«التجاني محمد إبراهيم» .. رجل من إكسير الفخامة
كان حجم اللوعة والجزعة مهولاً يفوق التصور والإدراك عندما رحل القطب الاتحادي العريق والشخصية الرياضية والاجتماعية الملهمة “التيجاني محمد إبراهيم” في مثل هذه الأيام من العام المنصرم، فقد ارتجفت فرائص أهله وأحبابه وأصدقائه وعارفي فضله من حسرة الفراق، كما ترتجف فروع البان من العاصفة العاتية!!
“التيجاني محمد إبراهيم” كان خليطاً بين رجل الأعمال الناجح وبين الشخصية البسيطة الملتصقة بعامة الناس، وبين صاحب العلاقات الفخيمة والمكانة الرفيعة وبين الإنسان الزاهد في الألقاب والصولجان.
شيء نادر وميكانيزيا سحرية تدفعه نحو تحمل ثقل المسؤولية مهما كانت تعقيداتها، وفراسة عميقة تكلل خطواته إلى مرافئ الفلاح مهما كان الطريق مليئاً بالأشواك والحصرم، فقد كان يدلق التكاليف المعقدة والمهام الجسيمة بأرتال من الحيوية والأناقة والجسارة والذكاء والصبر موجود في كنانته، وها هو “التيجاني محمد إبراهيم” يدخل دفتر التاريخ من أوسع أبوابه بوصفه مهندس مبادرة الحوار الشعبي الشامل التي فتحت أجواء الانفتاح على صعيد المسرح السوداني عندما كانت الإنقاذ غليظة الأنياب لا تعترف بالآخر!
في اللوحة المقطعية كابد “التيجاني” في مشواره الحياتي، وكان مهموماً بالقضايا الوطنية والأشواق الطاغية للسودانيين المتمثلة في الخروج من نفق القبضة الحديدية إلى بوابة الهواء الطلق، فكانت رحلاته المكوكية إلى القاهرة في التسعينيات وتفاكره مع “الشريف زين العابدين الهندي” لدراسة ملامح المبادرة الانفتاحية التي سوف تنزل على مناخات السلطة القابضة!
من الصعب على أي فرد تغيير مزاج “الشريف زين العابدين الهندي”، حين يميل إلى وجهة نظره، بل يمكنك أن تجر الجبل لكن لا يمكنك إقناع “الشريف” برؤية معينة لا يوافق عليها. فالشاهد أن “التيجاني محمد إبراهيم” كسر هذه القاعدة الذهبية في دواخل “الهندي” بعد جهد مكثف وحوارات عميقة بين الرجلين، حيث استطاع “التيجاني” أن يلمس الزر السحري في شخصية “الشريف” ويضرب على وتر الشد التلقائي في أعماقه، وبذلك جاء ميلاد مبادرة الحوار الشعبي الشامل كعلامة فارقة في المشهد السياسي لن يضعف من مقدارها وأوارها الذين كسبوا الغنائم ودخلوا الوزارات من دهاليزها!
كان “التيجاني” رجل أعمال ناجحاً ومثابراً قطع المسافة الطويلة في فضاءات التجارة و(البيزنس) بالصدق والنزاهة ودفقات التحدي والشطارة لم يسترض طموحاته الذاتية على حساب تقاليد السوق العريقة.
أما على الصعيد الإنساني فقد تآلف “التيجاني” مع قضايا المقهورين والمساكين إلى درجات العشق لا يتخلص من أعبائها مهما كلفته، ولا يتحاشها مهما تعقدت دون أن يتأفف أو يتضايق.
كان “التيجاني” رجلاً شجاعاً ومهاباً لا يمكن إخضاعه إلا بكلمة حنان.. فقد كان قوياً كالجبل الأشم، ومقاتلاً كالأسد الهصور، وكان نقياً مثل النبع البلوري، وعريقاً أصيلاً يتوكأ على شجرنه ذات العماد، فقد كان “التيجاني محمد إبراهيم” رجلاً من إكسير الفخامة، وملحمة من الترفع وكان علامة دالة كالنيل والنخيل.
كان منزله واحة ظليلة تموج بالأحباب والأصدقاء من كل حدب وصوب، وكان مجلسه عامراً بالكرم والشهامة والنبل، وقد كان حضوره يجمع السياسيين والوطنيين والاتحاديين ووجهاء المجتمع يستظلون بفيئه وشخصيته البهيجة ومن يمن الطالع أن أبناءه “الزاكي” و”نصر الدين” وإخوتهم يسيرون على درب والدهم.
تقبل الله الفقيد الكبير “التيجاني محمد إبراهيم” قبولاً حسناً وجعل الجنة مثواه مع الصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا والعزاء لأبنائه “الزاكي ونصر الدين” و”فيصل” و”ياسر” و”عارف” و”علي” و”عصام” وزوجته المكلومة وأحفاده، والعزاء لجميع أهله وأحبابه، فالنيزك يزداد بريقه ولمعانه وهو على حافة الاختفاء، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.