من المسؤول عن فشل اقتصادنا؟!
الشباب المصري عندما قام بثورته في الخامس والعشرين من يناير 2012م، كانت عبارة (ارحل) هي المسيطرة على كل الميادين، فكتبت على الجباه وعلى الأيدي وعلى اللافتات، وما من موقع إلا وكتبت عليه كلمة (ارحل).. وكلمة (ارحل) آنذاك قُصد بها رحيل الرئيس الأسبق “حسني مبارك” الذي جثم على صدر الأمة المصرية أكثر من ثلاثين عاماً.. وطوال تلك السنوات ظلت مصر عاماً بعد عام تتدنى في اقتصادها وفي مأكلها ومشربها حتى علاقاتها مع الدول أصبحت في تدنٍ، والمواطن المصري حينذاك لم يبالِ برفع صوته عالياً ضد حكومته التي يتربع على عرشها “حسني مبارك”، وحينما جاءت ساعة الصفر بسبب عدم الاستجابة للإصلاح الاقتصادي خرج الشعب المصري إلى الشارع وأطاح بحكومة “مبارك” بعد سلسلة من الاعتصامات والإضرابات في الشوارع.
نحن في السودان، ومنذ أن انفصل الجنوب وعجزت الدولة عن تغطية ميزانيتها بموارد أخرى بعد خروج البترول، لم يجد وزير ماليتنا “علي محمود” إلا المزيد من الضغط على الشعب السوداني من خلال رفع الدعم عن المحروقات باعتبارها الوسيلة الوحيدة التي يمكن من خلالها للسيد الوزير أن يعيد توازن ميزانيته، ولكن هل أعاد السيد الوزير توازن ميزانيته حينما رفع الدعم في الفترة الماضية؟ وهل يستطيع أن يعيد هذا التوازن إذا رفع الدعم عن المحروقات؟!
إن السيد الوزير عجز تماماً عن إنعاش الاقتصاد السوداني، ولم تكن له أية رؤية أو دراية أو وسيلة أخرى لإعادة توازن الميزانية إلا عبر (الحيطة القصيرة) رفع الدعم عن المحروقات، وزيادة الضرائب والجمارك.
لقد آن الأوان ليقول الشعب السوداني للسيد وزير المالية (ارحل.. ارحل) ويظل الطرق على ذلك إلى أن يرحل أو يجبر على الرحيل طالما لم يرحل بالحسنى.
الشعب السوداني صبر كثيراً، وعانى كثيراً، وتحمّل فشل المسؤولين كثيراً، فلماذا لم يرحل أولئك طالما عجزوا عن توفير الحد الأدنى من العيش الكريم لهذا الشعب الذي أعطى ولم يستبق شيئاً، ولم يكن وزير المالية وحده بل محافظ البنك المركزي أيضاً الدكتور “محمد خير الزبير” الذي عمل إلى جانب العديد من الصناديق العربية، وهو يعرف كيف يكون المخرج في حال الأزمات الاقتصادية، ولكن أن يقف الدكتور إلى جانب الوزير ويؤكد أن قرار الدعم جاهز ويمكن أن يطبق في أية لحظة، هنا نقول للدكتور: احفظ ماء وجهك فقد كنت ناصع البياض عندما كنت اقتصادياً رقماً بوزارة التخطيط، ويجب ألا تتحمل وزر هذا القرار الذي يضر بمصلحة الشعب السوداني وسيظل وصمة في جبينك.
الشعب السوداني سيظل على صبره إذا صارحته الحكومة، وصارحه محافظ بنك السودان، وصارحه وزير المالية وحدد له البدائل التي يمكن أن يظل بها صابراً إلى حين الحل.. ولكن أن يكون الأمر مفتوحاً وبدون بدائل، هنا الصبر سينفد ولن يصبر أكثر.
البديل هو التقشف الحكومي، فبدلاً عن أن يكون لكل دستوري وتنفيذي أكثر من عربة يجب أن تكون هناك عربة واحدة ولاستخدام العمل فقط، أما عربة البيت والخضار وسيد اللبن وغيرها من العربات فينبغي أن تؤول للدولة، مع استحداث بدائل جديدة، ولدينا من الخبراء الاقتصاديين من بإمكانهم وضع الوصفات التي تعيد لاقتصادنا عافيته بوجود بترول أو بدونه.. وسبق أن عاش وازدهر الاقتصاد السوداني قبل أن يكتشف ويصدر البترول.
على السيد وزير المالية أن يؤكد أنه فشل في إصلاح الاقتصاد السوداني، وليس لديه أكثر مما فعله طوال توليه حقيبة المالية، فليتنازل لاقتصادي آخر يستطيع أن يعبر باقتصادنا إلى بر الأمان.. فهل يتنحى قبل إعلان التشكيل الجديد؟ على الأقل يكون حفظ ماء وجهه وسمعته وتاريخه في مجال الاقتصاد!!