«السعودية» و«قطر» الصلح خير..!!
ترك المستعمر المشكلات الحدودية وغيرها في البلاد العربية الإسلامية التي كانت تحت قبضته. وفي ذلك الإطار سبق أن كان نزاع في مفتتح تسعينيات القرن الماضي، نزاع بين “المملكة العربية السعودية” و”قطر” شأن النزاع بين “مصر” و”السودان” في (مثلث حلايب) الحالة التي كانت بين كل الدول العربية.
عليه، وقد كنت رئيساً لتحرير صحيفة (الإنقاذ) كتبت في 4 أكتوبر 1992م، تحت عنوان (السعودية وقطر.. الصلح خير..) أقول: إن ما بين “قطر” و”السعودية” كشعبين عربيين مسلمين جارين أكثر من حقول نفطية أو غازية أو مصالح ومغانم دنيوية حبا الله كلاً منهما بالكثير منهما، فثمة صلات وتداخلات سكانية وأسرية تاريخية بين مواطني البلدين وسراة القوم فيهما. ذلك فوق ما نعلم من أن البلدين تجمعهما كيانات ومنظمات جهوية وعربية وإسلامية تجعل اللجوء إلى استخدام (العنف) أو التلويح به بفعل إغراء الشيطان وأعوانه.
وسبحان الله ختمت كلمة رئيس التحرير تلك، قبل اثنين وعشرين عاماً بما يلي:
لقد تداخلت دولة “الكويت” بالموضوع ودعا السودان في بيان إلى أن تسود الحكمة وتتراجع “المملكة العربية السعودية” عن كل ما يعد خروجاً على المألوف والمعروف في سجلها الإقليمي لاسيما الخليجي، ففي الحكمة و(الدبلوماسية..!) والسياسة متسع للجميع.. وبعد ذلك بثلاثة شهور – تقريباً 22 ديسمبر 1992م، كتبت تحت عنوان (أنطفأ الحريق السعودي القطري.. ولكنه..!) أقول: تنفسنا الصعداء آخر الأمر وعادت لدول مجلس التعاون الخليجي وحدتها بعد أن كادت الأزمة الحدودية السعودية – القطرية أن تعصف بها.
ويذكر عندئذ أن كان لجمهورية مصر العربية دورها في (لملمة) الشأن السعودي القطري، وقد كان جهداً عربياً مقدراً ويتعين عليها الآن ديسمبر 1992م، أن تعمل على لملمة الخلاف المصري السوداني ولا سيما في أعقاب تصريحات الفريق “البشير” الأخيرة – أي قبل اثنين وعشرين عاماً – التي رفض فيها أمام حشود جماهيرية كبيرة بالخرطوم اقتتال العرب ضد بعضهم البعض.. وقال فيها بملء فمه (إن طلقة واحدة لن تنطلق منا باتجاه أشقائنا في مصر).
وفي 7 أغسطس 1993م، كانت لي كلمة أخرى وأنا رئيس تحرير صحفية (الإنقاذ) يومئذ بعنوان (عودة الروح للعلاقات السودانية المصرية)، غير أن تحليلات ومشاهد سياسية أخرى في صحيفة أخرى كانت قد نقلت بعناوين لم تبشر بخير..!
ومن عجب أن المشهد والمسرح العربي لم يخلُ اليوم من ذات التناقضات والمشكلات وأن خفّت ملامحها.. فقد أعلنت ثلاث من دول الخليج الكبرى وذات الأثر وهي “المملكة العربية السعودية” و”دولة الإمارات” و”دولة البحرين” سحب سفرائها من دولة “قطر”.. وهو في ما يبدو عنف (دبلوماسي) وسياسي.
ومرة أخرى وعبر دعوته لـ”دولة الكويت” بالتعاطي بالموضوع دعا السودان بشكل عام إلى أعمال الحكمة في شأن العلاقات الخليجية المتكاملة التي لا تقبل القسمة أو الخلل في الحسابات، وقد كانت القمة العربية الخامسة والعشرون في “دولة الكويت” عنصر جمع وتأليف وتوليف لقراراتها وتوصياتها بخاصة وأن “دولة الكويت” صاحبة السابقة مع “مصر” في لملمة الجراح السعودية – القطرية، هي الآن رئيس هذه الدورة الـ(25) للجامعة العربية.. وإن كانت جمهورية “مصر” الآن غير ذات حيلة في هذا الشأن لظروفها الخاصة والمعروفة.
الأزمة الإقليمية الخليجية الآن ليست في حدة أزمة الحدود، وإنما تعبير عن عدم توافق المصالح والمنافع عبر وسائل دبلوماسية ليست حادة لم تتجاوز سحب السفراء. ونحسب أنها في طريقها إلى أن تنجلي تبعاً لتوصيات وقرارات القمة الأفريقية الأخيرة، التي دعت إلى تعزيز العلاقات العربية السودانية بغرض ترسيخ السلام والاستقرار في السودان وصولاً إلى تحقيق مبدأ (غذاء العالم) الذي طرح وقيل عن السودان منذ مدة.
وزيارة الأمير “تميم بن حمد آل ثاني” أمير “دولة قطر” إلى “السودان” الأسبوع الماضي والعلاقة بين البلدين قوية وراسخة، جاءت في ذلك الإطار الذي تبنته القمة العربية الخامسة والعشرون.. ونرى أن على ذلك الطريق سيسير الآخرون في مجموعة (1+5) الخليجية بزعامة “المملكة العربية السعودية” مما يخفف تماماً من غلواء الأزمة الدبلوماسية التي نفخ البعض في نارها.
ونحن الذين نعود إلى ما كتبنا قبل اثنين وعشرين عاماً في (المشهد السياسي)، هذا الصباح نقول مرة أخرى ليس لـ”المملكة العربية السعودية” و”دولة قطر” وحدهما (الصلح خير) وإنما لكل المجموعة الخليجية التي تبنت سحب سفرائها من “دولة قطر”.. لأن تكامل المصالح في المنطقة وتشابكها يدعو لذلك، بل يفرضه ويحتمه.
أما العلاقات المصرية – السودانية وقد أشرت إليها في مقال بتاريخ 22 ديسمبر 1992م، وكان لجمهورية مصر دورها في (لملمة) الشأن السعودي – القطري يومئذ قلت عليها أن تعمل على (لملمة) الخلاف المصري السوداني ولاسيما في أعقاب تصريحات الفريق “البشير” الأخيرة – أي قبل 22 عاماً – التي رفض فيها أمام حشود جماهيرية كبيرة بالخرطوم اقتتال العرب ضد بعضهم البعض.. وقال فيها بملء فمه (إن طلقة واحدة لن تنطلق منا باتجاه أشقائنا في مصر..).
ذلك ما كان حصرياً وسودانياً قبل ربع قرن تقريباً.. فإلى أين تسير الأمور الآن والإعلام المصري يخرق الأذان.. والحديث عن (سد الألفية والنهضة) الأثيوبي يخرج عن أطواره وأسسه سياسياً.. وكأن جمهورية السودان ليست دولة مستقلة ولها جوار لا بد أن تحترمه وتحترم حقوقه، بل ترعى القوانين الدولية والعلاقات والحقوق التي تضبطها مرجعيات.
إن لجمهورية مصر حقها في أن ترعى حقوقها بما تكفله لها القوانين والتقاليد، وأن ترعى أيضاً علاقاتها مع الآخرين وبخاصة ذوي القربى والجوار والمصالح والمنافع التي لا غنى عنها.. فالعيال (كبرت) كما يقولون.. وصاحب الحق لا يتراجع عن حقه، بل يسعى إليه ويعمل بما أوتي من صلاحيات وإمكانات تدعمها الأعراف والتقاليد وحقوق المواطنة وسند المواطن.. وهنا أيضاً أي في العلاقات المصرية – السودانية الصلح خير..!)