التغيير .. نظرة وتأملات!
ابتداءً نقول إن التغيير الذي جرى أخيراً على دست السلطة الذي بقي في جملته لربع قرن من الزمان – تقريباً – فاجأ الكثيرين، وأدخل المعارضة التي كانت لها خططها وشعاراتها في إسقاط النظام سلمياً أو بالقوة، في وضع لا تحسد عليه.. ذلك أن النظام جدّد ذاته وغيّر فيها بإرادة ذاتية ونظرة إلى المستقبل.. وهو ما كانت تفتقده وتفتقر إليه السياسة ومكوناتها في بلادنا منذ الاستقلال وإلى يوم جرى ما جرى من تغيير.. فالإمساك بما هو كائن ظل هو الديدن والأسلوب.
الأستاذ “أبو عيسى” وقوى إجماعه الوطني بتوابعها وأساليبها وشعاراتها، ظلت على ما هي عليه رغم المتغيرات والمستجدات التي طرأت على الأعداء والأصدقاء، فدولة جنوب السودان وحركتها الشعبية جرى عليها مؤخراً – وهذه الأيام – ما جرى، وهو ما يعد خسارة على الشعب في جنوب السودان والسودان وقوى الإجماع وخريطة الطريق التي تأسست عليها ونشأت.
وعوداً إلى التغيير وانعكاساته وآثاره على الآخرين من الأحزاب المعارضة نقول إن:
– حزب الأمة فوجئ بما تم وما قد تترتب عليه من مطلوبات تطاله في هرمه القيادي وسياساته، فالتجديد تجديد..!
– المؤتمر الشعبي (ربكه) ذلك وجعل البعض فيه يتحدث عن منع القيادات من الكلام والتحدث إلى الصحف دون إجماع أو موافقة من القيادات الأخرى..!
– ثم الاتحادي (الأصل) الذي وجد نفسه أيضاً أمام تحدٍ جماعُه: هل يمضي على طريق من شاركهم السلطة في التغيير.. أم يبقى على ما هو عليه..؟
أما الحزب الشيوعي السوداني- إمام وفقيه قوى الإجماع وحلفائه من جبهة ثورية وخلافها – فيبدو الآن، وتبعاً لمجريات ما ظل يجري داخله منذ رحيل زعيميه “عبد الخالق محجوب” و”محمد إبراهيم نقد” وآخر مؤتمر عام له، يبدو في حاجة كبرى وماسة إلى التغيير في القيادة والسياسة، وقد طرأ التغيير على سياسة ونهج الأب الرؤوم الاتحاد السوفيتي العظيم (سابقاً) والاتحاد الروسي الآن، الذي صارت له مصالح وارتباطات اقتصادية ودبلوماسية تربطه بالنظام الحاكم، وهو ما سبقته إليه جمهورية (الصين) منذ وقت بعيد، وكان لها دورها في إنتاج النفط والمعادن والتنمية، الدور الذي بدأته وتتطلع إليه (روسيا) اليوم.
ولا أقول إن السيدين “الخطيب” و”صديق يوسف” سيُمنعان من الكلام أو التحدث إلى الصحف – نهج آخرين – ولكن أقول بل وأؤكد بعد التغيير في نظام المؤتمر الوطني أن الدعوة إلى قيام المؤتمر العام للحزب في العام المقبل (2014م) وبأعجل ما تيسر، ستعلو على غيرها، لأن التغيير في هيكل الحزب وبنائه القيادي وأسلوبه ونهجه في العمل والخطاب السياسي قد بات (قدراً مقدوراً)، والكل يعلم أن رياح التغيير قد هبت على الجميع ومن كل الاتجاهات وليس المؤتمر الوطني وحده الذي استبق الآخرين.
هذه هي – تقريباً – في ما نظن ونحسب، هي القراءة الصحيحة أو شبه الصحيحة لما حدث ويجب أن يحدث بعد قرارات المؤتمر الوطني الأخيرة بالتغيير في القيادات والسياسات بغرض مخاطبة المستقبل وتجاوز تحديات الواقع.. وهو ما يتعين على الحركات الدارفورية حاملة السلاح وقطاع الشمال في الحركة الشعبية لتحرير السودان (Splm) السير عليه كترتيب ضرورة.. إذ جرّاء ما جرى ويجري في جمهورية جنوب السودان من قبل وما يجري الآن، يصير كل شيء في حاجة إلى ترتيب وتوظيف وإصلاح حال..! ذلك أن:
– الحركة الشعبية الآن كحزب حاكم ودولة، قد صارت – جراء ما حدث مؤخراً ويحدث في (جوبا) وغيرها هذه الأيام – في حالة انقسام سياسي وقيادي، مما ينعكس سلباً على الجميع (قطاع الشمال) وغيره بالضرورة.
– ودولة جنوب السودان بما وقعته من اتفاقيات مع جمهورية السودان وما باتت بحاجة إليه أكثر مما سبق – نسأل الله لها العافية – أصبحت على تناغم أهداف ومصالح – هي الأخرى – مع جمهورية السودان، إذ أن (المصائب يجمعن المصابين)، كما تقول الحكمة..!
على أننا لا نجهل أو نهمل ما يجري هناك الآن، فاستباق الواقع والتحديات ومخاطبة المستقبل له ضروراته ومبرراته في دولة جنوب السودان، كما حدث في جمهورية السودان مؤخراً، حيث كان برنامج وخطة التغيير التي تشغل الناس في السودان هذه الأيام.
لقد تناول بعض الكُتاب وأهل السياسة التغيير الذي حدث في دست الحزب الحاكم برؤى وتحليلات مختلفة، حصرها البعض في أنه – أي التغيير – (انقلاب سياسي) أو حصيلة تمرد وخلافات بين الأطراف، في حين يقول أهل التغيير – وغيرهم من يبدون النظر والتأمل في (التمرين) – إنه إعمال لفلسفة التجديد والتعامل مع المتغيرات والمستقبل بما يلائم ويلبي الطموحات في مستوياتها المختلفة. وصحيح أن القيادات المتنفذة السابقة التي ترجّلت كانت لها إنجازاتها ونجاحاتها التي دفعت بالبلاد خطوات كبرى إلى الأمام مما لا ينكره منصف.. وقد كان ذلك في ظروف محلية وإقليمية ودولية صعبة، سمتها الحصار الاقتصادي والدبلوماسي وتأجيج الصراعات وغير ذلك.. إلا أنه قد تم التغلب عليها.. وبقي من بعد الكثير الذي كان من مطلوباته مخاطبة المستقبل وواقع الحال بالتغيير والتجديد والنظر الصائب.
وتأسيساً على ذلك، فقد جاء الإحلال والإبدال في القيادات والسياسات متناغماً مع مخاطبة المستقبل وواقع الحال، ذلك أن (الخلَف) من الدستوريين والتنفيذيين في مستوياتهم المختلفة لم يكونوا بعيدين عن خبرة ومصاحبة (السَلَف) في الإمساك بالملفات ذات الخصوصية الفنية في السياسة والأمن والاقتصاد والخدمات والتشريع…الخ. ذلك أن كل من أمسك بملف – تبعاً للسير الذاتية والممارسات حسب المعلومات – هو أهل لذلك، مما يعني مواصلة المشوار في كل المجالات الخاصة بالتنمية والبناء والاستقرار الأمني والعلاقات الخارجية، بل أن بعض الملفات كملف الدفاع الوطني ظل في يد صاحبه الفريق أول “عبد الرحيم محمد حسين” لأسباب وضرورات قدرتها فلسفة التجديد، شأن العلاقات الخارجية والنائب الأول لرئيس الجمهورية الجديد الذي ظل قريباً من الملف لسنوات وله خبرته فيه.. ويزيد على ذلك أنه مقام ورمز عسكري كبير دفع به لأول مرة في ذلك الموقع، ولذلك أيضاً ضروراته وما دعا إليه.. ففي الربع الأخير من العام الحالي 2013م كانت الساحة قد شهدت ما عرف وقتها بـ (العملية التخريبية..!) وكان الرموز عسكراً ورجال أمن.. كما هو معروف.
ورجوعاً إلى ملف الدفاع والأمن الذي بقى في يد من أمسك به لسنوات طويلة، أيضاً نقول إنه ملف له من الخصوصية وضرورات المتابعة ما أدى إلى الإبقاء عليه في يد الفريق أول “عبد الرحيم”، رجل المهام الأمنية والدفاعية، فهو رئيس اللجنة أو الفريق المعني بالتفاوض مع الأطراف المعنية بالأمر في جمهورية جنوب السودان، وغيرها، فضلاً عن أن برامجه الخاصة بتطوير الوسائل والمقومات الدفاعية ما تزال مستمرة.
والشيء نفسه يمكن أن يقال عن ملف العلاقات الخارجية ومن بقي ممسكاً به وهو السيد “علي كرتي”، فالعلاقات الخارجية كانت من التحديات وما تزال، ومن ثم تصبح (الديمومة) والمواصلة في المعالجات لا بد منها.
ويظل من بعد ماثلاً في هذا التغيير – ونحن نتأمله وننظر إليه في تأثيره وانعكاساته على قوى المعارضة برامج ومكونات وأحزاباً.. وعلى بعض المواقع فيه والأسباب التي أدت إلى إعلانه وتطبيقه بتفاصيله المعروفة – ما يلي وهو:
– هل يؤتي التغيير ثماره المرجوة؟
– وهل لا تكون هناك أية آثار سالبة لتمرين التغيير وهو مبادرة تعتبر الأولى من نوعها؟
هذا كله بطبيعة الحال في رحم الغيب، غير أن هناك وحسب المعطيات ما يشير إلى التفاؤل في الثمار المرجوة التي ينتظرها الجميع من التوليفة الدستورية والتنفيذية الجديدة، فثمة بشريات وغيرها مما هو متوقع، والإحالة هنا إلى أمرين متناقضين: الأول هو الانفتاح في العلاقات الخارجية والاقتصاد، وبالتالي هو ما يجري من اضطراب وعدم استقرار في دولة جنوب السودان هذه الأيام، الذي ربما – بل يتوقع – تكون له آثاره السالبة على العلاقة بين البلدين الجارين اللذين كانا على طريق التناغم والتفاهم في المصالح والاستقرار الأمني والسياسي.
أما الآثار السالبة المتوقعة لتمرين التغيير.. فهي مما لا يمكن نفيه أو استبعاده بالكامل.. إلا أن اعتماده والاتفاق عليه بالإجماع كفلسفة وبرنامج عملي لمقابلة المستجدات والتحديات ثم الإلقاء بخبرات وكفاءات من (الخلف) محل (السلف)، يشي بأن الأمور ستمضي على ما يرام.. وهذا ما نتمناه، لأن تجربة التغيير بدراسة و(فهم) ورضا تستحق ذلك.. وهذا كله وجهة نظر وتأملات.