تحقيقات

التداوي بالأعشاب.. عندما يخدعك الإعلان!

 الصورة التي أمامنا رغم حقيقتها إلا أنها تبدو غير ذلك.. فقد ارتبطت في العديد من جوانبها بالتضليل.. والعشوائية وانعدام الرقابة.. العديد من المجلات والمطبوعات الإعلانية المجانية تحوي بداخلها عشرات الإعلانات لمنتجات علاجية مدعومة بعبارة (من خلاصة الأعشاب النادرة) المصنوع من المواد الطبيعية، إلى جانب الفضائيات التي اتجهت هي الأخرى إلى الإعلان عن مثل تلك المنتجات.. مسؤولون في الشأن أكدوا أن المهنة أصبحت غير مقننة.. وطالبوا على لسان الأمين العام لاتحاد العشابين بسن قوانين لتنظيم المهنة.
وهناك إعلانات لمنتجات بعض الشركات تروج لأعشاب لعلاج العقم، إضافة إلى زيوت الشعر والجسم والعديد من الأمراض.. وصورة أخرى لبائعي تلك الأوهام يمارسون عرض منتجاتهم بتوزيع بعض النشرات مجاناً على المارة تحوي جداول تحمل الرقم والمرض وسعر العلاج مع وصفة علاجية قصيرة.
أعشاب تدمر الكبد والكلى والأعصاب…!
75% من حالات الفشل الكلوي مرتبطة باستعمال عشبة “أم جلاجل”، وهناك عدد من الأعشاب التي أعتقد الكثيرون منا أنها مرتبطة بعلاج عدد من الأمراض، كشفت الدراسات العلمية لها وفق ما أفادنا به الأستاذ عبد الله معتصم الأمين العام لاتحاد العشابين والطب البديل أن لها آثار سلبية على الصحة تصل إلى درجة تدمير خلايا الجسم والإصابة بالفشل الكلوي وتدمير الكبد، فمثلاً عشبة المورنجا التي حظيت باهتمام وإقبال واسع من ضمن عدد من المرضى.. لا يستطيع كثير من العشابين التفريق بينها وبين عشبة “دقن الباشا” التي تشبهها إلى حد كبير جداً.. فعشبة المورنجا وحسب إفادات منظمة الصحة العالمية في هيئة الدواء البريطانية استعمالها لأكثر من (65) جراماً للبالغين وأقل من (25) جراماً للأطفال بإمكانها إحداث نتائج سلبية وتفاقم المرض بدلاً عن علاجه.
ومن أخطر النباتات العشبية سُمية عشبة “السكران” التي تنمو على ضفاف النيل وتناول ثلاث حبات منها من شأنه أن يدمر الجسم تحديداً (الأعصاب) فحبة واحدة من “السكران” قادرة على تخدير الجسم ليوم كامل..
ومن الأعشاب الطبية والنباتية المضرة للمرأة الحامل البقدونس الأخضر فإذا تناولته المرأة في فترة الحمل يتسبب في انخفاض في نسبة البوتاسيوم وارتفاع في الضغط واحتباس للماء والبول.. كذلك “السنمكة” التي تحدث انخفاضاً في الكالسيوم وإسهالاً حاداً، إضافة إلى نباتات اللبلاب السنام وست الحسن اللتين أكدت الدراسات أنهما من مسببات الفشل الكلوي ونبات ورد الحمير الذي يتسبب في زيادة نبضات القلب ويؤدي إلى الصداع الحاد واختلال في عدد من وظائف الجسم، كما أن بذور الخروع تعتبر مانعاً للحمل وتدمر خلايا الكبد والكلى والدماغ لاحتوائها على مادة الريجسين “حبة الملوك” وهي مادة بروتينية بيضاء تؤدي إلى الوفاة غالباً.
كما أن مراعاة الأثر الفلاحي للنباتات والحديث لأمين اتحاد العشابين له دور كبير في تحديد فاعلية النبات.. كما أن بيئة النباتات من حيث التربة ما إذا كانت محتوية على نسبة من الملوثات مثل الرصاص المتواجد في البطاريات أو المعادن من شأنها أن تنتقل مباشرة إلى النباتات العشبة.
ولاحظت (المجهر) ظهور إعلان لعلاجات عشبية لعدد من الأمراض من بينها السكري وسعر الكورس منه (130) جنيهاً، الكلى والحالات المرشحة للفشل الكورس (140) جنيهاً ويكرر حسب الحالة.. حبس البول (140) جنيهاً.. عقم النساء الكورس (300) جنيه عقم الرجال الكورس (300) جنيه.. ضيق وانسداد شرايين الجسم والقلب وضعف عضلة القلب الكورس (140) جنيهاً.. (غرغرينة) وجروح السكري سعر العلبة (100) جنيه والصرع (150) جنيهاً إلى آخر القائمة التي تحوي أكثر من (51) مرضاً والتي ختمت بوصف الموقع والتلفونات الخاصة بالشركة.
العرض الفوضوي لمنتجات الأعشاب أصبح مرتبطاً بالهمجية التي لازمت الإعلان وطرق التقديم لمثل تلك المنتجات. ففي السوق العربي تحديداً أمام المسجد الكبير افترشت الأرض مجموعة من الباعة المتجولين أمامهم عدد من التراكيب التي زعموا أنها عشبية لعلاج عدد من الأمراض وضعوها فوق التراب وتحت أشعة الشمس.. فضلاً عن أن بعض هؤلاء الباعة يعرضون منتجاتهم إلى جانب عدد من المنتجات السامة مثل سم الفار ومنتجات إبادة الحشرات، إلي حد سيطرة فيه إعلانات القنوات الفضائية مؤخراً.
وهناك عدد من المنتجات التي ادعى المروجون لها أنها الحل السحري والآمن والفعال للعديد من الأمراض المستعصية، داعين إلى العودة إلى منتجات الطبيعة بل أن البعض منهم استغل حاجة البعض للعلاج وإنجاب الأطفال وقابلوا هذه الحاجة باستغلال ونهم الغرض الأساسي منها الكسب المادي فقط، بدليل أن ما يفوق (90%) من هذه الإعلانات تهتم بعلاج العقم والمنشطات الجنسية وعلاج البشرة، كما أن درجة الاستخفاف بالمستهلك وصلت إلى حد أن بعض مروجي المنتجات العشبية أكدوا أنها تعالج أكثر من ثلاثين مرضاً.
وكشفت جولة (المجهر) في عالم التداوي بالأعشاب عن بعض الممارسات، إذ يعرضها عدد من التجار ذائعي الصيت للبيع مقابل مبالغ مالية باهظة يتم استخدامها للفتيات للتخلص من الحمل وادعاء أنها قادرة على إعادة العذرية!
«من المسؤول….؟»
المجلس القومي للأدوية والسموم ضمن قوانينه مادة جاءت بالفصل السادس أحكام متنوعة أكدت أنه لا يجوز لأي شخص أن ينشر أي إعلان عن أي دواء أو مستحضر صيدلاني أو مستلزم طبي أو عشبي أو أية مادة توحي بأنها علاج أو وقاية من مرض مهما كان نوعه بصيغة أو بطريقة يقصد منها الترويج لاستعمال الدواء أو المستحضر لعلاج الأمراض أو الوقاية منها ما لم يحصل على الموافقة من المجلس، وفي حالة عدم الالتزام باللائحة يضع المجلس عقوبات تتفاوت ما بين الغرامة أو السجن لستة أشهر او اكثر.
الهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس اتجهت هي الأخرى مؤخراً إلى وضع مواصفة قياسية تتناول الإعلانات المضللة للأعشاب بها حوالي (15) شرطاً من الاشتراطات العامة من بينها ألا يستعمل الإعلان الآيات القرآنية أو الأحاديث النبوية، وأن لا يذكر الإعلان صراحة أو عن طريق الايحاء خصائص أو صفات غير متوفرة فيه وأن لا يحوي أي صور لأي إنسان في شكل غير لائق وتسيء إلى التعاليم الدينية والأخلاق والذوق العام، كما يمنع منعاً باتاً الإعلان عن المرافق الطبية والأدوية بكافة أنواعها والأعشاب الطبية التي لها ادعاءات علاجية إلا بعد الحصول على تصريح من الجهات المختصة.. إلى جانب عدد من الاشتراطات الخاصة الأخرى.
الدكتور “صلاح محمد الحسن” ممثل الأمين العام للمجلس القومي للأدوية والسموم، أكد أن مهمة المجلس تنحصر في التأكد من السلامة والجودة، وليست لدينا علاقة بتنظيم المهنة، أما ما يختص بالمواد المستخدمة كعلاج لبعض الأمراض فيتم التعامل معها وفق لوائح المجلس، وأشار في المنتدى الذي نظمته (جمعية حماية المستهلك) إلى أن بالمجلس لجنة للمتابعة والرصد متخصصة في محاربة هذه المواد المنتشرة والمعلن عنها باستمرار. ولكن الواقع يؤكد الغياب التام للدور الرقابي الذي زعم ممثل المجلس أن المجلس يقوم به بدليل استمرار هذه الحملات المنظمة وزيادتها مؤخراً.
البروفيسور “حسن السبكي” خبير علم الأعشاب وعضو المجلس القومي للأدوية والسموم، أكد أن أهم أسباب فوضى العلاج بالسودان عدم فهم طبيعة الممارسة، وأن هنالك أعداداً قليلة من الأدوية مسجلة بصورة سليمة، وأن معظم الجهات التي تعنى بتقديم المنتجات العطرية والنباتية مثل العطارات لا تمتلك تصاديق عمل، بل تحمل تصاديق تحصلت عليها من المحليات وهي جهة لا علاقة لها بالصحة أو المنتجات الطبية، إضافة إلى أن معظم التركيبات العشبية والعاملين عليها لا يمتلكون قاعدة بيانات يراعون فيها الناحية الأمنية لمنتجاتهم، كما أن (منظمة الصحة العالمية) حددت شروطاً أساسية حرصت على توفرها بالمنتجات العشبية من ضمنها وجود سياسة خاصة بمنتجات الطب الشعبي ووجود قوانين وتشريعات وبرنامج قومي، وأن يتوفر مكتب خاص بالطب الشعبي، إضافة إلى انتشار مراكز البحوث ووجود تشريعات ولوائح لتسجيل الأدوية الشعبية، علماً بأن جميع هذه الشروط لا تتوفر في الوقت الراهن.
السيد “عبد الله معتصم مختار” الأمين العام للاتحاد السوداني للعشابين والطب الأصيل، أوضح أن (80%) من الدول الأفريقية تتداوى بالطب التقليدي، وفي العام 2002م وضعت وزارة الصحة إستراتيجية للطب التقليدي تراعي المأمونية والجودة والإدارة والاستخدام الرشيد في المحور السياسي، وأننا في السودان نمتلك حوالي (3157) دواء عشبياً لم تخضع للدراسة سوي (200) دواء منها فقط. كما دافع السيد “عبد الله معتصم” عن العشابين السودانيين مطالباً بمنحهم براءات اختراع، وأن يتم تسجيل منتجاتهم وتدريبهم على الجرعات العلمية ليصبحوا ضمن الرعاية الصحية الأولية للدولة، ورؤيتنا للإعلان هو أننا نتحدث كثيراً عن فوائد الأعشاب الطبية والعشبية، ومن ضمن أعضائنا خريجو الخلاوى وحملة الشهادات العلمية المميزة، وأن العشابين السودانيين عموماً ينقصهم الفريق العلمي والطبي الذي يمكن الاستناد إلى نتائجه، ولا يوجد فريق علمي لقيادة العمل والوصول إلى نتائج.
السيد “شاكر جويلي” رئيس الاتحاد السوداني للعشابين والطب الأصيل، أكد من خلال حديثه رفضهم بالاتحاد البيع في العربات وافتراش الأرض ومطالبتهم بوضع مواصفات للعطارة، والعطارة أشبه بالصيدلية العشبية مطالباً في ذات السياق بسن نظم وقوانين لتنظيم المهنة بالمجلس الطبي.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية