هل فشلت صحافة الحكومة؟!
عينت إدارة صحيفة (الأنباء) التي تأسست في 26/5/1997م الأستاذ “السر حسن فضل” الذي كان يشغل قبل دمج الصحف في صحيفة (الأنباء) منصب مدير مجلة (سودانا)، عينته رئيساً للتحرير، وربما حاولت إدارة الصحيفة وعلى رأسها الدكتور “أمين حسن عمر” أن تعطي الصحيفة الاستقلالية، أي أن تبعد عنها صبغة الإنقاذ، و”السر حسن فضل” رجل مستقل لم يعرف له أي تنظيم أو لون سياسي حتى تكسب الصحيفة استقلاليتها، ولكن في نفس الوقت عينت إدارة الصحيفة الأستاذ “سليمان عبد التواب الزين” مديراً للتحرير بعد انتدابه من وزارة الخارجية التي يعمل فيها في وظيفة مستشار وفقاً للتقسيم الإداري بوزارة الخارجية، والأستاذ “سليمان” عرف بولائه الإسلامي وسبق أن عمل في صحيفة (الراية) التي كانت تتبع للجبهة الإسلامية القومية. وعلى رغم ولائه السياسي كان مهنياً، لم يتعامل مع الولاء السياسي بقدر ما تعامل مع المهنة، وكثيراً ما اختلف مهنياً مع إدارة الصحيفة. وأذكر أننا اتفقنا على إجراء حوار مع “غازي سليمان” المحامي، ووقتها كان مثيراً للجدل بآرائه السياسية المختلفة وعدائه للإنقاذ بعد أن فُصل من البنك الفرنسي. وقد اتفقت والأخ “سليمان” على محاور الحوار وتم الحوار، ولكن إدارة الصحيفة اعترضت بعد النشر إذ إن كثيراً من الإجابات التي أدلى بها الأستاذ “غازي” كانت هجومية على الإنقاذ وهذا لم يعجب الشيخ “يس عمر الإمام” فأرسل في طلب لمقابلته، ولكن للأمانة تصدى الأستاذ “سليمان عبد التواب” لذلك وقابل الشيخ “يس” وقال له هذا الصحفي لا ذنب له فيما جرى وإذا كانت هنالك محاسبة فحاسبوني لأنني أنا الذي وجهت وحددنا محاور الحوار، فكانت شجاعة فائقة لم يتعامل بها كثير من منسوبي الإنقاذ مع المحررين، خاصة في الصحف المنسوبة إلى الحكومة، كما تصدى الأستاذ “سليمان” لكثير من الجهات التي كانت تعترض الصحفيين فيما ينشرون، إذ إن الحرية الصحفية وقتها كانت مقيدة. وأذكر أن الزميلة “طاهرة مكحول” كانت قد أجرت عدداً من التحقيقات الصحفية الساخنة وجرى اعتراضها من جهات عدة، ولكن الأستاذ “سليمان” وقف إلى جانبها.
العلاقة بين الأستاذ “السر حسن فضل” كرئيس للتحرير و”سليمان عبد التواب” كمدير تحرير لم تشوبها صراعات واضحة عدا بعض الهنات الصغيرة التي لم ترق إلى أن تكون مشكلة، فالتناغم كان واضحاً، “سليمان” يقوم بمهام مراجعة المواد وتقديمها للسكرتارية، ومن ثم يغادر قبل المغرب أو بعده إلى منزله، فيعود الأستاذ “السر” لمتابعة الصحيفة ومراجعتها مع التأكيد على خطوط الأولى ومن ثم ينصرف، ويظل سكرتير التحرير ومحرر السهرة يتابعان ما تبقى من توضيب العدد ومن ثم الدفع به إلى المطبعة.. عام كامل لم تحدث أي إشكالات، بل التناغم كان واضحاً جداً بين البقية التي آثرت البقاء بالمؤسسة بعد أن خيرت مجموعات، إما الاستمرار أو أخذ استحقاقاتهم، وكان أول المغادرين من الإداريين الأستاذ “عوض صالح الكرنكي” و”فضل المرجي” المدير العام ونائبه، وغادر أيضاً عدد من المحررين على رأسهم الأستاذ “فتح الرحمن النحاس” الذي استُحدث له منصب مستشار بعد أن كان يشغل منصب رئيس تحرير (السودان الحديث) قبل الدمج، و”صالح عجب الدور” و”الوليد مصطفى” و”علام عمر” و”عمر إسماعيل” و”عوض التوم” وآخرون.. وهؤلاء جميعاً انضموا بعد ذلك إلى صحيفة (الجمهورية) التي أسسها الشهيد “الزبير” للأستاذ “فتح الرحمن النحاس”.. بعد انتهاء الفترة الأولى، العام أو قبلها، تم تعيين الأستاذ “النجيب آدم قمر الدين” رئيساً للتحرير خلفاً للأستاذ “السر حسن فضل”.
نواصل