المشهد السياسي

ولماذا حل الحركة الإسلامية؟!

طلع علينا آخر الأسبوع الماضي الأستاذ “عثمان ميرغني” صاحب عمود (حديث المدينة) المشهور، بمفاجأة فكك بها وفصّل مفاجأة السيد رئيس الجمهورية المعلنة والمتوقعة. وبغض النظر عن من أين حصل الكاتب على المعلومات التي أدلى بها.. ولم نعلمها حتى لحظة ما نكتب الآن ويطالعه القارئ اليوم (الأحد) بإذن الله.. فإن علامات الاستفهام في ذلك الشأن كثيرة.
صحيح ومعلوم أن نظام البلاد، حسب الدستور الحالي المؤقت والانتخابات الرئاسية الأخيرة في عام 2010م، هو نظام رئاسي، يعلو فيه دور السيد رئيس الجمهورية ومؤسسته الرئاسية على غيرهما من المؤسسات، كالبرلمان أو المجلس الوطني، وهو منتخب أيضاً.. فقد أورد “عثمان” في عموده ذاك:
– تعليق العمل بالدستور الحالي وتفويض ما فيه من صلاحيات تشريعية لمؤسسة الرئاسة لحين قيام دستور جديد.
– ومن ثم حل البرلمان المنتخب الحالي وإيداعه مقبرة التاريخ – إن جاز التعبير – وتحل محله لجنة قومية من مهامها إعداد وإجازة قانون الانتخابات والوصول إلى دستور متفق عليه.
– وربما ما هو أحرى بالاهتمام هو الحكومة القومية التي ظلت تحلم بها وتنادي أطياف المعارضة السودانية المختلفة.
وقد يكون لذلك كله – إن صدق في ظل مبدأ التغيير الذي طال قيادات النظام الكبرى والمرموقة والفاعلة – مبرراته وابتلاعه ولو بصعوبة.. ولكن نضع ذلك بين مزدوجين لخصوصيته (لماذا إعلان حل الحركة الإسلامية..؟) الذي رمز إليه الكاتب بالمفاجأة الأكبر.. والذي سيكون من باب (حسن النوايا..!).
وهنا نسأل وأي (حسن نوايا) سيكون ذاك.. الذي ثمنه الحركة الإسلامية السودانية التي لها تاريخها ورموزها ودورها في السياسة والمجتمع والتشريع وإدارة الدولة والحكم في ما بعد؟ والحركة الإسلامية فضلاً عن ذلك من جانب آخر هي كيان مجتمعي يلعب على ميدان السياسة بمسميات أخرى كـ (جبهة الميثاق الإسلامي) و(الجبهة الإسلامية القومية)، وقبل ذلك (جبهة الدستور)، ثم أخيراً (المؤتمر الوطني). فمؤسسة الرئاسة وإن أحيل لها حسب (حديث المدينة) دور البرلمان والدستور بعد التعليق، والسيد رئيس الجمهورية هو رئيس حزب المؤتمر الوطني، إلا أن حل الحركة الإسلامية وأياً ما كانت الأسباب لا نجد له مبرراً، ذلك أنها – أي الحركة – تقع تحت حرية التعبير والتنظيم الحر والمشروع ممارسة وفكراً وديناً وقانوناً، ولها في المجتمع وساحة العمل السياسي والدعوي ما يشبهها، وأعنى بذلك أنصار السنة المحمدية وطائفتي الختمية والأنصار التي لكل منها كيانها السياسي.
إن للحركة الإسلامية السودانية والعالمية بشكل عام، امتداداتها ودورها المجتمعي والسياسي والخارجي الذي يفوق دور غيرها ممن ذكرنا.. إذ صارت مؤثرة في محيطها الإقليمي والسياسي والدبلوماسي، فأصبح لها أشباه ونظائر، وبخاصة في الحقبة الحالية التي تعرف بحقبة الربيع العربي الذي يخشى منه البعض ويعمل له حساباً خشية أن يصله ذلك الربيع.
والنموذج السوداني تحديداً قد نجح في الوصول للحكم والبقاء لأطول فترة في الأنظمة السودانية، ورغم الصعوبات والتحديات يعتبر مثالاً يحتذى لغيره وتحدياً في نفس الوقت لمن لا يريدون لنمط الحكم الإسلامي أن يبرز كأحد المتغيرات والمستجدات في المنطقة العربية والإسلامية.
لقد خاطبت المفاجأة في تفاصيلها التي أتى بها الأستاذ “عثمان ميرغني” في البندين الأول والثاني وهما تعليق الدستور وحل البرلمان وقيام حكومة قومية، الشأن الداخلي السوداني أو مطالب المعارضة السودانية، وفي مقدمتها الحكومة القومية التي تمثل فيها كل الأحزاب وتعنى بالشأن الانتخابي المقبل.. وفي ذلك كما كان ينادي البعض من قادة المعارضة (إسقاط سلمي لسلطة النظام الحاكم) أي عبر الضغوط للتنازل الطوعي عن تلك الصلاحيات والسلطات.
وهذه، بتقديرنا وفي ما نرى، حقيقة إن صدقت نبوءة صاحب (حديث المدينة)، فقد كان المؤتمر الوطني يردد ويقول إن:
– حكومته منتخبة ولا بديل لها إلا عبر الانتخابات في عام 2015م أو عبر توسيعها عند اللزوم كما ظل يفعل.
وبالنظر إلى شواهد أخرى على الساحة السياسية لا يبدو أن ذلك كـ (مفاجأة مرتقبة) مشكوكاً فيه بالكامل. فاللقاء والاجتماع الذي تم بين قيادات الاتحادي (الأصل) المشاكسة والمعاكسة، بالسيد الرئيس، قبل أيام، وخروجها من ذلك اللقاء (حامدة وشاكرة) وداعية إلى الوفاق والتراضي الوطني ودعم السيد الرئيس في مبادراته ولقاءاته مع زعماء المعارضة.. يشير إلى أن ما رشح حقيقة.. وكذلك تصريحات الرئيس الأمريكي السابق “جيمي كارتر” والسيد “الصادق المهدي” زعيم حزب (الأمة القومي).
المفاجأة – داخلياً – خاطبت هموم المعارضة بامتياز رغم صمت الحزب الشيوعي السوداني وجماعة السيد “فاروق أبو عيسى” المعروفة بـ (قوى الإجماع الوطني).. وإن كنا لا نجزم بأنها خاطبت جمهورها من الحزب الحاكم بذلك القدر من الرضا والقبول ولا سيما في القرار المزمع بحل (الحركة الإسلامية) من باب حسن النية وإرضاء الرافضين في الخارج لنظام حاكم تدير بوصلته الحركة الإسلامية.
ونحن نأتي إلى خواتيم هذا المشهد السياسي بعنوان: (ولماذا حل الحركة الإسلامية؟) يجد من ينظر إلى (المفاجأة المزمعة والمتوقعة) حسب ما جاء في عمود صاحب (حديث المدينة) صباح الخميس الماضي أن المفاجأة ليس لها ما يبررها ويدعو إليها تماماً. ذلك أنها (انبراشة) – إن جاز التعبير – في غير محلها أو وقتها، إذ في الانتخابات الرئاسية والتشريعية العام المقبل 2015م ما يفي بكل ذلك أي:
– رئيس جديد.
– ومجلس تشريعي جديد.
– ودستور جديد ودائم.
أما قانون الانتخابات وكيف يكون ومتى تكون وكيف، فذلك ما يمكن التشاور والتفاهم حوله والاتفاق عليه، فلا يحتاج الأمر إلى تعليق وحل برلمان، وهو ما لم يحدث سلماً واختياراً في أي وقت من الأوقات.. دعك من (حل حركة إسلامية) هي صمام الأمان للنظام والمجتمع في أي وقت من الأوقات، وإنما كانت الحركة من تلقاء نفسها وبمبادرة منها تعرف كيف تدير شؤونها وتواكب المتغيرات والتطورات. ومما يجد به الذكر هنا أن الحركة الإسلامية وهي تلج مجال السياسة انفتحت على الطرق الصوفية والجماعات الدينية تحت مسمى (جبهة الميثاق الإسلامي)، وفي مرحلة أخرى انفتحت على غير المسلمين تحت مسمى (الجبهة الإسلامية القومية).. وفي تطور آخر خارجي فتحت باب التعاون والتفاهم مع الحزب الشيوعي الصيني وحزب البعث العراقي.. الخ، مما أعان على إدارة الدولة والعلاقات الخارجية.
وعلى كلٍ نسأل الله أن تكون المفاجأة المزمعة الحقيقية خيراً والكلام (حلو في خشم سيده..!)

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية