ورحل "غازي" المحامي!!
قبل أيام قليلة دخل علىّ الزميل “صديق دلاي” وبعد التحية والمجاملة سألني هل ذهبتم أو زرتم الأستاذ “غازي سليمان” رددتُُ عليه السؤال مالو؟، قال لي الرجل حالته خطرة، قلت ليه بالسرعة دي قبل أيام كان صوته عالياً في انتخابات المحامين سألته عن مكان سكنه قال لي يسكن في مزرعته فإن أردت الذهاب إليه فأنا ما عندي مانع، قلت ليه والله ما عندي مانع. لم نتمكن من زيارته حتى أتانا نعيه مفاجأة ونعلم أن الموت حق ولا يبقى إلا وجه الله.
عرفت الأستاذ “غازي سليمان” المحامي في منتصف عام 1997 ووقتها كانت الدولة قد أصدرت قراراً بدمج الصحف السودانية (السودان الحديث) و(الإنقاذ) و(سودان ناو) في صحيفة واحدة أطلق عليها اسم صحيفة (الأنباء) ونتيجة لهذا الدمج صدرت صحيفة (الأنباء) في 26/5/1997 وقتها كنت أشغل منصب رئيس القسم السياسي، وكان الأستاذ “غازي سليمان” قد بدأ معارضته للإنقاذ بصورة ملفتة للنظر طلبت من الأستاذ “سليمان عبد التواب” الذي انتدبه الأستاذ “أمين حسن عمر” المستشار الصحفي لرئيس الجمهورية من وزارة الخارجية للعمل كمدير تحرير لصحيفة (الأنباء) طلبت منه الموافقة على إجراء حوار مع الأستاذ “غازي” وافق على الفور وجلسنا سوياً ووضعنا المحاور، وفي اليوم التالي ذهبت له بمكتبه بشارع الجمهورية على ما أظن كان حواراً يحمل الكثير من الانتقادات للإنقاذ، ويبدو أن العداء للإنقاذ كان بسبب فصله من البنك الفرنسي، فحينما سألته عن ذلك لم ينف بل أكد أن عداءه جاء بهذا السبب.
الحوار أثار جدلاً كبيراً خاصة وأن تلك الفترة كانت الإنقاذ قابضة ولم تكن الحرية متاحة لإجراء مثل تلك الحوارات داخل الصحيفة التقيت بأحد الزملاء خريجي مصر وكان يعمل بالجهاز، نبهني قائلاً أعمل حسابك حوارك مع “غازي” تمت مناقشته داخل غرف مغلقة وعلى مستوى عالٍ فيه “الترابي” ولم تمض ساعات فاستدعاني الشيخ الراحل “يس عمر الإمام” ووقتها كان يشغل منصب رئيس مجلس الإدارة فذهبت وأخبرت الأستاذ “سليمان عبد التواب” و”سليمان” كان يمتع بعلاقة كبيرة بشيخ “يس” فذهب “سليمان” لشيخ “يس” وقال له “صلاح” ليس له أي علاقة ولا ينبغي محاسبته فأنا المسؤول وأنا و”صلاح” وضعنا الأسئلة سوياً ولذلك إذا كانت هناك محاسبة فيجب محاسبتي، هذا هو الوضع الذي ينبغي أن يكون لأي مسؤول داخل الصحف السودانية فلم يتنصل عن مسؤوليته فدائماً نجد رئيس التحرير أو مدير التحرير يلقون اللوم دائماً على المحرر حتى ينفدوا بجلدهم عن المساءلة.
الراحل “غازي سليمان” كان معارضاً وطنياً عارض الإنقاذ وواجهها ولم يخف ولم يخرج كالذين خرجوا معارضين من الخارج، عارض بطريقته التي يتفق أو يختلف الناس حولها ولكنه كان واضحاً حتى في المقابلات الصحفية كان يصرح بآرائه الجريئة. كان يتمتع بخصال كثيرة فمنها الكرم فأذكر أنني التقيته بمكتب الدكتور “صلاح معروف” و”إدوارد رياض” المحاميين بشارع الحرية كانت العاملة حبشية فكان معجباً بالأحباش فبدأ يتحدث معها بلغة الأمهرة ثم أخرج مبلغاً من المال ودسه في يدها، وقال لها أنتم أهل حضارة ما تستاهلوا تعملوا خدم، وهكذا.. ألا رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته مع الشهداء والصديقين وحسن أولئك رفيقا.