الليلة يجتمع كل الناس إلا أنت!
في الثامنة من مساء اليوم بقاعة الشارقة يجتمع الجميع إلا هو.. يأتي الكل من الزقازيق والمنصورة وطنطا وإسكندرية إلا هو، يأتي طلاب مدينة البعوث الإسلامية بالعمارة (25 و2 و4) والعمارات (26 و3 و5 و9 و22 و 15 و10) وكل العمارات من داخل مدينة البعوث الإسلامية إلا هو، يأتي طلاب الطب والهندسة إلا هو، يأتي الأطباء بوزارة الصحة إلا هو، يأتي الجميع يحملون المشاعر الدفاقة والحب والحنان واللطف لإنسان لم تفارق البسمة شفاهه، لم يسمع أحد ممن زامله أو رافقه أو عمل معه أو جلس إلى جواره بأتوبيسات مصر (555) و(666) و(7) و(6) عمرانية، لم يسمعوا إلا الكلم الطيب والذوق والأدب الرفيع، هذا يوم كان سيكون فيه أول الحاضرين وأول المتحدثين.
لقد جمع هذا الحشد الغفير من الزملاء الذين ربما لم يلتقوا منذ مغادرتهم أم الدنيا أرض الكنانة، المحروسة مر المؤمنة.. اجتمع الجميع ليقيموا له تأبيناً يليق به بعد أن فارق هذه الدنيا في صمت بدون صخب أو ضوضاء خرج منها كما دخلها نظيفاً عفيفاً طاهراً مطهراً.
إن الراحل المقيم الدكتور والأديب والصحفي “كمال حنفي منصور” أجمع عليه الكل بسيرته الناصعة وأدبه الرفيع وعلاقته الاجتماعية الممتدة من حلفا إلى نمولي، كان صديقاً للجميع لم تكن له علاقات بين هذا وذاك، بل كل الجميع كانوا عنده سواسية.. إذا سألت الباشمهندس “أحمد البشير” أو “السمؤل خلف الله” أو “راشد عبد الرحيم” أو “الفجو” أو حتى “الذين” لم يزاملوه في مصر تجد الجميع يتحدثون عنه بلغة واحدة لغة الطيبة والحنان والألفة.. يتحدثون عن زهده وتواضعه الجم.
إن الراحل “كمال حنفي” وهو في الجنان بإذن الله كان طيب المعشر صديقاً عطوفاً مجاملاً لأبعد الحدود.. إن هذا اليوم الذي وفد إليه الجميع يوم عظيم ويوم مشهود وكأنه حيٌّ يمشي بيننا، سيرته وعلاقاته تؤكد على كل ذلك.
فقد عاشرناه ووجدناه نعم الأخ والصديق، تعرفنا عليه في لحظات وكأنها العمر كله لم تحس وأنت معه بالضيق، بل نتمنى ألا ينقطع حديثه، يقدم لك المعلومة السهلة والمبسطة والنكتة اللطيفة.. تتمنى أن يمتد بينك وبينه الحديث لساعات وليس لدقائق..تتمنى أن تسمع منه وتنصت إليه بكل أحاسيسك وهو يحدثك عن روائع سيدة الغناء العربي “أم كلثوم” أو “عبد الحليم حافظ” أو “شادية” يحدثك عن الأدب والثقافة في الوطن العربي، يحدثك عن عمالقة الأدب في مصر وفي الوطن العربي.. يحدثك عن أنواع الموسيقى.. وتوزيعاتها، يحدثك عن الأمكنة وعند دور الأدب والثقافة.. يحدثك عن الإصدارات الجديدة لكبار الكُتاب في مصر أو في السودان لا تفوت عليه إصداره جديدة أو قديمه تستمتع حينما تكون بجواره تتلقى كماً هائلاً من المعلومات يقدمها في شكل كبسولات كما كتاباته العميقة والبسيطة، له طقوسه في كل شيء الأكل، الحركة، مقابلة الأصدقاء.
هذا يوم من الأيام التي كنا نتمنى أن يكون بجوارنا يؤبن الآخرين دون أن يكون هذا يوم تأبينه، ندعو له أن يكون في الجنان مع الخالدين وأن يجعل الله البركة في أبنائه وفي أخوانه.. ألا رحمك الله يا دكتور “كمال” رحمة واسعة وأسكنك فسيح جناته مع الصديقين والشهداء.