالة في العمل العسكري ستعمل إزعاج، لكن لم تعمل تغيير لنظام الحكم.. يعني السودان ليس كتشاد، إنو الزول يجي بقبيلة مسلحة يقوم يمسك الحكم.. السودان عنده بنية وعنده سعة، ولما الزول يصل الخرطوم يكون اتبخر كل جيشو.
} شيخ الكاروري.. المجتمع الآن به تغيير كبير في ثقافة الناس وأنماط حياتهم.. هل يحتاج ذلك أيضاً لمناهج تربوية بديلة تواكب ذلك؟
_ نعم هذا ما يحدث الآن في زيهم وأطعمتهم، وفيما يشاهدون.. دي كلها مؤثرات ثقافية على سلوكهم أو إفرازات تعبر عن سلوكهم في نوع المعمار والمباني، أنا دخلت مسجد جُدد بناؤه وأعجبت بالتجديد لكن فوجئت أن المحراب إذا وقف الأمام يتشكل أمامه صليب من نور، يعني إمعاناً في التمويه.
الآن البلاد المنتجة لهذه الوسائط أبناؤها يقرأون ساعات طويلة كما في اليابان.. نحن نريد الإلكترون نوظفه في العلم وفي الاختراع.. نريد أن نبني السودان بالعلم وليس بالمشاهدة.. في أطفال لأغنياء أصبحوا مصابين بالأنيميا لأنهم يفضلون الحضور في المشاهدة على الفطور.
} وصيتك للأسر السودانية حتى تحافظ على أبنائها؟
_ أنا أدعو البيوت إذا عملت شاشات مشاهدة تكون في الصالات وليس في الغرف المغلقة لكي لا يتمكن الشباب من الخلوة.. وأذكر مرة أن ابنتي كانت مصرة يكون عندها (لابتوب) لأنو كل بنت في المدرسة كلفت بأن يكون عندها (لابتوب)، أنا اتصلت بالمدرسة وتبرعت بجهازين كمبيوتر ثابت ودعوتهم أن يكون في أية مدرسة في قاعة كمبيوتر، وأصبحت حتى على مستوى البيوت في كلفة اقتصادية على تملّك الأجهزة الحديثة والكمبيوتر، وتبعاً لذلك ظهرت سرقات واعتداء متكرر على البيوت لأن اللصوص يعرفون أن الموبايلات في الشحن والناس نايمة، وأصبح يومياً في دوائر الشرطة بلاغات عن هكذا حالات.. هذه الأجهزة من الموبايلات التي تصل أسعارها إلى (7) ملايين.
} هل من حق الدولة التدخل إذا دعت الضرورة لحظر تقنية محددة مثلاً (واتساب) و(فيسبوك)؟
_ المختصون سمعت منهم في وقت مبكر أنه لا يمكن أن تقفل البلد، لكن ممكن إلكترونياً تتدخل باختيارات، وفي بلاد كثيرة عندها حماية، والصراع بين أوروبا وأمريكا به تدخل وحماية، والناس ما تفتكر إن العالم فاتح سقفه لكل حاجة.
} كيف تتم الحماية؟
_ بالتأثير في البث نفسه.. هناك طرق فنية للتأثير في البث، وعندما ننزل في الفنادق في بعض البلدان نجد البث مبرمجاً على محطات وخيارات محددة وهذا تدخل، على الأقل أنت في الأماكن التي عندك فيها ولاية خليك متدخل بالخيارات.
} لعلك تراقب ظهور جماعات الملحدين والشواذ جنسياً في الشبكة العنكبوتية.. بماذا يمكن احتواؤها؟
_ هذه جماعات شاذة فكرياً أو سلوكياً، والمطلوب أن تحاصر لكي تظل شاذة.. وفي بريطانيا اعترفوا بالزواج المثلي، وهذا خراب.. أما تكوين جماعات تعمل على الإعلان عن نفسها بالحفلات الماجنة والرقص الخليع.. هذه مظاهر خطرة لابد من مؤاخذتها بالقانون وردعها.