رأي

معرفة القيادات

{ أهم مشكلة تواجه الأحزاب وهي في مرحلة بناء القواعد هي كيفية معرفة القيادات الجماهيرية، فهذه الأحزاب ظلت لأكثر من عشرين عاماً دون أي نشاط حقيقي، وحتى القليل من النشاط كانت الحكومة تدفع أجره كاملاً دون عناء أو تعب. وظلت هذه الأحزاب مستمتعة بالعطف الحكومي طوال هذه الفترة، ولم تفكر في يوم أنها ستكون مضطرة لبناء قواعدها بنفسها، وهي الآن في حيرة كيف تعرف القيادي الحقيقي من القيادي المزيف . القيادي الذي تحركه المبادئ من الذي تحركه النقود، وأنا أحاول أن أساعد هذه الأحزاب في معرفة القيادي.
منذ المرحلة الطلابية تظهر القيادات وحدها من خلال اهتمامها بالإطلاع ومعرفة الأسس والنظريات السياسية، في تلك المرحلة يتمايز الناس بثقافاتهم تلك المرحلة التي قد تكون نهاية المرحلة المتوسطة (سابقاً) يظهر صاحب الصفات القيادية، ولا يشترط أن يكون قادراً على مخاطبة مئات الناس يكفي أنه لا يتهيب أي نقاش ويستطيع الدفاع عن مبادئ الحزب في أي موقف. هذا الطالب يفعل ذلك وليس في ذهنه أنه سيكون قيادياً رغم صفاته القيادية بعد ذلك تأتي مرحلة أخرى، في قياس عدد الطلاب الذين يلتفون حوله، فالقيادي من صفاته أن له هيبة ووقاراً بين زملائه، ويعارك في كل التظاهرات ولا يخاف. من بين هؤلاء يخرج قيادي يقود مجموعة أخرى من القيادات أكرر من القيادات وليس من الأفراد، ويستمر هذا القيادي في المرحلة التالية من الدراسة بنفس صفاته القيادية مدافعاً عن مبادئ الحزب عن معرفة وإدراك وليس دفاعاً عن جهل، ويستعين في ذلك بآيات من القرآن وأبيات من الشعر في المواقف المناسبة، ويعرف كل الأمثال الشعبية التي يستعين بها في حديثه.
القيادي الحقيقي هو من يستطيع قيادة أكثر من عشرة أشخاص في مظاهرة دون خوف، ويقنعهم بالاتجاه الذي يريد أن يتجه إليه ويعرف متى يهجم ومتى ينسحب. وليس القيادي هو من يهاجم طوال الوقت على الناحية الأخرى نرى لرأي الجماهير في هذا القائد دور مهم جداً وهم يقيمون هل يتعالى عليهم أم يتواضع. وأهم صفة للقيادي هي التواضع ومعرفة مشاكل المجموعة التي يقودها فرداً فرداً، ومعرفة مشاكل الحزب إن كان لفرد مشاكل عائلية والعمل على حلها. المفترض أن الأحزاب طوال هذه الفترة تكون قد بنت قياداتها الطلابية، وتستطيع أن تميز بين القيادي الحقيقي والمزيف، ولابد أن يكون أي قيادي قادماً من منطقة بعيدة عن الأخرى ملماً بمشاكل هذه المنطقة وطرق حلها، وأن يكتب تقارير أسبوعية عن الأوضاع في منطقته. والمفروض أن القائد يرى مشاكل لا يراها غيره وهو بالتالي يكتب باستمرار عن تطورات الأوضاع في منطقته، وهذه التقارير يناقشها مؤتمر موسع يضم القيادات مع اقتراح الحلول. ولا يجب أن ينتظر من الحكومة كل الحلول بل يجب أن يبادر بنفسه لاقتراح الحلول إذا كانت المشكلة مشكلة عطش. يجب أن يكون الحل السريع (حفر الآبار) أو ترحيل المنطقة إلى حيث تتوفر المياه، أو اقتراح عمل (حفائر) لتخزين مياه الخريف كما يحدث في البادية، ولكن لا يجب أن يكون الحل هو الهجوم على مناطق أخرى لأخذ مواردها بل يجب أن يبتكر هو الحلول.
من هذا البناء للشخصية تجمع كل القيادات في مؤتمر عام على أن يأتي كل منهم بملف يحمل مشاكل منطقته مع الحلول، وأن يعين كل منهم قائداً لمنطقته يكون مسؤولاً عن حل كل المشاكل ببساطة، ويكون من النوعية التي تفضل البقاء في القرية وكتابة التقارير ولا يهتم بالحياة في المدن. وبهذا نكون قد بنينا قيادات جماهيرية دون تكلفة كبيرة، وهذه القيادات لها الإلمام بكل المشاكل التي تخصها، وينبغي أن تكون هذه القيادات من الجنسين حينما لا نجد قيادياً رجلاً مناسباً، وعندما نأتي للمؤتمر العام نكون على إلمام بكل القيادات في كل المناطق. ويمكن تجميع أبناء كل منطقة بحيث يكون عشرة منهم يمثلون تجمعاً يختار من بينهم واحداً، وبهذا نكون قد حصلنا على قيادات تغطي كل السودان، وأن تجهز لهذه القيادات شعارات تحمل في كل مكان ويؤمن بها حاملها. وهكذا نكون قد حصلنا على قيادات مكتملة التدريب ملمة بمشاكل الجماهير في منطقتها، تجيد فن القيادة صلبة لا تفضل العيش في المدن.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية