حوارات

د."لبابة الفضل" تضع (الإسلام السياسي) في القفص وتحاكمه بعد أحداث مصر الأخيرة:

استعدادها الفطري لمناقشة حال الإسلاميين محلياً وعالمياً وقدرتها على التحليل والموضوعية التي لا تخلو في كثير من الأوقات من الآراء الحادة والجريئة، هو ما دفعنا إلى محاورة الدكتورة “لبابة الفضل” القيادية بالحركة الإسلامية التي قالت إنها تنتمي لها فكرياً وليس تنظيمياً…
دفعت الدكتورة “لبابة الفضل” بحزمة آراء قوية وصريحة انتقدت من خلالها تجارب الإسلاميين في الحكم بكل من السودان ومصر.. وأوضحت أن القيادات الإسلامية لم تستطع نقل تعاليم الإسلام وقيمه السمحة إلى أرض الواقع، كما أنهم لم يستطيعوا نقله إلى العالم.
 الأحداث المتتابعة التي شهدتها مصر خلال اليومين السابقين بعد أن بدأت قوات الشرطة المصرية حملة لفض اعتصامات أنصار الرئيس المعزول “محمد مرسي” في ميداني النهضة بالجيزة و”رابعة العدوية” بالقاهرة، ما أسفر عن مقتل وإصابة المئات من الجانبين، وضع الحركة الإسلامية في المنطقة ككل على المحك في مواجهة المجتمع العميق بالدول العربية..
حاورنا د.”لبابة الفضل” في هموم الحركة الإسلامية في السودان ومصر فبماذا دفعت من آراء؟.
{ د.”لبابة” بداية كيف تنظرين إلى ما حدث خلال اليومين السابقين في ميداني النهضة والجيزة وما تبعها من قتل جماعي..؟؟
-التغيير سنة الحياة وفيه قوى تدفع نحو التغيير الإيجابي، بينما توجد قوى أخرى ضد هذا النوع من التغيير، وعندما حدثت عملية التغيير في مصر تصدت لها ما يعرف بالدولة العميقة التي تعتبر أقوى موانع التغيير…الدولة العميقة في مصر وجهت بالمؤسسات العريقة وجيوبها وأصحاب المصالح، وهو الأمر الذي أدى إلى فشل قوى التغيير، وهو ما يجب أن نستفيد منه في السودان، ويجب على الناس أن يستخدموا العقل الإستراتيجي..والدولة العميقة في مصر فشلت لأن الدولة العميقة عملت على إثبات فشلها، وسعت إلى تجفيف الخدمات وقطع الكهرباء والغاز والبترول.
{ إذن تعتقدين أن ثمة تآمر حدث ضد الإسلاميين في مصر عجل بسقوط تجربة الإخوان المسلمين بعد عام واحد من صعودهم إلى الحكم.؟
-نعم، وكان على قوى التغيير في مصر أن تدرك أنه كان عليها أن تشيد جسراً من التواصل العميق بينها وبين فئات الشعب قاطبة، وكان عليها أن تؤكد لهم على مدار اليوم والساعة أن عليهم أن يضعوا أياديهم فوق أيادي بعض، ولكنها لم تفعل ذلك..والآن الكتل التاريخية مدت يدها لقوى الهامش في الولايات لأنها ترقى إلى أن تدعم التواصل الاجتماعي.
{ ماذا تقصدين بقوى الهامش، هل في مصر أو في السودان..؟؟
-أنا أتحدث عن مبادىء عامة وما يجب أن تعلمه قوى التغيير أن تكون لديها القدرة النفسية على التواصل مع كل فئات المجتمع سواء إن كانت حزبية أو قبلية أو غيرها..وأن تكون لديهم تفاهمات وتقاطعات، وبهذا فقط يمكنهم مواجهة جيوب الدولة العميقة، في أي دولة يوجد بها ديناصورات يرفضون التغيير..الآن جيوب الدولة العميقة تنتشر في السودان وتونس ومصر وليبيا واليمن..وكل الدول العربية سوف تفشل في إحداث التغيير إذا لم تحقق مبدأ الترابط لأن القوى الخفية تستطيع أن تقوض كل شيء.
{ ولكن السبب الأقوى الذي يراه مراقبون وعجَّل بسقوط الحركة الإسلامية في مصر هو محاولتهم (أخونة) الدولة المصرية.. وهو ما دعا كل عناصر الدولة إلى الوقوف بقوة ضدها..؟؟
-وده المحور الثاني الذي فشل فيه الإسلاميون في مصر وهو أنهم لم يستطيعوا تحقيق الديمقراطية، وأنا هنا أتساءل لماذا يفشل الإسلاميون في تطبيق نظام ديمقراطي..؟؟ لأن الوعاء الديني ضيق بحسب فهمهم ويركزون من خلاله على السلوك وتحريم الفنون ومنعها..لم يعمل الإسلاميون على تأمين الناس من الخوف وتحقيق الرفاهية لشعوبهم لأن المفاهيم الدينية مغلوطة لديهم هم يركزون على السلوك الشخصي ومصادرة الحريات وذلك نتيجة لأن المفاهيم الدينية مغلوطة عند الإسلاميين سواء إن كانوا في مصر أو السودان.
{ هل يمثل هذا اعترافاً بعدم قدرة الإسلاميين على خلق نموذج سياسي أو على فهم ما يحتاجه الناس..؟؟
-نعم اعترف بذلك، ونحن كما قلت مفاهيم الإسلام لدينا مغلوطة وضعيفة..كان عليهم الاهتمام بما يحتاجه الناس وأن يبسطوا العدالة والحرية والنزاهة والشفافية، وترك الولايات تستغل مواردها..لماذا يأخذ المركز موارد الولايات ويمتص خيراتهم، ونفهم فقط الحرية في إلغاء الرقص والغناء.. وفي عهد الصحابة رفض والي مصر إرسال الخراج إلى أمير المؤمنين لمدة ثلاث سنوات لأن ولايته كانت تحتاج إلى مواردها..على الإسلاميين أن يبحثوا عن ما يهم الناس، وأن يعملوا على حل مشاكلهم.. وأن لا يتحدثون عن الحرية بمفهومها الضيق. الإسلاميون الآن يمسكون الحكم في المركز ويسيطروا على موارد الأطراف ويصادرون الحريات..ودي المشكلة في السياسة في أن تمنح الأطراف حقها وتقدم الخدمات الصحية وتوفر فرص العمل.
{ هل تعتقد د.”لبابة الفضل” أن نهاية حقبة الإسلاميين في الحكم تعني بالضرورة التسليم بفشل الإسلام السياسي في المنطقة ككل لجهة الثقل السياسي والإعلامي الكبير لمصر في المنطقة..؟؟
-لا.. ليست نهايتهم، ولكني أعتقد أنها نقطة للإصلاح الداخلي للحركات الإسلامية..هناك عدد من الشباب في مصر لديهم حركة أخوان ضد العنف، وهناك قوى شبابية تريد أن تصلح داخل الحركة الإسلامية، ومن الممكن أن تكون بادرة إصلاح لأن الحركة الإسلامية في مصر بعيدة عن أساليب الحكم، وهم استعجلوا في إحلال الموظفين بالدولة وإبدالهم بآخرين..كان عليهم عدم تبديل أي موظف بالدولة سواء إن كان على المستوى الأعلى أو الوسيط.. وأعتقد أن ما يحدث للحركة الإسلامية في مصر الآن ليس نهاية ولكنه وقفة للمراجعة..عليهم أن يراجعوا الفشل في ترتيب المواقف التي كانت متعجلة ومتسرعة..هم كانوا بعيدين عن الحياة السياسية لمدة خمسين عاماً وتسرع في الإفصاح عن مواقفه العالمية..كان يمكن أن يكسب الكثير ولكنه خلق علاقات مع حماس مثلاً رغم أن القوى الموجودة في فلسطين معظمها تعمل من أجل تحرير بلادهم وأغلبهم مسلمون، وكان عليه أن يكون محايداً حتى يصبح حكمه عادلاً وكلمته مسموعة.
{ لكل ما ذكرتِ سابقاً هل تودين القول إن كل تجارب الإسلاميين في الحكم فاشلة..؟؟
-نعم فاشلة سواء إن كان في مصر أو السودان وعليهم أن يراجعوا أنفسهم جيداً عندما تكون هناك ثغرات في الحكم يتكاثر الأعداء ويقل الأنصار..وأنا لا أؤمن بمقولة إن العالم ضد الإسلام..العالم ليس ضد الإسلام..وأمريكا ليست ضد الإسلام.. ولكن الإسلاميين هم من يصنعون العدو.. يستحيل أن تتمسك بالمبادىء العالمية مثل العدل والمساواة والإخلاص والنزاهة الحرية ويكون لديك أعداء..ولكن إذا كانت ثغرة العداوة مفتوحة.. وثغرة الوفاء مفتوحة.. والحريات السياسية مفتوحة كيف لا يبقى العالم ضدك.؟ ولماذا لم يقف العالم ضد تركيا..؟ لأن فيها مبادىء إنسانية جامعة والعدو دائماً عاقل.
{ إذن هل فشل الإسلام السياسي؟
-نعم فشل تحت ظل القيادات الحالية التي تحتاج إلى المراجعة في تطبيقاتها وممارستها وتنزيلها على أرض الواقع يجب أن يكون لدينا مبدأ التسامح والتواصل وإذا فقدت هذه الحلقة فإنه لن ينجح الأمر.. في فجر الإسلام تعاهد الرسول صلى الله عليه وسلم مع اليهود ولم ينقض عهده، وكان “عمر بن الخطاب” يحاكم المسلمين المخطئين في حق أصحاب الديانات الأخرى.
{ رغم ما ذكرتِ سابقاً إلا أنك لا تزالين تنتمين للحركة الإسلامية..؟؟
-أنا أنتمي للحركة الإسلامية فكرياً وليس تنظيمياً..أنا لا مؤتمر شعبي ولا غيرو أنا مع القوى الهامشية.
{ يعني (قنعتي من خيراً في الحركة الإسلامية المنظمة).؟
-أيوة..ولكني لم أقنع من خيراً في الإسلام الاجتماعي، لأن الإسلام جاء إلى الناس كافة..يجب أن نكون قدوة وأنموذجاً، وأنا منحازة للإسلام الاجتماعي والأسري، والإسلام جاء لتنظيم المجتمع، والرسول صلى الله عليه وسلم عندما دخل المدينة بدأ بالعمل الاجتماعي في إطار القيم والأخلاق والمبادىء والتكامل، ولم يبدأها بالسياسة..الإسلام لا يفشل، “عمر بن عبد العزيز” نجح فيه. والصحابة الراشدون استطاعوا أن يحملوا الدين الإسلامي إلى مواقع السلطة وكانوا هم القدوة.. والآن ما في زول قادر ينقله.. والإسلاميون فشلوا في نقل الدين الإسلامي إلى العالم، وأحدثوا انفصاماً بين الإسلام والمجتمع والحديث عن عدم فصل الدين عن السياسة (كلام خشم ساي) وتم فصل الدين منذ أن تم فصل الدين عن قيم الصدق والشفافية والنزاهة.. فصل الدين عن السياسة وفصل الدين عن الدولة.
{ هل كان إسلاميو مصر سينجحون في حال أتيحت لهم فرصة أكبر في الحكم..؟
-أقسم بالله العظيم لو خلوهم سنتين بس كانوا سيفشلون لأن طريقتهم في الحكم كانت تقليدية ولم يقدروا على التواصل الاجتماعي.
{ إذن أين تكمن علة الحركة الإسلامية..؟
-الحركة الإسلامية مشكلتها في عدم قدرتها على بلورة إنزال الدين ليصبح واقعاً..على مستوى الوطن فشل الإسلاميون في إنزال قيم الدين إلى الواقع وفشلوا في أن يجعلوا هذا الدين عالمياً وإنسانياً.
{ لا محلياً..ولا عالمياً..؟؟
-نعم فشلنا كإسلاميين أن نجعل الدين تصوراً عالمياً يقتدي به العالم؟ لم نستطع على المستوى المحلي والعالمي..فشلنا في إنزال قيم النزاهة والوفاء.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية