أزمة ثقة..!!
السياسيون لا يثقون في بعضهم البعض.. ومعظم المشاكل التي حدثت وتحدث سببها هو انعدام الثقة بين شركاء السلطة من جهة، وبين السلطة والشعوب من جهة أخرى..!
وأزمة الثقة مردها دائماً هو الشك في نوايا الآخر وعدم تصديق خطابه السياسي، لذلك فمعظم الاتفاقيات والتعهدات السياسية تنتهي غالباً عند مفترق طرق..!
وأزمة الثقة لا تقتصر على السياسة فقط، بل تتجاوزها إلى كل المجالات خاصة العلاقات الإنسانية، على نحو جعل البعض يعلن صراحة أنه لا يثق في أحد.. ويزيد فيؤكد أنه لا يثق حتى في أقرب الناس إليه..!
ويضاعف في شكوكه إلى حد المبالغة ليقول: إنه لا يثق حتى في نفسه..!
والواقع أن هذا الإفراط في عدم الثقة مرده بشكل أساسي إلى الكم التراكمي من الخبرات والمعاملات التي تجابه كلاً منا في حياته اليومية، وتكرار (الصدمات) النفسية التي نتلقاها من محيطنا الاجتماعي، حيث نكتشف كل يوم ازدياد سقف (الكذب) واستمرار مسلسل (عدم الوفاء) وتواصل الخلف بالوعود..!
هذه الصورة القاتمة كفيلة بأن ترفع مستوى الحذر عند البشر، وأن تجعلهم أكثر تقبلاً لفكرة عدم منح الثقة للآخرين.. وهي نتيجة سيئة بالطبع، وربما ننظر للأمور من الزاوية الأسوأ تماماً مثل النظر إلى الجزء الفارغ من الكوب فقط دون النظر إلى الجزء المليء منه..!
صحيح أن التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتسارعة أضرت كثيراً بالموروث القيمي للمجتمعات، في ظل طغيان موجة (العولمة) بفرضياتها الصعبة وشروطها القاسية، التي تعطي (المادة) و(القوة) وانتهازية الفرص أولوية على غيرها من قيم المحبة والتسامح والتعاضد البشري، لكن الصحيح أيضاً أن استمرار هذا التيار في إغراقه للثقة وتعويمها أضر كثيراً بالعلاقات الإنسانية، فلم يعد أحد مثلاً يصدق الآخرين إلاّ إذا (حلفوا) و(أقسموا) له.. ولم يعد من السهل أن يجد أحد شخصاً يستدين منه، لأن هنالك اعتقاداً سائداً بأن من تدينه لن يعيد إليك ما أخذه منك، وبات من المستحيل أن يفكر أحد في وضع أمانة أو تمليك سر خاص للآخرين لأن أمانته لن ترد له.. ولأن سره لن يصبح سراً، بل سيعرفه الجميع..!
ما الذي حدث لمجتمعنا؟!! ولماذا تحولت (فوبيا) عدم الثقة إلى جدار أسمنتي تتقاطع عنده معظم العلاقات الإنسانية الإيجابية، وتتحول إلى أرتال من الشكوك والظنون وعدم الثقة في الآخرين بل وفي أنفسنا أيضاً!
اهتزاز الثقة هو السبب الرئيسي في التراجعات التي تحدث سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.. وعودة الثقة إلى قوتها وكونها (المفتاح السحري) لانفتاح القلوب على بعضها البعض هي الطريقة الوحيدة لتجاوز هذه التراجعات المزرية، وهذا لن يحدث بعيداً عن اشتغال حقيقي وجاد على جبهات الإعلام والتوعية والمؤسسات التربوية التي يمكن أن تعزز مجدداً الشعور بالثقة..!
الناس- في الواقع- مضطرون لانتزاع الثقة لمجاراة تغيرات الحياة الصعبة، لكنهم في الواقع أيضاً يبحثون عنها ويحلمون بعودتها.. لذلك هم مطالبون جميعاً بتحويل هذا الحلم إلى واقع من خلال المبادرة بتدشين مشروع (عودة الثقة)..!