رأي

رأفت الهجان السوداني

يتابع الكثيرون الآن حلقات مسلسل “رأفت الهجان”.. وكلما جاءت سيرة هذه الحلقات تذكر الناس عملية خداع كبرى نفذتها المخابرات المصرية على المخابرات الإسرائيلية. القصة التي نشرت على حلقات بمجلة (الملتقى) والتي لم تكتمل عن سوداني ساهم مع المخابرات المصرية في خداع المخابرات الإسرائيلية طوال أربع سنوات، وتعرض لمخاطر ونفذ عمليات صعبة جداً. نحاول الآن مع مختلف الصحف والمنتجين السينمائيين إقناعهم بأن هذه الحلقات أقوى من “رأفت الهجان”، لأن “رأفت الهجان” لم يشك بالمخابرات الإسرائيلية مباشرة وهذا فعلها، ولكن من يقنع أفندية التلفزيون أن هذه القصة لها معانيها العميقة وتقوي العلاقة بين مصر والسودان. وتؤكد لهما أن ماضياً كان مشرفاً عندما عملا معاً. ستكون خطاباتك إلينا عبر هذا العنوان (جرماي – تسقط – ص. ب أعداء). وكرر له الاسم ثلاث مرات ثم طلب منه إعادة مسامعه، وعندما تأكد أنه حفظه أعطاه خطاباً مروساً باللغة الإنجليزية يفيد بأنه مندوب تسويق لشركة عالمية لها فرع في أسمرا.
والطائرة تهبط بمطار الخرطوم كانت المدينة تستقبل رزاز آخر أمطار خريف 1960م، رغم الجو الغائم والأنسام الخريفية إلا أن صراع الأفكار في ذهنه كان يمنعه من الاستمتاع بنسائم ذلك النهار.. وهو في المقعد الخلفي لسيارة التاكسي التي أقلته من المطار إلى منزله بالخرطوم (2).
ويبدو أن الهدايا التي غمر بها كل أفراد عائلته قد أنستهم سؤالاً عن طبيعة العمل الذي قاله لهم قبل سفره أنه ذاهب للتفاوض حوله، ولكن شقيقه الأصغر “سيد” كان أول من سأله عندما عاد ظهراً.. فأبلغه بأنه عمل يتيح فرصة كسب كبير مقابل تسويق إنتاج الشركة، ولكنه لم يقرر حتى الآن ما إذا كان سيترك عمله الحالي أم لا!! كانت الخطوة الأصعب في نظره هي الخروج من هذه المصيدة، وذلك لا يتم إلا بإيقاع كل الشبكة التي يديرها “إبراهيم منشا” في الخرطوم. ويتطلب ذلك اتهام “إبراهيم” أنه مقتنع بالعمل معهم ولهذا ذهب إلى محل “إبراهيم منشا” في شارع الجمهورية.. عندما وجده مغلقاً لم يدر بخلده أي تغيير لهذا الإغلاق سوى أن الرجل مريض، أو ربما ذهب لقضاء حوائجه وذلك حدث كثيراً من قبل. وذهب إلى صاحب المحل المجاور الذي بادره قبل أن يسلم عليه.
– لقد ترك “إبراهيم منشا” مفتاح المحل هنا وطلب تسليمه لك.
– لماذا؟؟؟
– لقد سافر إلى “أثينا” قبل حوالي الأسبوعين.
– ألم يقل لك لماذا سافر؟
– قال بأن برقية وصلت أفادت بأن والده مريض.
– ألم يقل لك متى سيرجع.
– لن يرجع!!
– نعم.. لأنه باع كل بضاعة المحل قبل سفره وكان لي نصيب فيها.. وأنت تعرف أن اليهود يصفون أعمالهم هذه الأيام.
أشعل سيجارة محاولاً إخفاء اضطرابه وأخذ المفتاح وهو يتمتم بكلمات لم يتبينها وهو في طريقه إلى منزل “إبراهيم منشا” بالخرطوم (2)، استعاد في ذهنه عبارة شفرة أعطوها له أثناء تدريبه في أسمرا وكانت تقول (لم أجد قماش)، وتعني أنني لم أجد “إبراهيم. لقد طلبوا منه ذكر ذلك في أول خطابه أي أنهم كانوا يعرفون أنه لن يجده، وهذا يعني أنهم توقعوا منه الإيقاع بـ”إبراهيم منشا” لذلك طلبوا منه المغادرة النهائية.
تأكد له أن “إبراهيم” لن يعود مرة أخرى عندما وقف أمام منزل “إبراهيم” الحالي، إلا من حارس كبير السن أبلغه بأن الشركة التي يعمل بها اشترت المنزل قبل أسبوعين لاستخدامه كمكاتب!!
لم يكن أمام “إسماعيل” سوى البدء بالخطوة التي كان يعتزمها قبل أن يكتشف كل عناصر شبكة “إبراهيم” وهي الاتصال بقوات الأمن.. ولكن ماذا سيفيدون من هذه المعلومات التي ليس فيها إلا طلب التجسس على بلد مجاور، وحتى الشخص الذي جنده غير موجود!! على من سيقبضون؟!!
إنهم سيتصلون بالمخابرات المصرية لإبلاغها بالأمر.. إذن لماذا لا يقوم هو بذلك ويتصل بالمخابرات المصرية.. كيف؟؟ بالتأكيد الإسرائيليون يراقبونه ويتوقعون منه القيام بهذه الخطوة. أهديت نسخة من هذا الكتاب إلى الزميل “أحمد الشريف” فجاءني في صباح اليوم التالي بعيون محمرة، وصرخ في وجهي شكيتك على الله.. ساهرت بي حتى الثالثة صباحاً لأكمل قصة سوداني في قلب الموساد.. ورغم أن الأسماء والأماكن كلها مذكورة إلا أنه لم يصدق أن هذه القصة حقيقية.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية