رأي

ظمآن والكأس في يده

السودان بلد المتناقضات المضحكة. بعض أجزائه تشتكي من العطش بعد أمطار استمرت تهطل لعدة أيام أغرقت مساحات كبيرة.. بعض القرى تصرخ لإنقاذها من العطش وهي تعيش على شاطئ النيل. نستورد آلاف العمال من إريتريا وإثيوبيا للمساعدة في حصاد الذرة وبعض مناطق السودان تتحدث عن فجوة غذائية تتطلب تدخل المنظمات الدولية. بعض أجزائه أصر على الانفصال. وبعد أن تحقق له ما أراد أخذ يصرخ مطالباً بالعودة إلى الوحدة لأنه اكتشف أنه لا يستطيع إنتاج جوال واحد من الذرة.
طافت كل هذه الخواطر بذهني وأنا أقرأ تقرير اليونسيف عن (750) ألف طفل مصاب بسوء التغذية. وقد أكد التقرير الذي نشرته الصحف أن (36%) من الأطفال دون سن الخامسة يعانون من أمراض سوء التغذية، وقال ممثل المنظمة بالسودان إن سوء التغذية مشكلة حقيقية ترتبط بتوفير المياه النقية.
لا أحد يعرف الأسباب التي تمنعنا من تعمير ثلاثمائة ألف فدان صالحة للزراعة ومعظمها تشقها الأنهار الدائمة أو الموسمية ومعظمها تستقبل أمطاراً تغرق الأرض وتتسبب في كوارث لأنها لا تجد مصارف تحملها بعيداً عن المنازل فتبقى مياه الأمطار محاصرة للمنازل عدة أشهر إلى أن تجف أو تأتي عليها أمطار أخرى.
الناس يأتون في الريف يأكلون الكسرة لكنهم عندما يأتون للمدينة يتسابقون لشراء الخبز مع أن خبز الذرة وهو الكسرة أكثر فائدة غذائية. الجيل الجديد من بناتنا لا يعرفن كيف يصنعن الكسرة وحالياً لا تعدها إلا النساء فوق الخمسين والستين. ولا أحد يهتم بتدريب الأجيال الجديدة.
معاهدنا ومدارسنا الزراعية تخرج كل عام الآلاف. ولكنهم بعد التخرج يضافون إلى صفوف العاطلين في انتظار الوظيفة الحكومية لأنه لا يجيد عملاً غيرها أي أنه لا يعرف غير الجلوس على مكتب والكتابة على الورق. حتى حصص التربية الزراعية التي كانت تقدم في المرحلة الابتدائية توقفت لأن أحد العباقرة رأى فيها مضيعة للوقت.
عندما كنا في المرحلة الابتدائية كنا نؤخذ إلى المزارع الحقيقية على شاطئ النيل لنسأل المزارعين ونتابعهم في عملهم. وكل مدرسة كان فيها مزرعة صغيرة نطبق فيها ما درسناه وكنا نعرف كل شيء عن العمليات الزراعية. ليس هذا فحسب بل كنا نعرف أيضاً كل شيء عن تربية الأغنام والخراف والأبقار لهذا كان جيلنا قادراً على أداء أي عمل يوكل إليه ويحترم العمل اليدوي ويتطلع لامتلاك مزرعة مستقبلاً.
حتى الآن لم أشاهد جامعة أو معهداً زراعياً يقوم بتجربة زراعة القمح في مناطق صحراوية. وهي التجربة التي نجحت في السعودية. ولم نحاول تكرارها رغم توفر كل عوامل نجاحها من أرض وتربة وأمطار.
لم نجرب حتى الآن زراعة القمح في مناطق بعيدة عن النيل مع أن ذلك ممكن وسهل فبقيت المساحات المزروعة هي نفس المساحات التي زرعها أجدادنا وكأننا نخشى أن تحل بنا لعنة إن حاولنا التوسع.
حتى الآن لم نستوعب أن القمح بحاجة إلى مناخ بارد ونظل على زراعته في مناطق السافنا الحارة. إن هذا الأمر لو تم يتطلب توصيل قنوات النيل إلى الصحراء المترامية الأطراف تمر به. وبعد شق هذه القنوات يتم غمر الأرض بماء النهر المتشبع بالطمي لكي يعيد للأرض خصوبتها وهذا ما كان يقوم به أجدادنا لإخصاب الأرض ولا يكلف أي مبالغ فالمعروف أن النيل أثناء موسم الفيضان يحمل معه كميات كبيرة من الطمي وكان هذا الطمي هو الذي يحدد خصوبة التربة كل عام لهذا كانت الأرض تنتج قمحاً يكفي الملايين دون الحاجة إلى التوسع الأفقي.
سؤال غير خبيث
لماذا لا يستفاد من طمي النيل في تجديد خصوبة التربة؟

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية