تحقيقات

أهالي منطقة (بوهين) بالشمالية.. هل تصلح العودة الطوعية ما أفسده تهجير (الحلفاويين)؟!

لم يك أهل منطقة (بوهين) التابعة لمدينة حلفا يعلمون بما ستحمله وتجره عليهم المبادرة التي أعدوها وأطلقوها لترفيع منطقتهم والنهوض بها اجتماعياً واقتصادياً من خلال (مؤسسة بوهين التعاونية الزراعية) في العام 2010م لخدمة وحماية مصالح أهل المنطقة، في محاولة منهم لرأب صدع عملية التهجير التي فرضت عليهم منتصف القرن الماضي عندما تم ترحيلهم إلى حلفا الجديدة، بأن يساهموا في إعادة توطين من لديهم الرغبة بعد الإشكالات والأوضاع المزرية من فوضى وضعف التعليم وانتشار الأمراض بفعل رداءة البيئة، وذلك من خلال إقامة مشاريع تنموية تساعد في ذلك، فكانت (جمعية بوهين) التي تكونت من أهل المنطقة عبر مجلس إدارة ومكتب تنفيذي وأعضاء الجمعية العمومية (62) عضواً. إلا أن ثمة خروقات وتجاوزات قانوية لا تصب في مصلحة المؤسسة أدت إلى الفتك بتماسكها وحادت بهم عن الأهداف المنوطة بها، وتحول الأمر إلى مطامع شخصية أثارت سخط أعضاء الجمعية، فسارعوا إلى الطعن في المتجاوزين سيما وأنهم استخدموا اسم الجمعية في بعض التعاملات دون الرجوع إلى أعضائها، بل ذهبوا أكثر من ذلك بتكوين جمعية أخرى باسم (بوهين شمال) وحرروا بها عدداً من المعاملات لا تصب في مصلحة الجمعية.
} فذلكة تاريخية
تأثرت مدينة وادي حلفا التي تقع أقصى شمال السودان ببناء السد العالي وغمرتها مياه بحيرته، وهُجّر سكانها إلى الشرق خلال عملية التهجير التي تعرضوا لها من قبل السلطات الحاكمة إبان حكم “عبود”، وقد عرفت منطقة وادي حلفا بأنها كانت من المدن والمناطق المنظمة ذات العمران المتفرد والحياة المدنية المستقرة والمرتبة، وعرف سكانها بارتباطهم بالأرض والنخيل والنيل والتعليم، فضلاً عن تميزهم مدنياً واجتماعياً، فالعلاقات بين الأسر مزدهرة وعامرة في مختلف المناطق والأجزاء شرق أو غرب للنيل.
ولكن، وبعد إغراق منطقة وادي حلفا بمياه النيل وتدمير كل منشآتها ومبانيها وحضارتها قبل أن يعاد إحياؤها مجدداً، تم تهجيرهم إلى المنطقة الجديدة ذات البيئة القاسية والغريبة عليهم، وذلك في العام 1964م. فرحل الحلفاويون والحسرة تملأ نفوسهم وتمزق قلوبهم التي انفطرت من الحزن والأسى، وشهدت السنوات الأولى من الهجرة وفاة عدد كبير من كبار السن من مختلف قرى حلفا الجديدة، خاصة في الأعوام الثلاثة الأولى بعد الرحيل نسبة للحالة النفسية بعد مفارقة الوطن الأم أو نتيجة لإرهاق وتعب السفر والترحيل لإصابتهم بأمراض غريبة لم يألفها أهل حلفا من قبل في وطنهم الأم.
استمرت حياة أهل حلفا في أرض وقرى وبيوت شهد تنفيذ وتشييد مبانيها كثيراً من الأخطاء الفنية الفادحة ولم تراعَ فيها النواحي الصحية. وفي مطلع الثمانينيات استعادت حلفا القديمة بعض أهميتها كميناء نهري بفضل تحسن التجارة بين مصر والسودان.
} العودة الطوعية
وتدريجياً بدأت العودة الطوعية لمواطني حلفا الذين استعاد بعضهم أراضيه فيما اشترى آخرون قطعاً سكنية وشيدوها هذا بخلاف الأراضي الزراعية، وبجانب العشر قرى التابعة لحلفا القديمة هناك منطقة (بوهين) التي عرفت بتضافر جهود أهلها وسعيها الحثيث للتنمية، وهي مستوطنة من مصر القديمة في منطقة النوبة تقع على الضفة الغربية من النيل، ومن معالمها القلعة، التي شيدت على الأرجح خلال حكم “سونسرت الثالث” جنوب أرقين بحوالي (13) كلم، وتعدّ موقعاً أثرياً معروفاً، يرجع تاريخها إلى القرن الخامس والعشرين قبل الميلاد، حيث كانت مركزاً لتعدين النحاس ثم استمرت كمركز تجاري بين مصر والسودان.
} صراع المصالح
بيد أن ثمة صراع يدور الآن في المنطقة حول (جمعية بوهين التعاونية)، وقد شرح المكتب التنفيذي للجمعية تفاصيله لـ(المجهر) بأنه سبق وأن تقدم الأعضاء بعدد من الشكاوى والطعن في الإجراءات الخاصة بمؤسسة (بوهين شمال التعاونية الزراعية) التي تأسست في 2010م لخدمة أعضاء المؤسسة المساهمين، وخلال تلك السنوات لم تقدم أية خدمات، بل قامت بالتصرف في رأس مال المؤسسة، ونزعت إلى تكوين جمعية عمومية لإعادة تسجيل المؤسسة لدى المسجل العام للجمعيات التعاونية.
كما أن الجمعية العمومية غير قانونية، لم تتم فيها مراجعة حسابات المؤسسة، ولا تحديد الجمعية العمومية عبر اجتماع للمكتب التنفيذي، ولم يطلع أعضاء المكتب التنفيذي على خطاب الدورة ولا الميزانية، وحسب أعضاء المجلس التنفيذي كان ذلك يوم السبت 28/12/2004م بعمل فردي من السكرتير السابق.
} إيصالات غير معتمدة
لذلك قام المكتب التنفيذي بالطعن لدى الأمين العام لأمانة التعاون، ضُمن الخلل الذي حدث في دعوة انعقاد الجمعية العمومية، وأنه قد تم استعجال انعقاد الجمعية العمومية دون إخطار أعضاء المكتب التنفيذي ولم يتم عرض خطاب الدورة والميزانية عليه، وبعمل فردي من الأمين العام تمت إجازة مقترح استمرار اللجنة السابقة دون تحديد الضباط الثلاثة، وحتى تاريخ اليوم لم ينعقد اجتماع المكتب التنفيذي وتحديد الضباط ومهام المكتب التنفيذي للدورة الجديدة رغم ملاحقة ومطالبات عضوية المكتب التنفيذي بتحديد اجتماع عاجل لتكوين المكتب الجديد.
وأضاف المكتب التنفيذي في حديثه لـ(المجهر): (حوصرنا بعدد كبير من عضوية الجمعية العمومية بتساؤلات عن المكتب التنفيذي وتحديد الضباط ومهام المكتب التنفيذي، وعلمنا بأن هناك عملاً جارياً بواسطة الأمين العام السابق وجمع رسوماً وجبايات بإيصالات غير معتمدة من الجهات الحكومية لرسوم أراضي وادي حلفا المقرر لها (650) ألف جنيه، لكنهم يتحصلون من الشخص على مبلغ (1100) جنيه وهذا مخالف للقانون، وقدمت اعتراضات من غالبية المكتب التنفيذي وعضوية معتبرة من أعضاء الجمعية العمومية).
} عمل انفرادي
وقال المكتب التنفيذي أيضاً إن الأمين العام السابق اعتاد العمل والسفر الانفرادي دون الاجتماع أو المشاورة مع المكتب التنفيذي، محتفظاً بجميع المستندات دون عرضها على الأعضاء، ولم يتم توزيع خطاب الدورة والميزانية.
وحسب مكتوب المكتب التنفيذي (نود التكرم شاكرين بوقف هذه المعاملات التي تتم بواسطة هؤلاء النفر من المكتب والتحقيق في تلك الإجراءات التي تتم حتى الآن وإعادة الدعوة لانعقاد جمعية عمومية بإجراءات صحيحة وإخطار أعضاء المكتب التنفيذي وأعضاء الجمعية العمومية وعرض وتوزيع خطاب الدورة والميزانية، ويكون ذلك قبل وقت كافٍ وبلجنة محايدة).
} مستندات معضدة
المستند الأول يعنى برد المسجل العام على الخطاب بتاريخ 9/1/2014م، وأوضح فيه بأنه تم إلغاء إجراءات الجمعية العمومية السابقة، وإحضار المستندات للمراجعة، ومن ثم تحديد اجتماع لاحق لعقد الجمعية العمومية بخطاب للسيد رئيس مجلس إدارة (مؤسسة بوهين شمال التعاونية الزراعية).
أما المستند الثاني، ورغم خطاب الوقف المذكور، فإن السكرتير السابق ظل يواصل العمل بدون مجلس إدارة ودون اجتماعات، وعليه تم استئناف قرار المسجل لدى السيد وزير التجارة، والمستند معتمد من قبل وزارة التجارة الخارجية وبتوقيع مسجل عام الجمعيات التعاونية. أيضاً تمت مكاتبات بين السيد الوزير والمسجل ولم يتم الرد على الاستئناف المقدم حتى الآن.
} ملخص القضية
وجوهر القضية يكمن في أن السكرتير السابق قام بإجراءات فيما يخص برنامج العودة الطوعية لأهالي منطقة بوهين، فضلاً عن تسلّمه رسوماً غير قانونية بإيصالات تحصيل غير مختومة والمبلغ المحدد لرسوم الأراضي حسب إفادة وزير الشؤون الهندسية هو (650) جنيهاً وهو يتحصل مبلغ (1100) جنيه. ليس ذلك فحسب، بل ذهب أكثر بإنشائه جمعية تعاونية وهمية باسم (جمعية بوهين شمال التعاونية) بالولاية الشمالية بعضوية المؤسسة احتيالاً على القانون لأن لدينا- والحديث لممثلي المكتب التنفيذي- (جمعية بوهين التعاونية) المسجلة بالولاية الشمالية، وهي الجهة المخول لها العمل في الولاية الشمالية، كما جاء في خطاب إدارة التعاون محلية وادي حلفا بالولاية الشمالية، وأيضاً في خطاب وزارة التخطيط العمراني والإسكان.
} جمعية خيرية وهمية
وزاد (المكتب التنفيذي لجمعية بوهين التعاونية) بأن الأمين العام السابق عمل على تزوير جمعية خيرية وهمية، وأصبح يعمل في الأراضي السكنية والزراعية وتصاديق للتنقيب عن الذهب ومحطات الوقود، وقد ثبت التزوير للأجهزة المختصة بالولاية.
وقال إنهم قاموا بمخاطبة السيد وزير الشؤون الهندسية بالولاية الشمالية، لكن ورغم تلك الإجراءات ما زال السكرتير السابق ومن معه يلاحقون المسؤولين حتى يضعوا أيديهم على أراضي العودة الطوعية برغم أن الوزير قد وجه بأن العودة الطوعية للمهجرين من وادي حلفا.
} آمال معلقة
ووفقاً لكل ما سبق، يأمل أهالي منطقة (بوهين) من الجهات المعنية التحقق من ذلك، وأن السكرتير السابق يجد الدعم والمساندة من المسجل العام للجمعيات التعاونية، وأعلن عن قيام جمعية عمومية للمؤسسة يوم 3/5/ 2014م بدون انعقاد مكتب تنفيذي وقبل أن يطلع الأخير على خطاب الدورة والميزانية.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية