مرضى التنميط النوعي .. حيرة الأصل والصورة!! (2 – 2)
رغم ارتفاع درجة الوعي لدى الكثيرين منا حول مرضى (التنميط النوعي) في السودان، إلا أن هناك من وضع على الموضوع خطاً أحمر وسياجاً من السرية لا يجوز تعديه أو الخوض فيه، فيما عده البعض ضرباً من الخيال، أو قصة من قصص ألف ليلة وليلة.. وهؤلاء البعض لا يخطر ببالهم أو يضعون في حسبانهم أن الأمر ما هو إلا خلل جيني ساهمت فيه عوامل عدة، تأتي في مقدمتها (القابلة) التي يختلط عليها تصنيف النوع، نتيجة لتشوه العضو التناسلي، فتعتقد أن الذكر أنثى، وتتسبب في تركه يعيش في جلبابها لأكثر من ثلاثين عاماً، يختلط بالإناث ويتعايش معهم بنوازعه الذكورية.. وكذا الحال بالنسبة للأنثى!!
(المجهر) وقفت على عدد من القصص والحالات التي قام أفرادها بتصحيح جنسهم والعودة إلى أصولهم الذكورية.. وبحسب الجمعية السودانية للتنميط النوعي، فإن هناك حوالى (400) حالة مسجلة حتى الآن، مع وجود حالات رفضت التصحيح خوفاً من سياط المجتمع اللاذعة!! لات رفضت التصحيح خوفاً من سياط المجتمع اللاذعة!!
} عروس تصبح عريساً!!
رغم الموقف السالب وتزمت بعض الأسر حيال إجراء عمليات تصحيح الهوية الجنسية لأبنائها خوفاً من المجتمع، إلا أن هناك مرضى – على حد قول البروفيسور أستاذ جراحة المسالك البولية ورئيس جمعية التنميط النوعي بالسودان “عماد محمد فضل المولى” – يتمتعون بعزيمة قوية للعودة إلى أصلهم الجيني وممارسة الحياة بشكل طبيعي غير آبهين بمن حولهم.
واستشهد البروف بحالة أجبرتها الظروف وزجت بها في موقف عانت منه الأمرين، وانتهى بها الأمر إلى الهرب!! إنها حالة مخنثة (ذكورية الأصل) آثرت الهروب ليلة زواجها، بعد عراك مع الزوج الذي أبت الارتباط به، ليس لشيء سوى لأن جميع نوازعها الداخلية تحدثها بذكورتها الحبيسة داخل العباءة والثوب لأكثر من ستة وعشرين عاماً!! ثم سعت للحل، ورغم أن رحلة البحث عن موقع جمعية التنميط النوعي كان أمراً شاقاً بالنسبة لها، استغرق خمسة أعوام كاملة، إلا أن نتائج العلاج والعمليات الجراحية أسفرت عن رجل مكتمل الذكورة، استطاع لاحقاً الزواج باثنتين بدلاً عن واحدة!!
} علاقة الوراثة
ولم تسفر الأبحاث والتجارب حتى الآن عن مدى علاقة حالات الخنثى بالعامل الوراثي، إلا أن إحصائيات (جمعية التنميط النوعي) أشارت إلى وجود علاقة تربط بين أحد أنواع الخنثى – يسمى (الخنثى الأنثوي الكاذب) – بالوراثة. والعامل الوراثي نسبته في ذلك تبلغ حوالى (40 %)، أما بقية الأنواع – بحسب رئيس الجمعية – فلا يتأكدون من الجانب الوراثي فيها، مشيراً إلى أن حوالى (43 %) من الحالات التي وردت إليهم كانت بسبب زواج الأقارب من الدرجة الأولى، وما يقارب (10 %) منهم تزوج آباؤهم من خارج العائلة، وهناك حوالى (4 %) ممن تزوج آباؤهم من القبيلة التي ينتمون إليها، أما الـ (43 %) المتبقية من الحالات قال “عماد” إن أصحابها لم يفصحوا عن قرابة ذويهم.
} الخنثى الذكري الكاذب!!
وأكثر الحالات التي تمثل إشكالاً حقيقياً لجمعية التنميط النوعي، هي (الخنثى الذكري الكاذب) الذي تبلغ نسبته من حيث التشخيص حوالى (35 %)، وتعريف الحالة بأن يولد الشخص ذكراً، لكن لنقص هروموناته الذكورية تكون أعضاؤه التناسلية شبيهة بأعضاء الأنثى، فيتعرض للختان ويتم بتر العضو الذكري.. وهناك إحدى القبائل تكثر فيها حالات الخنثى بحسب إحصاءات (جمعية التنميط النوعي)، وتبلغ نسبة (13 %)، ويرجع ذلك لكثرة زواجها داخل الأسرة، تليها قبيلة أخرى بنسبة (3 %).. ثم تاتي قبيلتان بنسبتي (2%) و(1 %).
} نصائح للأمهات
ولتفادي مشكلات (الخنثى الذكري الكاذب) يناشد بروفيسور “عماد” جميع الأمهات التحقق من الأعضاء التناسلية لأطفالهن، وملاحظة كل ما هو غريب من حيث الشكل أو الحجم قبل البلوغ، لأن العلاج يكون أكثر سهولة، شريطة نبذ الختان.. معلقاً بالقول: (زي الحالات دي ما موجودة في كل العالم.. مافي شخص بيكون عمره كم وثلاثين سنة يجي يصحح نوعه)!! مؤكداً أن الكثير من الدول تخطت هذه المرحلة لأن الطفل يصحح نوعه لحظة ولادته، مشيراً إلى أن بعضاً من الذين أجريت لهم عمليات تصحيح – للذكور – وهم كبار في السن، يصابون بالعقم ولا يستطيعون الإنجاب لأن حرارة البطن يكون لها أثر كبير على الخصيتين.
} تغييرات قانونية
إن التأخر في اكتشاف حالات الخنثى لا يلقي بظلاله السالبة على المريض أو أسرته فقط، بل إن الأمر يصبح معقداً حتى على (جمعية التنميط النوعي) التي تعمل على تهيئة المريض نفسياً وإخراجه من الصدمة، ومن ثم نقله من البيئة المحيطة به إلى مدينة أخرى، والسعي لإيجاد عمل آخر له، وذلك يتم بواسطة علاقات الجمعية التي يمتد دورها للعمل على تغيير الأوراق الثبوتية للمريض. وفي هذا المنحى أكد البروفيسور “عماد” تعاون رئيس القضاء السابق معهم بإصداره منشوراً قضائياً ينص على أن (جمعية التنميط النوعي) هي الجهة الخبيرة في السودان لتحديد الهوية الجنسية، وبفضل هذا المنشور يستطيع الشخص الذهاب للمحكمة الشرعية وتغيير أوراقه الثبوتية. ويضيف دكتور “عماد”: بالنسبة للشهادات الجامعية نقوم بإجراء اتصالات بمديري الجامعات للتعاون معنا في هذا الأمر.
وختم رئيس الجمعية حديثه لـ (المجهر) بقوله إن الفحوصات غالية ومكلفة جداً، وأعداد الحالات في ازدياد، فلا يمر أسبوع دون أن يحضر إليهم أربعة أطفال على الأقل، في إشارة إلى أن الحالات موجودة، ولكن اكتشافها ووعي الناس بعلاجها ظهر مؤخراً.
} فرح هستيري!!
إلى ذلك قال استشاري الطب النفسي وعضو (جمعية التنميط النوعي) بالسودان دكتور “عبد الرحمن أبو دوم” إن حرصهم على عدم تمليك المعلومات للناس، سببه خوفهم من (إعلام الإثارة) على حد قوله، مؤكداً أنهم عندما كانوا يعملون في صمت استطاعوا اكتشاف العديد من حالات الخنثى، مشيداً بدور الكثير من الأسر التي استطاعت تفهم الأمر، مما سهل المهمة في الوصول للنهايات المطلوبة، ولكن بذات القدر فإن هناك أسراً عقدت الأمر للدرجة التي أضرت بالمرضى!!
وبحسب دكتور “أبو آدم” فإن العلاج النفسي لا يقتصر على المريض فحسب، بل يتخطاه إلى الأسرة التي سعت لتقديم المريض للعلاج ومساندتها بمد يد العون، ثم تليها مرحلة التقييم النفسي لبقية أفراد الأسرة الذين لم يشجعوا المريض بالحضور معه، ومعرفة موقفهم من عملية التصحيح.
ولفت “أبو آدم” إلى أن أغلب الذين يأتون للجمعية كانوا يعيشون حالة من الاكتئاب، لأن الفرد منهم يعيش في مجتمع بنوازع بيولوجية مغايره له تماماً، الأمر الذي يربك المريض. مضيفاً أن هناك بعداً اجتماعياً ايجابياً للذين نشأوا إناثاً وتحولوا إلى ذكور، فضلاً عن أنهم يتمتعون بقبول، بعكس المتحولين من ذكر إلى أنثى.
وأردف “آدم” بقوله: إن فترة العلاج النفسي تختلف من شخص لآخر، فهناك – (من الذين تم تصحيح حالاتهم إلى ذكور) – من يصابون بحالات فرح هستيري، إذ كانوا موضع تندر من الفتيات لخشونة صوتهم، ولأنهم يصومون شهر رمضان كاملاً!!
} شروط فقهية
وعلى الرغم من اعتراف علماء الدين بجواز العمليات التصحيحية في ظل التكنولوجيا الحديثة التي أصبح من السهل معها اكتشاف الأعضاء الداخلية – (الرحم أو الخصيتين) – عن طريق الموجات الصوتية، إلا أن هناك شروطاً فقهية لهذه العمليات يجب التوقف عندها، وقد حصرها الشيخ “محمد هاشم الحكيم” في مدى الحاجة إليها، وأن لا يكون هناك ضرر أكبر من المصلحة، ويفترض في العملية أن تكون من باب إزالة التشويه لا من باب جلب الجمال. وزاد على ذلك أن أياً من مرضى التنميط النوعي تزوج قبل التأكد من نوعه فإن النكاح يعتبر فاسداً، منوهاً إلى ضرورة تعديل الميراث بعد إجراء العمليات التصحيحية، وحذر في الوقت ذاته من حرمة العمليات التحويلية للأشخاص الأسوياء عن طريق حقن الهرمونات وإزالة الأعضاء، واستدل “الحكيم” بقوله تعالى: (إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا. لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا. وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آَذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا). وأيضاً بقول الرسول “صلى الله عليه وسلم”: (لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال).