وجع الغلابة!!
الحاجّة “زينب” تحتاج إلى إجراء عملية عاجلة ودقيقة في عينيها حتى لا تفقد البصر وتصاب بالعمى.. وأم “هبة” رحل عنها زوجها وترك في ذمتها سبعة من الأبناء والبنات في مراحل دراسية مختلفة ولا تعرف كيف تواجه احتياجاتهم اليومية ومصروفاتهم التعليمية.. والمعاشي كبير السن الذي لا يملك بيتاً خاصاً به يأويه وأسرته تتراكم عليه شهور متتالية من مستحقات إيجار البيت ومن مديونية (بتاع الدكان).. والطالبة الطموحة بـ(كلية الطب) تم منعها من الجلوس لامتحان السنة النهائية لأن أسرتها لم يعد عندها ما تبيعه لتسديد مصروفاتها الجامعية.. وعائلة الشيخ الكريم الذي رحل دون أن يترك وراءه مليماً واحداً بعد أن أنفق والدهم كل ما عنده في سبيل الله والمحتاجين.. فأصبح أبناؤه لا يملكون الآن ما يسدون به رمق يومهم.. لكنهم يتعففون عن بسط أياديهم للناس.
و(ست الشاي) التي راهنت على (كفتيرة) لاستمرارية حياة أطفالها الصغار بعد أن طلّقها زوجها وهجر البيت وتهرّب من التزاماته نحوهم صودرت أحلامها الصغيرة بـ(كشة) عابرة وما عادت تحلم بحقها في الحياة أو أي شيء على الإطلاق.. و”عم إبراهيم” صاحب الكشك الصغير تم اقتلاعه من الناصية التي يقع فيها لأنه يشوّه الشارع العام.. فأخذ يمشي في الطرقات يندب حظه ويكلّم نفسه..
و”الطبيب” الذي ترك دولارات وريالات الخليج وجاء لخدمة بلده لم تلتزم وزارة الصحة بالعقد الذي أبرمته معه للاستفادة من خبرته العلمية والعملية الكبيرة.. فأصابه الحزن وتوارى عن أنظار زوجته وأبنائه خجلاً من الإجابة على السؤال المحرج: لماذا عدت يا أبي؟.. وكيف سنتأقلم على هذا الوضع الذي لا يشبه حياتنا من قبل؟!..
و”الأستاذ الجامعي” الذي استقال بدوره من التدريس في جامعة مرموقة بإحدى دول النفط عاد لجامعته التي كان يعمل بها ليجدها قد رفعت دعوى قضائية عليه بسبب الاختلاف على الصيغة القانونية التي سافر بها وما إذا كانت تعتبر فترة إجازة أم دراسة أم عمل والنتيجة أنه مطالب الآن بدفع أكثر من ثلاثين مليون جنيه أو السجن!!
وبالمختصر المفيد نقول إن هؤلاء البسطاء والذين لم نسرد قصصهم لإيجاد حلول لمشاكلهم بأسمائهم المحددة باعتبار أن قصصهم سبق وأن نُشرت وسبق أن وجد بعضها التفهم إن لم يكن الحل أو وصل إلى طريق مسدود وكانت عواقبه الإنسانية وخيمة ومدمرة ومؤلمة.. ولكن ما نريده من هذا العرض المقتضب للقائمة الطويلة من هموم الناس هو التأكيد على أن هذه القصص الواقعية جداً أصبحت للأسف “مكررة” و “متزايدة” و”متصاعدة” وتعكس حجم معاناة الناس ومستوى التحديات اليومية التي يواجهونها والتي تعيق حقهم الطبيعي والمشروع في حياة آمنة ومستقرة وكريمة مما يستدعي مراجعة الأوضاع ووضع الخطوط والبرامج الكفيلة بالحد من انتشار هذه الأشكال من الهموم اليومية الشائكة والمعقدة والتي تسبب الألم الأسري والتصدع العائلي الذي قد تكون نتيجته الانفجار والموت البطيء.
ليبقى السؤال الذي يطرح نفسه الآن بقوة: أيتها (الإنقاذ) من ينقذ هؤلاء الغلابة؟!