رأي

مزارع يشرب لبن البودرة!!

هناك نوعان من المزارعين، أحدهما هو المزارع غير المطبوع، وهو الذي نشأ منذ طفولته في بيئة زراعية وتعلم من آبائه وأجداده كل العمليات الزراعية وابتكر الآلات الرافعة للماء من النهر، وبإمكانه الاستغناء عن كل العالم لأنه ينتج غذاءه بنفسه.. أما النوع الآخر فهو المزارع المصنوع، وهو الذي لم يمارس العمليات الزراعية منذ طفولته ولا يبذل جهداً كبيراً لأنه يعتمد على الآلة، كما أنه يشتري لبن البودرة كل صباح لأنه لم يعرف تربية الماشية والعمليات اللازمة لرعايتها، أو هو في الحقيقة خبراته مع الماشية هي نفسها الخبرات التي لدى الرعاة البدو.. منذ عشرات السنين نلاحظ أن المزارع في الجزيرة يشتري ألبان البودرة ولا يحس بأي خجل، لأنه في الغالب له عمل آخر، أو هو موظف حكومي، أو مشغول بالانتماء إلى أحد التجمعات المهنية، ويضيع جل وقته في هذا النشاط وحده، والدولة لا تبذل أي جهد لجعله يطور نفسه ووسائله، كما أنه يغطي على عجزه باستيراد الغذاء الرخيص، وهو في مزرعته يستعين بالآليات والخبراء، أي أنه مكلف في إنتاجه.
السودان في معظمه يعتمد على الزراعة المطرية التي لا تحتاج إلى جهد كبير، كما أن عملياتها سهلة وغير معقدة.. ولا توجد خبرات زراعية حقيقية إلا عند المزارع القادم من الولاية الشمالية، والمشكلة أنه حتى هذا المزارع (الحقيقي) في الشمال تأثر بمن حوله وهو الآن يشتري علب لبن البودرة لأنها أسهل.
من الإنجازات العظيمة لـ”الشريف الهندي” أنه عندما كان وزيراً للمالية، قام بتحديث مشروع الجزيرة، فأصبحت كل القرى تقريباً مضاءة.. بالطبع هذا إنجاز يحفظ له، ولكنه أدى إلى اعتماد المزارع على الحكومة في كل شيء، والآن إن قطعت الكهرباء لأي سبب يبقى الناس في الظلام إلى أن تعود، وكذلك المياه.. وكان المفترض أن يتم تطوير حياة المزارع نفسه، أي جعله مزارعاً حديثاً، وتسهيل حصوله على الأجهزة الحديثة وليس الراديو وحده، وتسهيل حصوله على الآليات الزراعية، ومنع استيراد ألبان البودرة، حتى يعتمد المزارع على نفسه في غذائه وليس مجرد مالك لمزرعة باسمه بينما هو يعمل في مهمة أخرى بعيدة عن الزراعة.
والمطلوب من الدولة تعويد المزارع عل الاعتماد على نفسه.. لقد كان المزارع في السودان في الماضي ينتج حتى الأقمشة، فقتلنا هذه المهنة بحجة التحديث ولا توجد آلة خياطة في أي بيت مزارع، كما أن فنون الخياطة اليدوية اندثرت مع غزو الأقمشة الحديثة التي يحضرها المغتربون.. لماذا لم نستفد من تجربة الصين في تحويل المزارعين إلى قوى إنتاجية
إقامة المجمعات الإنتاجية في كل قرية شرط للسماح للفرد بالإقامة والعمل، تقلل كثيراً من الجرائم، ونلاحظ أن الانتقال بين القرى يتم بسهولة ويفترض ألا يكون إلا بعد نيل الإذن كتابياً من الكفيل، وهذا إجراء متعارف عليه في بعض الدول تطبقه على مواطنيها.
بعد هذا، نأتي إلى مشكلة تعريف الإنتاج، ولا أعرف هل ما زال مصنع تعبئة التمور بكريمة يعمل أم حدث له ما حدث لغيره؟ فإذا كان يعمل، لماذا لا يتم التوسع في إنتاجه لسد حاجة السوق المحلية مع بقاء فائض للتصدير؟ ويمكن أن يصدر إلى الدول العربية المجاورة أو الأفريقية التي لا يوجد فيها نخيل.. يمكن تشجيع الناس على التوسع في زراعة النخيل بإدخال عينات جديدة، ويمكن تصدير النخيل من أوروبا لتجميل الشوارع، حيث يوجد نوع من النخيل ساقه مستقيمة يصلح للشوارع، ورغم ذلك يثمر كل عام، وقد شاهدت هذا النوع في السعودية.. بالطبع لا يمكننا استخدام ثماره لإنتاج المشروبات الروحية لأنها محرمة، ولا أعرف رأي الدين إذا صدرناه إلى دولة تقوم بتحويله إلى مشروب مسكر، ولا بد من إجراء دراسات لمعرفة إمكانية إنتاج الـ(سبيرتو) من البلح، والتوسع في تعبئة المجفف منه لاستخدامه محلياً، خاصة خلال شهر رمضان وتشجيع الناس على استخدامه.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية