انتخابات 2015 .. جدل التمويل و(حسابات) الـخوض والانسحاب!!
شاع في الأخبار قبل أيام أن التكلفة الكلية لانتخابات 2015م تبلغ (630) مليون دولار.. وهو الخبر الذي أثار الكثير من اللغط، بالنظر إلى حال الاقتصاد الماثل، إذ يتخوف مراقبون من إنفاق مبلع كهذا وتقابله مقاطعة عريضة من الأحزاب لخوض السباق الانتخابي.. أو مشاركة أحزاب موالية أو غير ذات ثقل.. الأمر الذي يجعل (المؤتمر الواطني) لا ينافس إلا نفسه!! غير أن المفوضية القومية للانتخابات عادت وأكدت أن المبلغ المطلوب أقل مما شاع في الأخبار.. إلا أن هذا النفي لم يضع حداً للجدل الذي دار.
ورأى مراقبون تحدثوا لـ (المجهر) أن الأولى بالحكومة صرف (المبلغ الدولاري الكبير) لصالح الشرائح الضعيفة، خاصة بعد الارتفاع الملحوظ في كل الأسواق.
وعلى الرغم من الدعوات المتكررة التي ظلت تطلقها المفوضية القومية للانتخابات، للقوى السياسية جميعاً بأن هلموا إلى انتخابات 2015م وشاركوا بالرؤية والرأي، إلا أنه وكما يبدو لم يجد النداء الأذن الصاغية.
وكانت المفوضية قد أعلنت سابقاً عن انتهائها من وضع التقديرات الخاصة بميزانية الانتخابات العامة المزمع عقدها في أبريل 2015م ورفعتها إلى رئاسة الجمهورية، مطالبة بمراجعة الدولة لقانون التمثيل النسبي بدلاً عن الدوائر الجغرافية للمجلس الوطني لتقليل التكلفة والميزانية المرصودة.
ويسترجع المراقبون إزاء هذا الإعلان ما قاله النائب الأول السابق لرئيس الجمهورية الأستاذ “علي عثمان محمد طه” الذي توقع أن بداية العام القادم ستشهد مرحلة من الاستقرار السياسي، وأن الحوار في الساحة السياسية سيستمر بين مكوناتها من أجل التوافق على قانون الانتخابات وإجراءاتها في جو مواتٍ من الاستقرار – حسب تعبيره.
{ المفوضية تسخر!!
من جانبها عادت المفوضية القومية وسخرت مما راج مؤخراً بشأن قيمة المبلغ المرصود الذي قُدر بـ (630) مليون دولار، وأكدت أن التكلفة تعادل فقط (800) مليون جنيه – أي حوالي (155) مليون دولار بحساب سعر الصرف الرسمي للدولة – وأن المبلغ رصد لتغطية الانتخابات التكميلية كافة، بما فيها انتخاب رئيس الجمهورية، بالإضافة إلى التحوطات اللازمة.
وقال مصدر رفيع من داخل المفوضية لـ (المجهر) – فضل حجب اسمه – إن حجم المبلغ الذي شاع مؤخراً بوسائل الإعلام لا يكون حتى في الانتخابات التي تجرى بأمريكا.
وأشار إلى أن المبلغ المطلوب توفره الدولة، بالإضافة إلى المساهمات التي يدفع بها المجتمع الدولي والمانحون، وقال إن المجتمع الدولي سبق أن قام بتمويل حوالي (13) دورة تدريبية وورش عمل بالمفوضية خلال العام الجاري، في اتجاه الاستعداد المبكر لخوض العملية الانتخابية. وأضاف: (كل القوى السياسية بما فيها حزب الأمة والشيوعي والاتحادي، شاركت بكوادرها في هذه الورش، بما يناقض ظهورها علناً بمظهر المقاطعة لهذه الانتخابات)! وأكد المصدر أن الترتيبات تجري بصورة جيدة وكأن الانتخابات ستقام غداً، متوقعاً مشاركة فاعلة للقوى السياسية كافة، بعد أن خاطبتهم المفوضية لتقديم تصوراتهم ورؤيتهم بشأن خوض الانتخابات القادمة.
{ اقتراح دستور بديل
لكن مراقبين رأوا أن الدولة التي تعيش في حالة من الرهق الاقتصادي والتقشف الإجباري، سيصعب عليها تدبير المبلغ الدولاري اللازم للانتخابات، وتخوفوا من أن يسبب الأمر ضغطاً جديداً على المواطن في معيشته.
وفي ذات الوقت بدأت معظم الأحزاب تجهر بنيتها مقاطعة الانتخابات القادمة والدستور، بحجة أن الحزب الحاكم قد فصّل الدستور على مقاس مشروعه الحاكم.
واقترح المحلل السياسي “صفوت فانوس” عبر (المجهر)، أن يتم إقرار دستور جديد يكون بديلاً للدستور الانتقالي الحالي، قبل الاستحقاق القادم لانتخابات 2015م، ثم الاتفاق مع الأحزاب كافة على إقامة حكومة انتقالية، ومحاولة التراضي حول صيغة دستور بديل.
إلا أن بروفيسور “حسن الساعوري” تحدث لـ (المجهر) مؤكداً أنه لا يمكن الاستغناء عن الانتخابات القادمة بقيام حكومة انتقالية تشارك فيها كل الأحزاب بنسب معينة، ثم عاد متسائلاً عن توفر مقاييس معيارية لإقناع الأحزاب بنصيب معين لمشاركتها في الحكومة، وقال: الكل يبحث عن نصيب الأسد. وأضاف: (الأحزاب دون شك لا تقبل بالقسمة العشوائية، خاصة وأن بعضها تحدثت عن أنه صاحب الأغلبية، مثل حزب الأمة.. لذلك أستبعد فكرة أن تقوم حكومة حزبية). وأضاف: (لكن في بداية العام 2015م ستفقد الحكومة الحالية شرعيتها، لذلك لا بد أن نتغاضى عن قضية المال كعقبة بالنظر إلى ظروف الدولة الاقتصادية، وأن نذهب بتفكيرنا إلى قبول الانتخابات القادمة بعلاتها ونتائجها كافة). وزاد: (وأظن أن الميزانية التي ترفعها المفوضية هي أعلى سقف لديها، ويأتي بعدها التصديق بأقل من نسبة “30%” لا أكثر من المبلغ).
وحسب اعتقاد “فانوس” فإن الانتخابات القادمة تختلف عن السابقة في كونها شأناً داخلياً، والمجتمع الدولي سيزهد في تمويلها. وشرح أبعاد المأزق الاقتصادي الذي ستدخل فيه الدولة إذا اعتمدت على انتظار المانحين، لأن الانتخابات السابقة جاءت تحت رعاية المجتمع الدولي لظروف تطبيق اتفاقية نيفاشا، وقال: (أما الانتخابات القادمة، فإنها تعدّ شأناً داخلياً، وأعتقد أن الدولة لا تمتلك مثل هذا المبلغ لتمويل انتخابات بهذا الحجم، حتى إذا تحدثنا عن أن الحزب الحاكم سينسب هذه الأموال للعضوية وتبرعات المؤسسات الخاصة، خاصة أنه ليس هنالك بند في قانون الانتخابات يقر بتمويل الدولة للأحزاب مالياً لخوض الانتخابات). وهذا ما أكده الأمين العام لشؤون الأحزاب السفير “محمد آدم محمد” الذي تحدث لـ (المجهر) مؤكداً أن أي دعم تساهم به الدولة لتمويل الانتخابات لا بد أن تتم إجازته قانونياً في الموازنة العامة، ولا يجوز دعم حزب بعينه من ميزانية الدولة، والأحزاب لا بد أن تحصل على دعمها من التبرعات والهبات والشركات غير الحكومية، شريطة أن تسجل هذه الهبات مسبقاً، ولا يجوز لأي حزب تلقي دعم من منظمات أجنبية. وأكد “آدم” أن هنالك (76) حزباً مسجلاً بشؤون الأحزاب، ويحق لها خوض الانتخابات القادمة.
{ صراع مع الوقت!!
أما المحلل السياسي والخبير في الشأن الانتخابي “عبد العال فريشابي”، فيرى في حديثه لـ (المجهر) أن الضائقة الاقتصادية أسبابها سياسية في المقام الأول، لذلك لا بد من حدوث تغيير إستراتيجي، لأن الدعوة للانتخابات في الوقت الراهن قبل حل الضائقة السياسية ما هي إلا وسيلة لتعقيد مشكلات السودان أكثر، لذلك لا بد من الاتفاق على الدستور الدائم من قبل كل القوى السياسية، والإعداد له، ليكون بذلك آلية قوية تقود إلى رتق النسيج السياسي وتطييب النفوس، وتحقيق ديمقراطية رشيدة لحكم البلاد. وعاد “فريشاي” وقال إن البيئة الآن ليست إيجابية لإقامة انتخابات حرة نزيهة في ظل النزاعات الواقعة في عدد من الولايات، مما يقدح في شفافية عملية الاقتراع، إلا أذا كان للمؤتمر الوطني أغراض أخرى يعلمها هو – كما قال.
وتساءل “فريشابي” عن إمكانية التجهيز للانتخابات في هذا الوقت الوجيز، خاصة وأن هنالك من وصل إلى سن الـ (18) سنة بعد آخر عملية انتخابية ويحق له المشاركة في الانتخابات القادمة، ويحتاج إلى فرصة لتعريفه وتوعيته، والأمر أشبه باللعب في الوقت بدل الضائع!! أيضاً هنالك معضلة أخرى، وهي أن المفوضية – حسب القانون – ستنتهي دورتها بنهاية العام 2013م، وبالتالي تحتاج إلى إعادة ترشيح لدورة أخرى وعضوية جديدة. وأضاف: (كل هذه الإشكالات تجعل من أمر الترتيب لهذه الانتخابات.. من توعية دعائية إلى صرف على الموظفين والدوائر وطباعة كروت جديدة ومراقبة.. أمراً مرهقاً ومكلفاً للدولة.. وإذا كانت السياسات الاقتصادية تضع إجراءات قاسية على المواطن.. فهل تستطيع الضغط أكثر عليه لتستقطع هذه الميزانية الإضافية للانتخابات)؟! وأضاف: (أرى أنه بكل الأحوال يصعب إجراء هذه الانتخابات في هذا التوقيت وبهذه الميزانية).