تحقيقات

سكان الكلاكلة (القطعية).. إزالة باسم المصلحة العامة!

ها هو فصل جديد من فصول الخلاف بين (وزارة التخطيط العمراني) ومواطني منطقة (الكلاكلة القطعية) وتحديداً شارع الأربعين، عندما تم إنذار هؤلاء السكان بإزالة منازلهم بدعوى المصلحة العامة!! والمصلحة العامة التي تقتضيها (وزارة التخطيط العمراني) هي توسعة شارع الأربعين مع إزالة (138) منزلاً وتشريد الأسر دون تعويض مجزٍ!! لم يكن هذا العذر يجد وقعه في نفوس سكان المنطقة خاصة وأن توسعة هذا الشارع لا تتطلب إزالة وتشريد العديد من الأسر مقابل لا شيء، لتبدأ بذلك أولى رحلات المتضررين لطرق أبواب المسؤولين رافعين مظلمتهم إلى المحامي العام بـ(وزارة العدل) يطلبون العدل والإنصاف، وسرعان ما أصدر المحامي العام خاطباً إلى المستشار القانوني لـ(وزارة التخطيط العمراني) للدراسة العاجلة مع التوجيه بوقف قرار الإزالة لحين البت في الأمر.
 الشارع المغتصب…
وشارع الأربعين لمن لا يعرفه، فهو شارع يفصل ما بين منطقتي (أبو آدم) و(الكلاكلة القطعية)، وهو من الشوارع العرضية ويربط بين شارع (الخرطوم جبل أولياء) وشارع (الكلاكلة شرق)، هذا الشارع ظل لفترات طويلة في نظر البعض شارعاً مغتصباً من قبل هؤلاء المواطنين الذين قاموا بشراء هذه الأراضي التي كانت في الأصل عبارة عن سواقي زراعية وأصبحت فيما بعد قرى سكنية تصرف فيها الملاك بالبيع بموجب عقود موثقة لأغراض السكن للمواطنين منذ العام 1983م وحتى عام 1994م، وقليل منهم من قام بالشراء في عام 2000م. ظل المواطنون يمارسون حياتهم بصورة طبيعية بعد إكمالهم الإجراءات القانونية وتسجيل حيازاتهم من الأراضي المشترية لدى مجلس شعبي (الكلاكلة القطعية) وحررت لهم شهادات بحث بذلك ولم يتوانوا في تشييد مساكنهم على الأراضي التي قاموا بشرائها كل حسب إمكانياته وصرفوا عليها مبالغ طائلة، وقامت السلطات بولاية الخرطوم بإدخال الخدمات كافة المتمثلة في المياه والكهرباء والهاتف وامتدت لتشمل رسوم النفايات…. ولكن لم يخطر ببال هؤلاء المواطنين وهم ينعمون بالخدمات كافة لأكثر من عشرين عاماً أن يوماً سيأتي عليهم ويواجهون شبح الإزالة والتشرد لمجرد توسعة شارع عرضي ترى السلطات أن المواطنين تعدو عليه حينما شيدوا مساكنهم!!!
لم يجد خطاب المحامي العام قبولاً لدى (وزارة التخطيط العمراني) رغم أن وزيرها سجل زيارة ميدانية في أواخر العام 2004م إلى منطقة (الكلاكلة القطعية) وخاصة الأجزاء المتأثرة بالمربعات (1 – 2 – 3)، وجلس الوزير مع لجنة المتأثرين بشارع الأربعين وكان اتفاقه معهم أن يصدر قراراً بتشكيل لجنة ثلاثية بشأن النزاع، ولكن الوزير لم يقم بإصدار القرار المتفق عليه، ليتفاجأ المتضررون بإعلان على إحدى الصحف بتاريخ 28/4/2007م ينذرهم بإزالة الحيازات التي تقع على مواقع الخدمات والشوارع حتى تاريخ 15/5/2007م بمناطق شارع الأربعين مربعات (1- 2 – 3) (الكلاكلة القطعية) وإلا سوف تضطر الإدارة إلى تنفيذ الإزالة بالقوة الجبرية مع تحميلهم تكاليفها. محاولات عدة ومستميتة قام بها المواطنون لمناهضة هذا القرار الذي يقضي بتشريدهم جعلتهم يعاودون الكرة مرة ثانية لمخاطبة المحامي العام والذي خاطب بدوره (وزارة التخطيط العمراني) لوقف الإزالة إلى حين البت في الأمر ودراسته، وأكد المحامي العام في خطابه لـ(وزارة التخطيط) أنه ظل يخاطبهم باستعجال منذ 2/5/2005م ولم تتكرم الوزارة بالرد ليتمكن من التصرف حيال هذه القضية. إلى هنا انتهى خطاب المحامي العام ومازال هؤلاء المواطنون يعانون إلى الآن رغم خطابي المحامي العام بوقف الإزالة لتزداد هواجسهم التي ظلوا يعانون منها وفي أذهانهم تدور آلاف الأسئلة، ما هو المصير؟ وكيف الخلاص؟ وأين تعويضات مساكنهم التي شيدوها بكل مايملكون؟ وكيف لأبنائهم أن يحرموا من حقوقهم الأساسية في التعليم والصحة ؟. لعل حال الخالة «نجاة محمد أحمد» حين التقتها (المجهر) في زيارة ميدانية للمنطقة للوقوف على أحوال مواطنيها كان يحكي عن تلك الهواجس التي تطل من أعينها حين قامت بمقاطعتي وأنا أتحدث إلى رئيس لجنة المتضررين موجهة لي سؤالها قائلة: (نحن لو نزعوا بيوتنا حيودونا وين وحنبني بي شنو؟) واستطردت: (أنا في المنطقة دي من عام 1984م قعدت وصلحته وعمرت بيتي ودخلت الموية والكهرباء وكنت بدفع العوائد في محلية (جبل أولياء) يجي بيتي يروح عشان شارع داخلي ما عندو أهمية؟! وختمت حديثها: (أنا ما بخلي بيتي حتى لو فضل فيهو شبر…). لم تكن خالة «نجاة» وحدها التي تعيش هذا الواقع المخيف، بل مثيلاتها كثر وهن يواجهن شبح التشريد.
قط وفأر…
الأمر بين (وزارة التخطيط العمراني) و(المحامي العام) بدا أشبه بلعبة (القط والفأر)، إنذار المواطنين بالإزالة يقابله خطاب من المحامي العام بوقف الإزالة، تأخذ الوزارة هدنة تمتد لسنوات ومن ثم تعاود الكرة مرة أخرى، وهذا ما حدث في المرة الأخيرة، فبعد الإنذار الذي جاء على إحدى الصحف عام 2007م توقف الأمر وتجمد حتى عام 2012م عندما أصدر والي الخرطوم قراراً تم بموجبه نزع بعض السواقي بالمنطقة والتي جزء منها متأثر بقرار إزالة شارع الأربعين، ورغم أن هذا القرار صدر بعد أكثر من ثلاثين عاماً من تاريخ تشييد المواطنين لمساكنهم بالمناطق المتأثرة، إلا أن وزير (التخطيط العمراني) أستبق قرار والي الخرطوم بقرار تحفيزي لتقنين الحيازات الخاضعة لإعادة التخطيط بمنطقة الكلاكلات… ولكن الأستاذ «حاتم الوسيلة السماني» محامي المتضررين الذي بدأ حديثه لـ(المجهر) متعجباً من تلك القرارات التي لم تلقِ بالاً لخطابات المحامي العام بوقف الإزالة، أكد قيامه بالإجراءات القانونية كافة مخاطباً والي الخرطوم والمجلس التشريعي والنائب العام بوضع حلول لحماية المواطنين، ولكن الحال ظل على ما هو عليه، مضيفاً بعد قرار تقنين هذه الحيازات تم تكوين لجنة لحصرها وترقيمها بواسطة «عبد الله التوم» مدير مكتب المقرن، وقامت هذه اللجنة بحصر كل الحيازات المتأثرة وعددها (510) منازل بالمنطقة بما فيها المتأثرون بشارع الأربعين، وتم وضع الدراسات الاجتماعية للأسر ومنحهم أرقاماً لمنحهم ديباجات ومن ثم رفع التقرير النهائي إلى وزير التخطيط لاتخاذ ما يراه مناسباً من معالجات. ولكن بتاريخ 24/6/2013م وصلت لجنة تابعة لوزارة التخطيط إلى المنطقة المتأثرة برئاسة المهندسة «فاطمة إسماعيل» وقامت بوضع علامات (×) باللون الأحمر على المنازل، وهذا يعني الإزالة الفورية والتنفيذ باستعمال القوة الجبرية، وتم ذلك دون إنذار أو إخطار أو إبراز صورة من قرار الإزالة الذي يحمل الرقم (66) دون الالتزام بقرار المحامي العام الذي عندما خاطبناه للمرة الثالثة، أشار في خطابه إلى (وزارة التخطيط) أن قراره بوقف الإزالة مازال سارياً إلى حين البت في الأمر، ولا بد من الإسراع في معالجة الأزمة لحسم الموضوع، وتساءل «الوسيلة» كيف لمواطن أن يصبح نازحاً ومتشرداً دون مأوى في بلده ووطنه؟!…
سيف على رقابنا…
بدت نظراتهم عادية بعض الشيء وإن كانت نفسيهما يعتملها الكثير من الحيرة والألم …إنهما الرئيسان الحالي والسابق للجنة المتضررين، «كمال محمد الجاك الزبير» رئيس اللجنة الحالية للمتضررين، وهو مقدم شرطة بالمعاش قام بشراء قطعة أرض في عام 2005م، وهي عبارة عن ساقية غير معوضة، لم يستطع تشييدها نسبة للصراعات الموجودة بخصوص المنطقة مع العلم أنه اشترى القطعة من مالكها الأصلي.. يقول «الجاك» قمنا بجميع اتصالاتنا ومحاولاتنا لإيقاف أمر الإزالة، أردنا مقابلة وزير (التخطيط العمراني) ولكنه رفض مقابلتنا وكذلك المعتمد، فما كان منا إلا اللجوء إلى الإعلام فقد أضحى مدفعنا الأساسي، مضيفاً: قمنا بمقابلة مدير أراضي الخرطوم وقدمنا له دعوة لزيارتنا وقد لبى دعوتنا، وعندما وجهت له سؤالاً هل الغرض هو تشريد (138) منزلاً على حساب تجميل وتوسعة طريق؟ فأجابني قائلاً: الأمر ليس من اختصاصي هذا قرار الوزير وكلامة سيف على رقابنا.
أما «عصام عبد اللطيف» وهو الرئيس السابق للجنة المتضررين، تابع فصول هذه القضية منذ بداياتها، فهو يعتبر من سكان المنطقة القدامى ويعود تشييد منزله إلى العام 1978م، يقول «عصام»: في عام 1992م قمت بفتح بلاغ احتيال في مواجهة الشخص الذي اشتريت منه بعد أن تبين لي أن الشارع (60) متراً وأنه باع لي الشارع وقمت بالاستعانة في البلاغ بالشخص الذي قام بتخطيط منطقة (أبو آدم) وكل مناطق الكلاكلات، وقد أوضح أن تلك المناطق تحولت من زراعية إلى سكنية برغبة سكان السواقي، وأصبحت مناطق إدارية تابعة إلى مكتب تنظيم القرى، ويواصل: تم بعد ذلك شطب البلاغ لصالح المواطن الذي اشتريت منه بأن باع حقه وأن بيعه صحيح على أن يتم تعويضنا في منطقة (أبو آدم) مربع (6) ولم يتم تعويضنا وظلت القضية معلقة. وفي عام 2003م تم تكوين لجنة التعدي على خدمات (أبو آدم وشارع الأربعين) ومنذ ذلك الوقت بدأت رحلتنا لمناهضة ذلك القرار الذي يقضي بتشريدنا، وظللنا نخاطب الوزير لمقابلته، وأيضاً خاطبنا المحامي العام الذي بدوره خاطب الوزارة ولكن دون جدوى مع العلم أن الشارع المراد توسعته سيفوق إن تمت إزالة مساكننا الـ(75) متراً!! وأضاف «عصام»: نحن لسنا ضد توسعة الشارع إذا كان في الأمر مصلحة عامة، ولكن لابد أن يكون هناك تعويض مجزٍ، مع العلم أيضاً أن القرار رقم (66) الذي يقضي بإزالة مساكننا رفض المسؤولون بالتخطيط إعطائنا صورة منه!!.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية