مستقبل دولة جنوب السودان بين الاستقرار والفوضى
اشترط “رياك مشار”، الذي بات يوصف كقائد للتمرد في جنوب السودان إطلاق سراح من وصفهم بالمعتقلين السياسيين للدخول في مفاوضات بشأن تسوية الصراع مع الحكومة في “جوبا”، بيد أن حكومة الرئيس “سلفاكير ميارديت” رفضت بشكل قاطع هذا المطلب. وكان “مشار” النائب السابق لرئيس حكومة الجنوب قد صرح بأن القوات الموالية له استولت على ولاية” الوحدة” المنتجة للنفط، وتسيطر الآن على أجزاء كبيرة من البلاد.
وأشار إلى أنه يقبل إجراء مفاوضات مع الحكومة (إذا أفرجت عن السياسيين الذين اعتقلوا في الآونة الأخيرة) بينما تحدثت تقارير من “جوبا” عن أن الفوضى باتت سيدة الموقف في هذا البلد الذي انفصل حديثاً عن الجسد السوداني، منذ اتهام الرئيس “سلفاكير” لـ”مشار” بالتورط في محاولة لقلب نظام الحكم، الأمر الذي يفتح الباب على مصراعيه للسيناريوهات كافة حول مستقبل الجنوب كدولة كاملة الأهلية والسيادة.
المجتمع الدولي .. في الخط
ولم يمض على الصراع في دولة الجنوب أيام قليلة حتى قتل أكثر من (500) شخص على الأقل منذ اندلاع القتال بين القوات الحكومية والقوات المحسوبة على النائب السابق للرئيس الجنوبي في ظل محاولة القوات الحكومية السيطرة على العاصمة جوبا. وطالب الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة “بان كي مون” بإرسال قوات أممية تضاف إلى ما يقرب من (7000) جندي من قوات حفظ السلام و(700) ضابط من بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان. وأوضح “جيرار أرو” السفير الفرنسي لدى الأمم المتحدة الذي يرأس مجلس الأمن، أن الولايات المتحدة الأمركيية اقترحت قراراً في هذا الصدد سيتم عرضه لتصوت عليه الدول الخمس عشرة الأعضاء في مجلس الأمن أمس (الثلاثاء)، واصفاً رد فعل جميع الدول الأعضاء بـ”الإيجابي”.
في وقت حذر فيه الرئيس “أوباما” من أنه في حالة محاولة السيطرة على السلطة بالقوة في جنوب السودان فإن دعم الولايات المتحدة سوف يتوقف لهذه الدولة التي ولدت في يوليو2011 بعد تقسيم السودان. بينما ذكر قادة جنوب السودان أن “مواصلة العنف يشكل خطراً على شعب جنوب السودان ويجهض التقدم الذي تحقق بفعل الاستقلال. وشدد “أوباما” على أن “هذا النزاع لا يمكن أن يحل إلا سلمياً وبالمفاوضات. كما حذر وزير الخارجية الأمريكي “جون كيري” رئيس جنوب السودان “سلفاكير” خلال اتصال بينهما من أن استمرار المعارك سوف يطيح باستقلال بلاده، حسب ما أعلنت الخارجية الأمريكية.
ويرى مراقبون أن دولة الجنوب الحديثة ذات التكوين القبلي المؤثر والتي تفتقد إلى البنيات التحتية والتمظهر الكامل لبنية الدولة سيشعل فتيل الاقتتال القبلي بما يفضي بتفكك بنية الدولة الناشئة في خاتمة المطاف. وتوقع خبير القرن الأفريقي البروفسير “حسن مكي” في إفادة لـ(المجهر) أن تتشظى دولة الجنوب ودخولها تحت “الوصاية الدولية”، ويقول إنه حتى في حال انتصار الرئيس “سلفاكير” أو الدكتور “رياك مشار” فإن المنتصر خاسر في هذا الصراع، والمغلوب هو الشعب الجنوبي، بينما تكون النتيجة هي الدخول تحت “الوصاية الدولية”، وفي حال لم تتم تسوية سياسية فإن الحرب هي النتيجة، ونبه “مكي” إلى أن القوة الرئيسية في الجنوب ليست في الفريقين المتصارعين حالياً، ولكن هنالك (5) مجموعات أخرى تتصارع.
ويقدم أستاذ العلوم السياسية بجامعة الزعيم الأزهري الدكتور “آدم محمد أحمد” قراءة مختلفة لما قال به البروف “حسن مكي” إذ يشدد على أن الجنوب سيستمر كدولة وفقاً لمعطيات كثيرة، معتبراً الصراع الذي يدور حالياً صراعاً طارئاً بسبب أنها دولة حديثة التكوين، مذكراً بأن معظم الدول يحدث بها مثل هذا الصراع في بداياتها، وحتى الولايات المتحدة الأمريكية التي عاشت الحرب الأهلية مرت بمثل هذه التجربة، ومعظم الدول تمر بذلك وبخاصة أن الجنوب كان دولة مهملة ومتخلفة ودولة غابات. وزاد.. لقد خرج الجنوب من مخاض الشمال، ولا ننسى فترة النضال الطويلة، كما أن الشمال نفسه ساهم في إفساد النخب الجنوبية، معتبراً مشاكل الشمال جزءاً من خلافات الجنوب، وأشار إلى إيواء”الجبهة الثورية وخلافات من يطلق عليهم “أولاد قرنق” حول الوحدة مع الشمال بدءاً من فصل “تعبان دينق” وكبار جنرالات الجيش، وكان الرئيس “سلفاكير “يوازي بين علاقته مع الشمال ومرور النفط، وبين رؤية آخرين حول ضرورة دعم “الجبهة الثورية”، كل هذه الأسباب بالإضافة لطموحات الأطراف المختلفة في السلطة سواء “سلفاكير” أو “مشار” أو غيرهما كل تلك أمور طارئة وستنتهي، أما احتمال استمرار الجنوب كدولة، فيشير الدكتور “آدم” إلى عدة عوامل أولها رغبة المجتمع الدولي ومصلحته في ضرورة استمرار الجنوب كدولة كاملة السيادة ومستقرة، فالولايات المتحدة مثلاً والصين التي لديها مصالح نفطية في هذا البلد، وكل هذه البلدان الكبيرة تدعم ذلك، يضاف لها الاتحاد الأفريقي القاضية رؤيته بضرورة استمرار دولة الجنوب، كما أن الجنوب ليس لديه أعداء في المجتمع الدولي، والسبب الثاني هو امتلاك الجنوب لموارد اقتصادية ضخمة مقابل عدد محدود من السكان، فهذه الدولة- يضيف- “لديها الفرصة للتنمية والاستفادة من قدراتها الاقتصادية الكبيرة، بحيث تصبح “كويت” أو “قطر أفريقيا”، والسبب الثالث الذي يجعل من استمرارية الجنوب كدولة أمراً واقعاً هو أنه حتى بالنسبة للمشكلة القبلية أو الإثنية، فهناك ثلاث قبائل رئيسية مع بعض القبائل الصغيرة الأخرى ، حيث يشكل مجموع القبائل حوالي (40) قبيلة يمكن أن تتقاسم فيها القبائل الثلاث الكبيرة النفوذ المناطقي مع تشكيل حكومة قومية جامعة تعمل على استمرارية الحكم والدولة.
أخيراً يرى مراقبون أن الولايات المتحدة على وجه التحديد ستعمل جاهدة على ضرورة استمرار الجنوب كدولة، فالرئيس “باراك أوباما” اعتبر استقلال دولة الجنوب نصراً سياسياً ومجداً شخصياً له، وستعمد أمريكا وفقا لذلك على إيجاد حل سياسي يرضى جميع الأطراف مدعومة في ذلك من قبل المجتمع الدولي الذي رحب بانضمام الجنوب لمنظمة الأمم المتحدة كدولة كاملة السيادة ومعترف بها، تاركة ماضياً غير جيد بالنسبة لها وفتحت أشرعة الأمل لبناء دولة أفريقية حديثة.