ولنا رأي

ورحل "قلواك دينق"!!

نقلت الأخبار أن اللواء “قلواك دينق” حاكم أعالي النيل السابق قد انتقل إلى الرفيق الأعلى بالقاهرة بعد معاناة مع المرض.
لقد عرفت “قلواك دينق” وتوطدت علاقتي به عندما كان وزيراً للصحة، وأذكر وقتها خلال العام 1996م وكنت آنذاك بصحيفة (السودان الحديث)، فجاء أحد الزملاء يسأل عن الشخص الذي حدد موعداً مع وزير الصحة، لا أدري لماذا كان التركيز عليّ رغم أنني لم تكن لي علاقة بوزارة الصحة ولا بوزيرها، ولكن الإصرار من جانب إدارة التحرير أن أذهب لإجراء المقابلة، ذهبت ولم (أرتب حالي) لهذا اللقاء، خاصة في اختصاص لم أعرف فيه الكثير عندما.. وصلت إلى وزارة الصحة قابلت الزميل (عبد الله تكتك)، استقبلني بلطف وقال لي: (الوزير خرج) حمدت الله في سري، ولكن جاءت الكلمة الثالثة وقال: (لابد أن تنتظره)، وعندما وصل السيد الوزير “قلواك دينق” اصطحبني “عبد الله” إليه بمكتبه، وما أن رأى “عبد الله” السيد الوزير حتى قال له: (السيد الوزير الليلة جبنا ليك صحفي كبير لحوارك)، السيد الوزير كان يتمتع بخيال واسع وطرفة حاضرة فرد عليه: (لكن الصحفي الكبير دا بخوفني كان تجيب لي صحفي صغير عشان أقرمشه) وضحكنا معاً.. واستمرت العلاقة بيني وبين السيد الوزير منذ ذلك اليوم، وظللت التقيه في حوارات مختلفة، وعندما انتقل كوزير للثروة الحيوانية أجريت معه حواراً بعيداً عن السياسة، وتطرقت إلى جوانب مختلفة من حياته.. كان يتمتع بطاقة جبارة وذكريات مع عدد من المواطنين السودانيين، وذكر لي أن من الأسماء التي لا ينساها الأستاذ الذي كان يدرسه اللغة العربية عندما كان بالمرحلة الابتدائية بالجنوب، فسألته عن اسمه فقال لي: (واحد حلبي اسمه يحيى الفاضل)، ووقتها الأستاذ “يحيى” كان يعمل معنا بصحيفة (الأنباء) كمصحح وهو ذو علاقة بالإعلامي الكبير “السر حسن فضل”، فقلت للسيد الوزير إن كان (الحلبي) الذي تقصده واسمه “يحيى” فهو يعمل معنا.. فطلب مني إخباره لمقابلته، وبالفعل حدثت الأستاذ “يحيى” وذهب إليه وقابله.. وقال لي “يحيى” إنه عندما همّ بالخروج أخرج مبلغاً من المال وقال له: (هذا مال من حر مالي وليس مال الوزارة ومنحتك له لأنك علمتني ولولاك لما وصلت إلى هذا المكان).
السيد “قلواك” كان بسيطاً في تعامله ورجلاً خيّراً، قال لي في إحدى المرات إنه دخل مكتبه ووجد رجلاً جالساً بداخله فسأله: من أنت وما سبب دخولك المكتب دون علمي؟ ثم قال له: ألم يقل دينكم لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأذنوا، ورغم ذلك قال إنه أعطاه ما طلبه.
لقد ترك “قلواك دينق” سيرة عطرة بين زملائه بالشمال قبل الانفصال، وكان ودوداً وعفيفاً ونظيفاً وطاهراً، ربطت بينه وكثير من الشماليين ذكريات، خاصة الفنان “صلاح بن البادية” الذي كان معه على ظهر باخرة إلى ملكال، ودوّن ذكرياته في كتاب حمل كثيراً من تاريخ حياته منذ أن كان يافعاً حتى تدرجه في العمل الوظيفي والعسكري والسياسي.. ولولا الانفصال لوجدت جنازته جمعاً غفيراً من المواطنين، وفي مقدمته السيد رئيس الجمهورية “عمر البشير” الذي تربطه به علاقة حميمة.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية