حوارات

أول مدير لمكتب الرئيس في الإنقاذ يروي لـ(المجهر) سيناريوهات التنفيذ وتحديات الأيام الأولى

مواصلة لحلقات الذكرى الـ(24) لثورة الإنقاذ الوطني،  نقبت (المجهر) مع الفريق “محمد محمود جامع” أول مدير لمكتب رئيس الجمهورية بعد نجاح ثورة 30 يونيو1989م،  فحكى تفاصيل جديدة عن المهام الموكلة لقيادات مجلس الثورة وأسرار وخفايا صاحبت عملية التنفيذ، وعن النخبة الأولى من القيادات التي وقعت عليها مسؤولية الحكم في المركز والولايات.. فإلى مضابط الحوار.

{ سعادة الفريق ذكرت أن العاصمة قُسمت عسكرياً إلى مناطق لتنفيذ مهمة تسلّم السلطة؟
– نعم، ذكرت أن منطقة الخرطوم كانت بقيادة العقيد الركن م. “صلاح كرار” وكنت قد نقلت يوم 20/6 من قيادة منطقة بحري لأكون بجانب العقيد “صلاح” يوم التنفيذ.. منطقة أم درمان بقيادة المقدم “محمد الطيب الخنجر” والمقدم “محمد عوض الكريم” (أبو سن) بسلاح الموسيقى، والمقدم الركن “عمر الأمين كرار” بسلاح المهندسين، والرائد طبيب الركن “الطيب سيخة” بالسلاح الطبي، والملازم أول الشهيد “أحمد قاسم”.. منطقة بحرى كانت بقيادة المقدم “هاشم بريقع” سلاح المهمات، والرائد “النو” والملازم أول “السر محمد سعيد” سلاح الإشارة، والملازم أول مظلات “عبد العظيم” (مظلات شمبات)، والمقدم الركن “محمد الأمين خليفة” كان وقتها في دورة إشارة بمصر وجاء قبل التنفيذ بيوم وشارك فيه.. منطقة كرري كان يقودها العقيد الركن مهندس “عبد الرحيم محمد حسين” وساهم معه العميد الركن “عمر الأمين الحاج” من المدرعات، ونخبة من الضباط من المظلات والمدرعات.. منطقة فتاشة وكانت بقيادة العقيد الركن “موسى عبد الرحمن” والمقدم “صلاح قرشي” والرائد بحري “الصادق عبد الله”.. منطقة جبل أولياء وكان يقودها العميد “الزبير محمد صالح” ولكنه كان معتقلاً عند التنفيذ ضمن أعضاء المحاولة الانقلابية للمايويين التي سبقت الإنقاذ بأيام قليلة.. منطقة الشجرة وكانت بقيادة المقدم ركن “عبد الله عبد المطلب” (كتيبة الاستطلاع) والرائد “إبراهيم شمس الدين” والرائد “صديق فضل الله”.. ومنطقة القيادة العامة كانت مهمة الرئيس “عمر البشير” ومعه المقدم الركن “بكري حسن صالح” الذي قدم من مصر يومها قبل التنفيذ بيوم من دورة قوات خاصة، وكان النقيب “ياسر أحمد محمد” بكتيبة إدارة القيادة العامة، وبقيادة سلاح الطيران الرائد م. “عيسى” ومعه النقيب م. “يوسف لبس”.. وكان هنالك أيضاً قادة آخرون يشهد لهم بالكفاءة والشجاعة، اختلفوا مع الآخرين حول موعد التنفيذ ولكنهم ساهموا في تأمين الثورة بكل فعالية.
{ هل حدث تراجع من بعض الضباط قبل التنفيذ؟
– في الاجتماع التنويري قبل الانقلاب بيومين اجتمعنا لتنوير الضباط بمنطقة الشجرة العسكرية ومنطقة الخرطوم ومنطقة جبل أولياء، ثم نقلت موقف المناطق الثلاث في اجتماع القيادات بالسلاح الطبي، وكان قادة المناطق الثلاث حاضرين لكن تخلف العميد الركن “عثمان أحمد الحسن”،  ووجدت أنني الرتبة الأقدم بينهم فقلت للجميع (نحن لا نملك أنفسنا بل نملك مجموعات نمثلها)، فكان أن اتفق الجميع على التنفيذ، وكلفنا “الطيب سيخة” بنقل الموقف إلى القيادة السياسية، وبناءً على ذلك عقد اجتماع يوم (الثلاثاء) ببحري ضم القيادات السياسية والعسكرية.
{ كيف جرت الاتصالات بينكم عند (ساعة الصفر)؟
– (التنظيم الإسلامي) كان قد وفر أجهزة لا سلكي تم ضبطها جميعاً على الساعة (سين) وهي ساعة التنفيذ أو (ساعة الصفر)، وطلب عدم استخدامها قبل ساعة التنفيذ.
{ من كان الكنترول أو السنترال على الاتصالات؟
– كان الكنترول عند القائد “عمر البشير”.
{ قبل وصول القائد “عمر” من المأمورية من كان يقوم بالمهام القيادية؟
– العميد الركن “عثمان أحمد الحسن” الذي كان يدير كل أعمال التنظيم العسكري.
{ ومتى كان أول ظهور لـ”عمر البشير” كقائد؟
– حضر الرئيس “عمر البشير” إلى العاصمة يوم (الأربعاء) قادماً من اللواء الثامن من مناطق البترول والتقى لأول بالقيادات في اجتماع بحري، وكان قد جاء منتدباً للأكاديمية العسكرية بمصر.
{ هل وضع أي بديل للقائد “عمر” في حال تعذر وصوله قبل الانقلاب؟
– لا.. ولكن على ما أذكر كان هناك العقيد طيار “مختار محمدين” قائد التنظيم العسكري قبل “البشير”.. استشهد قبل الانقلاب بفترة قصيرة.
{ وبعد فتح الأجهزة بالساعة (سين) كيف جرت الاتصالات؟
– قبل فتح الأجهزة كان أن تم تنوير الضباط وأُعطوا  الأوامر بتغيير (سر الليل) إلى اسم (الوطن الغالي) وعند الساعة (سين) جرت الاتصالات بشكل عادي بعد أن تم تعطيل الميكروويف العسكري.
{ ما الدور الأساسي الذي أسند إليك في يوم التنفيذ؟
– مهمتي كانت قيادة مجموعة سلاح الأسلحة والمهمات، وكان معي الرائد “منتصر آدم سبيل”، والملازم أول “هاشم الزين”، والملازم “كامل”، والملازم “مالك”، وعند التنفيذ انضم إلى المجموعة الضباط الموجودون، وأيضاً العقيد الركن “كمال طه” وجميع جنود الصف.
{ ماذا كان تبريركم للعساكر (النوبتجية) عند تغييركم لـ(سر الليل)؟
– العساكر جاءهم الأمر من الضباط، ولم يكونوا يعلمون بسر تغيير (سر الليل) أو غيره.
{ بالتأكيد كان هناك ضباط أقدم منك وأنتم تقومون بتغيير (سر الليل)؟
– المهمة لم تكن سهلة، خاصة وأنني كنت وقتها عقيداً، وكان هنالك ضباط أقدم مني وقائدي كان من الإخوان الجنوبيين، فأخبرته بأنه قد جاء اتصال من القيادة العامة   بالميكروويف وقالوا إن هنالك ضباطاً تسلّموا القيادة العامة،  وأعطوا الأوامر بتغيير (سر الليل).
{ وماذا كانت ردة فعل الضابط؟
– حاول الاتصال ليتحققوا من الأمر ووجدوا أن الميكروويف قد تعطل، ومن ثم خضعوا للأمر الواقع.
{ كيف جرت الأمور بعد ذلك؟
– كنت قد طلبت عربة بسائق لتقلني إلى المطار، وعللت للضابط ذهابي إلى المطار بغرض التمويه، ثم تحركت باتجاه القيادة العامة وقابلت النقيب “ياسر أحمد حمد” عند البوابة وطمأنني بنجاح الانقلاب ثم ذهبت لتفقد الكباري ولأتاكد من إغلاقها، وبعدها عدت إلى السلاح وقلت للضابط وجدت الكباري مغلقة، بعدها بساعات قليلة عاد الاتصال واتصلوا من القيادة وطلبوا إرسال عربات، وجاءت الإشارة باسمي فمازحني الضباط وقالوا لي: (ما كان تقول لينا من قبيل إنك معاهم).
{ تمت عملية تسلّم السلطة بنجاح لكن يقال إن ربكة ما حدثت عندما تأخرت إذاعة البيان؟
– عند تأخرت إذاعة البيان بدأ الضباط يتساءلون عن الأمر فتحركت تجاه القيادة العامة، ووجدت أن هنالك حالة احتفالية، والتقيت بالعميد الركن “أحمد عثمان” و”محمد سعيد”، والعميد “أحمد حسن” والقيادات العليا للانقلاب.
{ كيف تعاملتم مع الأمر عند استشعاركم تأخر إذاعة البيان؟
– البيان المسجل كان عند “الطيب سيخة”، وكان يفترض أن يعطيه للإذاعة، فذهبت مع العقيد “يوسف مدني” للتقصي حول الأسباب وذهبنا إلى الإذاعة ومكثنا بها فترة وعندما لم نستطع الوصول إلى “الطيب سيخة” عدنا إلى القيادة العامة و(تعاقبنا) مع “الطيب” وتمت إذاعة البيان.
{ بدأتم في تنفيذ الاعتقالات بعد ذلك؟
أذكر أن المقدم الركن “الهادي عبد الله” والرائد “يونس محمود” والرائد “عبد المنعم محمد زين” كلفوا بعملية الاعتقلات، وانضم إليهم ساعة التنفيذ العقيد “صلاح كرار”.
{ هل وجدت مجموعة الاعتقالات أية مقاومة عند التنفيذ؟
– وجدت المجموعة التي ذهبت لاعتقال القائد العام الفريق “فتحي أحمد علي” مقاومة من قبل حرسه، ولكن تدخل الفريق وأمرهم بالتوقف، وتم اعتقاله وذهبوا به إلى بيت الضيافة.
{ من كان مكلفاً باعتقال القائد “فتحي”؟
– الرائد “عبد المنعم بطاح”.
{ وكيف تم التعامل مع المعتقلين؟
– وجدوا معاملة طيبة، وكان أن زارهم الرئيس في نفس يوم الجمعة وقال لهم: (اعتقلناكم اعتقالاً تحفظياً فقط للوضع العام وأنتم الآن طلقاء).
{ وكيف تم اعتقال السياسيين؟
– كان قد تم رصدهم قبل فترة، وكان “الصادق المهدي” باحتفال زواج لأسرة (الكوباني)، وقبل تعطيل الميكروويف اتصل به أحد الضباط وأخبره بوجود حركة بالبلد فخرج من الاحتفال، ولكن تم اعتقاله بعد ذلك. 
{ البعض شكك بأنك لم تكن أول مدير لمكتب الرئيس؟
– إدارة مكتب الرئيس لم يكن مخططاً لها من قبل، وكان العميد الركن “عثمان أحمد حسن”، والعميد الركن “محمد عثمان سعيد” يباشران مهام المكتب، وكان أن تم تعيينهما،  العميد الركن “عثمان أحمد حسن” في مجلس قيادة الثورة والعميد “محمد عثمان سعيد” بمعتمدية الخرطوم، وكلفوني عقب ذلك بتولي مهام إدارة مكتب الرئيس، ثم انضم لنا لاحقاً العقيد الركن “عبد العال محمود” قبل أن يذهب أميناً عاماً لمجلس قيادة الثورة.
{ وماذا بشأن المقدم “محمد هاشم جلاس”؟
– كان المقدم “جلاس” جار الرئيس في السكن بـ(كوبر)، وكان يتردد على القيادة بصورة دائمة، وكان الرئيس يكلفه ببعض المهام، ثم أصبح بعدها سكرتيراً لمكتب الرئيس، ثم انضم إلينا “شيخ السماني يوسف” والعقيد “مصطفى” للتعامل مع البرقيات ولقاءات الرئيس.
{ هل جاءت القيادات السابقة لتهنئة الرئيس؟
– لم يأتوا، بالرغم من أن الرئيس تركهم بمناصبهم، وكانت هذه حالة استثنائية في التاريخ العسكري وهى إبقاء القيادات السابقة بأماكنها وأعطى الرئيس نفسه رتبة فريق.
{ من رفض البقاء من القيادات وفضل ترك الخدمة؟
– أذكر منهم “حمزة قاسم موسى”، رفض الاستمرار في سلاح الأسلحة.
{ أين كان “بكري حسن صالح” في ذاك الوقت؟
– كان في دوره قوات خاصة بمصر، وجاء قبل الثورة بيوم أيضاً معه “محمد الأمين خليفة” ونفذ مع القوات الخاصة، وكان دوره محورياً، وكان أن دخلوا وحدات القيادة عقب الانقلاب وهللوا وكبروا وكانوا متحمسين جداً، ثم تم تعيينه في اللجنة العليا للعمليات والأمن، وأصبح عضو مجلس قيادت الثورة.
{ كيف كان الجو العام بالقصر.. وكيف تعامل الرئيس معكم؟
– كان الرئيس متواضعاً معنا، وكنا (نفطر مع الرئيس بى فول)، ونستقبل الضيوف بالبلح ومشروب الكركدي، وكان الأثاث بسيطاً جداً، والوضع بصورة عامة كان ينبئ عن تقشف شديد.
{ حدثنا عن أول زيارة خارجية للرئيس؟
– أول زيارة خارجية كانت إلى المملكة العربية السعودية بدعوة من الملك السعودي، وذهبنا مع الرئيس ومعنا أول وزير للطاقة والتعدين، ووزير الخارجية السفير “سحلول”.
{ وأين كان الفريق “إبراهيم سليمان حسين”؟
– كان في الإمداد، والفريق “إبراهيم” كان الدفعة السابقة للرئيس أي الرتبة الأعلى.
{ ذكرياتك مع زيارات الرئيس إلى الولايات؟
– أذكر زيارة الرئيس إلى الولاية الشمالية، وفي تلك الفترة كانت هناك ندرة في السكر بالبلد واستقبله الناس في الشمالية بالترحيب وأثنوا على الوالي، وقالوا إن الوالي لا يدخل منزله ولا رطل سكر ما لم يتوفر لكل البيوت.. وأذكر أيضاً زيارة الولاية الوسطى.. ومن الطرائف التي حدثت أن حاكم الولاية الوسطى كان اللواء “عبد الوهاب عبد الرءوف” وكان بالمعاش، وكان (يسوق حافلة ركاب)، وأثناء عملة بالحافلة سمع بالإذاعة تعيينه حاكماً للولاية الوسطى، فقام بـ(عفرتة العربة) بحجارة وخلع إطاراتها ثم ذهب لتسلّم مهامه، وعند ذهابه إلى الولاية استقبل بحفل عشاء فاخر، فنادى أحد منظمي الحفل وسأله كم كلف هذا العشاء؟ فأخبره.. ثم سأله عن المسؤول من التكلفة، فقال له: من حساب الحكومة، فأخرج من جيبه (قروش) وقال له: (دي مساهمتي وعليكم دفع مساهماتكم).. وزار كردفان وكان الحاكم وقتها “مصطفى محمود”، وولاية دارفور المرحوم اللواء “إبراهيم حسن”، وسلم بعده اللواء “أبو القاسم إبراهيم”.. أما ولاية الشرق فأذكر أن الحاكم كان وقتها قد وصف بالتبذير في جلب الأثاثات الفاخرة لذلك تم إعفاؤه، وكانت جميع الولايات قد استقبلت الرئيس بالترحاب والبشر
{ كلمة أخيرة؟
– للتاريخ.. الذاكرة أصبحت خربة، وهناك ضباط كثيرون كانوا فاعلين ومؤثرين، رغم ابتعادهم عن التنظيم عملوا بفاعلية في أيام الثورة الحرجة، والغالبية العظمى من القوات المسلحة عملت من أجل إنجاح الثورة.. والحق يقال إن اختيار يوم 30/6 كان موفقاً جداً.. وكان الجميع، من نفذ ومن لم ينفذ من التنظيم، كانوا في قمة الأمانة وكتمان سر الثورة حتى آخر اللحظات.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية