انقلاب بجنوب السودان!!
منذ أن بدأ التقارب بين دولة الشمال ودولة جنوب السودان، بدأ التربص لهذا التقارب من قبل القيادات الجنوبية التي كانت أصلاً ترفض أي تقارب بين البلدين بعد أن أصبح الجنوب دولة منفصلة ذات كيان وسيادة، ولكن دعاة الحرب أمثال “باقان” وغيره كانوا دائماً يديرون المخططات لإفساد العلاقة بين البلدين ظناً منهم أنهم قادة الحركة الشعبية وهم الذين ساهموا في فصل الجنوب ويحق لهم أن يفسدوا أي تقارب بين البلدين، إلا أن رئيس حكومة الجنوب “سلفاكير ميارديت” كان يتابع الموقف ببعد نظر، ولا يريد أن يستبق الأحداث، فكان دائماً يمد حبال الصبر لأولئك الرافضين ليعيش الجنوب في أمن واستقرار وسلام، ولكن القادة الجنوبيين كانوا يعتقدون أن “سلفاكير” رجل (درويش) ويمكن أن تمر عبره أي مخططات، ولكنه أثبت أنه أوعى من قياداته السياسية والعسكرية، وأحبط أمس الأول المحاولة الانقلابية التي استهدفت نظام حكمه، خاصة وأن مجموعة كبيرة من القيادات الجنوبية التي كانت تجلس معه في اجتماع مجلس التحرير القومي للحركة الشعبية قد انسحبت من الاجتماع عقب الهجوم الذي شنه على “مشار” و”باقان أموم” و”دينق ألور” و”نيال دينق”، وعدّت المجموعة المنسحبة التي يقدر عددها بـ(126) فرداً من مجموع الاجتماع المقدرة بـ(161)، خارجة على “سلفاكير”. وقال “سلفاكير” في مؤتمر صحفي عقده بجوبا أمس إن مجموعة لم تشارك في الاجتماع قامت بمحاولة انقلابية فاشلة وتم إلقاء القبض على بعضها وسيتم إلقاء القبض على الآخرين.. بعض الصحفيين قالوا لـ”سلفاكير” إن “رياك مشار” يقال إنه احتمى بالسفارة الأمريكية بجوبا، ولكن “سلفاكير” الذي يمتاز بالحصانة واللباقة لم يؤكد أو ينفي الخبر، وقال لهم إن هذه معلومة نعلمها منكم، وقال إن دولته سترسي سيادة حكم القانون، في إشارة إلى أن القانون هو الذي سيسود وسيطبق على الذين قاموا بالمحاولة الانقلابية الفاشلة.
وأعلن “سلفاكير” حظر التجوال بجوبا من الساعة السادسة مساءً وحتى السادسة صباحاً، مؤكداً أن الوضع قد تمت السيطرة عليه تماماً.. والمحاولة الانقلابية الفاشلة التي جرت أمس الأول بدولة الجنوب هي الأولى التي تم الإعلان عنها رسمياً، فهناك عدد من المحاولات التي استهدفت نظام “سلفاكير” لم يعلن عنها رسمياً.
القبضة الحديدية التي يحكم بها “سلفاكير” الجنوب، أحدثت ململة وسط القيادات السابقة التي استغنى عنها كـ”مشار” و”باقان” وهذان كانا يظنان أنهما البديل الشرعي للحركة الشعبية بعد وفاة “جون قرنق” وعدّا “سلفاكير” مرحلة ويمكن أن تتم إزاحته من المسرح نهائياً، ولكن “سلفاكير” أثبت أنه يتمتع بحس سياسي عالٍ ومد حبال الصبر إلى شركائه، وأغمض عيناً فيما ظلت العين الأخرى مفتوحة تراقب تحركات هؤلاء دون أن يشعروا، وأمن موقفه تماماً من أبناء الدينكا للحفاظ على دولته وعلى مستقبله السياسي.
إن المحاولة الانقلابية إذا قدر لها النجاح بجوبا أمس الأول، كانت ستهد كل البناء الذي تم تشييده بين الشمال والجنوب مؤخراً، ولعدنا إلى الوراء من جديد وعادت الحرب بين الطرفين، خاصة وأن الانقلابيين أصلاً لم يعجبهم هذا التقارب منذ أن مد “سلفاكير” يده البيضاء إلى دولة الشمال خلال زيارته إلى الخرطوم وزيارة المشير “البشير” إلى جوبا في أكتوبر الماضي رداً لزيارة “سلفاكير”.. لذا فإن أمام “سلفاكير” فرصة لبناء دولة قوية بالتخلص من المتورطين في المحاولة الانقلابية.