ولنا رأي

قرارات تحتاج إلى دراسة

إبان حكم الرئيس “نميري” كانت هناك قرارات تتخذ وتنفذ دون أن تدرس عواقبها، وأحياناً حديث الرئيس “نميري” يعتبر بمثابة قرار ينبغي أن ينفذ فوراً، وهذا خلق إشكالية داخل نظام مايو وأحياناً خلق إشكالية للرئيس “نميري” نفسه. ففي إحدى زياراته التفقدية من الخرطوم إلى أم درمان شاهد “نميري” عدداً من الأكشاك، منها للجرائد ومنها للخضر والفاكهة وأكشاك متنوعة أخرى، فأبدى ملاحظاته لكثرة تلك الأكشاك، فظن من كان يرافقه من المسؤولين في تلك الزيارة، أن حديث “نميري” بمثابة قرار بإزالة كافة الأكشاك من مدينة أم درمان وحتى الكلية الحربية. ويعجبك هؤلاء في الخراب وتنفيذ الأوامر فهجم أولئك على الأكشاك هجمة رجل واحد، فحطمت كل الأكشاك في ثوانٍ وأصبح أصحابها يقلبون كفيهم للذي حدث، وأصبحت في غمضة عين أكشاكهم في خبر كان. وعندما أخبر الرئيس “نميري” بذلك أجاب على مسؤوليه، أنه لم يصدر قراراً بذلك ولم يطلب من أحد أن يتخذ قراراً غير موجود.
الآن أصبحت إزالة الأكشاك أشبه بالحال الذي كان موجوداً إبان العهد المايوي، فتزال الأكشاك دون أن يعلم أصحابها ماهي الأسباب التي دفعت الجهات المسؤولة لاتخاذ القرارات المستعجلة بإزالة أرزاق الناس، رغم أن معظم الأكشاك يتم تصديقها من الجهات المختصة وفق مستندات رسمية، ورسوم تدفع للمحليات وإيجارات تدفع شهرياً.
بالأمس شكا عدد من المواطنين أصحاب أكشاك الصحف بولاية الخرطوم وفي أجزاء متفرقة من الولاية، أن أكشاكهم قد تعرضت لإزالة دون ذكر الأسباب ومسحت عن الوجود بل لم تترك لتكون أنقاضاً، وهذه الأكشاك تقتات منها الأرامل والعجزة وأصحاب الحاجات المختلفة. والمحلية لم تفرق بين الأكشاك المصدق لها والأكشاك العشوائية فتساوى الجميع في شر الملحية، علماً أن الإنسان لا أظنه يرغب في تشويه صورة المدينة ولا أظنه يريد مخالفة السلطات، ولكن معظم تلك الأكشاك تمت وفق تصاديق، وإلا لما التزم أصحابها بدفع إيجارات شهرية وبإيصالات معتمدة.
إن القرارات التي تصدر دون دراسة تؤثر سلباً على المواطنين، وينبغي في مثل هذه الحالات مطالبة أولئك بتوفيق أوضاعهم قبل الإزالة، أو منحهم فترة زمنية كافية ليرتبوا أوضاعهم، لأن الإزالة الفورية تعني التشريد وهؤلاء يقتاتوت منها، فهل تريد الولاية أو المحلية زيادة معاناة المواطنين. وهل تريد أن تضيف أولئك إلى العاطلين عن العمل، بسبب انعدام الوظائف التي يعاني منها خريجو الجامعات؟ وهل تريد الولاية أو المحلية زيادة الجريمة لأن قطع أرزاق الناس سيدفع أولئك لارتكاب الجريمة، حتى يستطيعوا أن يبقوا على وجه الأرض. نحن نريد أن تكون الولاية مشرقة ونظيفة وجميلة ولكن ليس على حساب البسطاء من المواطنين، وبإمكان الولاية أن تنشيء بدائل لتلك الأكشاك إن كانت ترى فيها صورة مشوهة للمدينة، فهناك حلول وبدائل، ولكن أن تقطع رزق المواطنين دون أسباب، فهذا سوف يفاقم من المشكلة وسيزيد الغبن الموجود أصلاً. فيا سعادة المعتمد تريس في اتخاذ مثل هذه القرارات، حتى لا تكون لها انعكاسات سالبة على المواطنين.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية