تقارير

مصر ….. صراع تحقيق الديمقراطية وإجهاضها !!

منذ أن باشر “محمد مرسي” مهامه كرئيس لجمهورية مصر كان واضحاً أن هناك صراعاً بين مؤسسة الرئاسة والمؤسسة العسكرية وعندما احتدم هذا الصراع قام “مرسي” بإحالة “طنطاوي” للتقاعد وجاء بـ”عبد الفتاح السيسي”، وقيل كان ينظر إليه كداعم لسلطته، وظلت هذه التقاطعات واضحة في إدارة حكم مصر بين هاتين المؤسستين، وعلى صعيد المعارضة كذلك أصبحت العلاقة بين الأحزاب المعارضة وسلطة الإخوان   في توتر مستمر منذ الانتخابات وصلت حد المطالبة بأن يخوض “حمدين صباحي” الانتخابات مقابل “مرسي” بدلاً عن “شفيق” لكنها في النهاية قبلت بالنتيجة طالما تمخضت عن صندوق الاقتراع، وأصبح “مرسي” أول رئيس مصري منتخب مدعوم بسلطة شعبية، إلا أنه عندما مارس السلطة عملياً اكتشف أن هناك مؤسسات مهمة مثل المؤسسات الإعلامية والعسكرية تعمل خارج نطاق سلطته، وكان تعليق المراقبين الذين يزورون مصر حينها أن مؤسسات الإعلام وحدها قادرة على إسقاط نظام “مرسي” من خلال طرقها على قضايا مقنعة حتى لمن انتخبوا “مرسي”، حيث ظلت تستخدم الوضع الاقتصادي ككرت ضغط على حكومة الإخوان، بجانب طرقها على قضايا قومية برزت للسطح حديثاً مثل موضوع سد النهضة الإثيوبي ومصير حصة مصر وغيرها من الموضوعات المرتبطة بمعيشة المواطن المصري، واستغلت المعارضة هذا الجو الذي تزامن مع الذكرى الأولى لتنصيب “محمد مرسي” رئيساً على مصر وفاجأت سلطة “مرسي” بحشود مليونية بميدان التحرير والاتحادية وقصر القبة، ورفعت سقفها من المطالبة بإصلاحات في السلطة إلى المطالبة برحيل الرئيس “مرسي” وقد يكون خطاب “مرسي” الأخير دفعها إلى ذلك الذي كان أقرب إلى جرد الحساب أكثر من أنه خطاب وفاقي، وما يعضد ذلك الاعتقاد أن الفريق “السيسي” أشار في بيان القوات المسلحة أمس الأول إلى أنهم اجتمعوا معه عقب الخطاب وأبدوا له تذمرهم من ما ورد في الخطاب بشأنهم وشأن بعض الشخصيات، أما الأحزاب المعارضة فقد كان لافتاً هذه المرة تضامنها مع المؤسسة العسكرية التي طالبت في وقت سابق بابتعادها عن السلطة، ورفع بعض المتظاهرين صوراً لـ”عبد الفتاح السيسي”. وفي الجانب الآخر يبدو أن العسكر قام برد الجميل حينما رفع درجة التأهب في الميادين التي يعتصم بها المنتمون لحزب العدالة والحرية حتى لا يحدث عنف، كذلك اشتكى المتواجدون بالقرب من جامعة القاهرة والتابعون لمرسي من طلقات عشوائية تأتي من جهات مجهولة، وهناك من تحدث عن استخدام الجيش لطائرات وزع خلالها الأعلام للمتظاهرين من معارضي “مرسي” أو كما قيل.
 “عبد الفتاح السيسي” العسكري المتدين
عندما أقال الرئيس “محمد مرسي” قادة الجيش المصري المسنين قبل عام، وعين لواء متديناً أصغر سناً وزيراً للدفاع وقائداً عاما للقوات المسلحة، كان ذلك تحركاً يظهر خضوع الجيش لأول رئيس مصري منتخب في انتخابات حرة.

  من المفارقات في العام الأول من حكم “مرسي” كان الفريق أول “عبد الفتاح السيسي” يتحرك لإزاحته.  

رغم أن تعيين “السيسي” (58 عاماً) في أغسطس من العام  الماضي كان   مناسباً فيما يبدو لكل من “مرسي” والجيل الأصغر من قادة الجيش الذين يتطلعون للتصعيد بعد سنوات من العمل تحت قيادة الجيل الأكبر سناً مثل المشير “حسين طنطاوي” (78 عاماً) الذي شغل منصب وزير الدفاع لمدة (20) عاماً في عهد “مبارك”.

ويذكر أن  الحكام الذين حكموا مصر على مدى الستين عاماً الماضية كانوا ينتمون إلى مؤسسة الجيش. كما أدار الجيش البلاد بنفسه طوال الأشهر الستة عشر المضطربة التي أعقبت الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بـ”حسني مبارك”، وكان وقتها قد أظهر
المصريون الرغبة في عودة الجنود إلى ثكناتهم، وتحدث “السيسي” الذي يتمتع بشخصية جذابة وفقاً لتقديرات بعض المراقبيين، وكأنه يريد أن يبقيهم هناك. وحذر “السيسي” من حدوث اضطراب وانقسامات سياسية، لكنه أكد مراراً أنه لا ينبغي للجيش أن يعود للسياسة وقتئذ.
وعندما وقعت اشتباكات بين أنصار “مرسي” ومعارضيه في الشوارع في نوفمبر الماضي بسبب إصداره إعلاناً دستورياً جديداً، قال “السيسي”: (إن ولاء القوات المسلحة للشعب والدولة)، ومنذئذ فهم الناس أن “السيسي” ربما يقوم بدور كبير يعيد به السلطة إلى الجيش مرة أخرى حتى يتم اختيار رئيس غير “محمد مرسي”.
 وتقول سيرته أن “السيسي” عسكري محترف صعد إلى قيادة الجيش بعد أن لعب أدواراً قيادية في قيادة المخابرات الحربية، والعمل كملحق عسكري في الرياض.

وقال “روبرت سبرنجبورج” الخبير بالكلية الحربية للدراسات العليا في “مونتيري” بولاية كاليفورنيا- حسب ما أوردته (رويتر)-  (إن السيسي جرى إعداده بعناية ليشغل منصباً قيادياً رفيعاً).
لماذا اختار “مرسي” السيسي.؟

وبغض النظر عن صغر سن “السيسي” مقارنة بكبار قادة الجيش، إلا أن هناك سمتين أخريين جعلتاه مناسباً لمرسي الذي كان يبحث عن جيل جديد من قادة الجيش. فالسيسي مسلم ملتزم ترتدي زوجته الحجاب، وكان على علاقة جيدة بالولايات المتحدة بعد أن أمضى عامين في كلية الحرب الأمريكية في الفترة بين عامي (2005 و2006) . وكانت تقدم الولايات المتحدة مساعدات عسكرية لمصر قيمتها (1.3) مليار دولار سنوياً.

وقال “سبرنجبورج”: (المطلعون في الحكومة والجيش الأمريكيين كانوا يعرفونه، كان من بين الأسماء التي تذكر عندما يتحدث الناس عن الجيل القادم.

وأضاف أن “السيسي” كان يتمتع بسمعة طيبة بين من عملوا معه في الجيش الأمريكي، رغم أن أعماله أثناء الدورة الدراسية تظهر أن لديه ميولاً إسلامية.

 ومضى يقول مستشهداً بالكتابات التي أعدها “السيسي” أثناء بعثته إن (الفكر الإسلامي يتخلل تفكيره في الأمور السياسية والأمنية).
وفي السياق وصف أمريكي قام بتدريس “السيسي” في الكلية (لرويترز) وصف “السيسي” بأنه طالب جاد ومسلم منفتح على الولايات المتحدة ومتحمس بالنسبة لمستقبل مصر، هذا الحديث قد يشير بوضوح إلى أن “السيسي” قد يكون وجد إشارات إيجابية من الولايات المتحدة لاستلام السلطة رغم أنها حاولت أن تكون في موقف الداعم لمرسي والديمقراطية التي أتت به، وما يؤكد ذلك التنسيق بينهما هو الاتصال الذي تم بين “السيسي” ووزير الدفاع الأمريكي قبل إذاعته البيان، وهذا يشير كذلك بوضوح للبعد الخارجي في القضية المصرية وبالأخص أمريكا، وإذا أردنا معرفة موقفها الحقيقي فعلينا مراجعة الدول العربية التي سارعت بتهنئة الجيش المصري والرئيس المؤقت “عدلي منصور”، حيث كانت في مقدمتها السعودية والإمارات وقطر، ونجد أن هذه الدول تربطها علاقة قوية بأمريكا، وكانت تسمى دول الاعتدال في المنطقة، كما أن أمريكا حريصة على إمساك الجيش بخيوط السياسة المصرية حتى تطمئن على أمن إسرائيل، والأحزاب التي تحالفت مع الجيش لإسقاط “مرسي” ربما تحقق لها هذا الهدف. أما السودان فقد أبلغت وزارة الخارجية السودانية القائم بأعمال السفرة المصرية في السودان أمس “وائل فتح الله” على لسان مدير إدارة العلاقات الثنائية والإقليمية “عبد المحمود عبد الحليم” موقف حكومة السودان من التطورات التي جرت في مصر، وأكدت أن السودان تابع تطور الأوضاع في مصر انطلاقاً من خصوصية العلاقات التي تربط البلدين وحرص السودان على سلامة واستقرار مصر الذي يعتبر من أمن واستقرار السودان والمنطقة العربية، ويذكر أن ما حدث بمصر تزامن مع وجود سفير مصر بالسودان “عبد الغفار الديب” بمصر هذه الأيام، وحتى الآن لا يعرف على وجه الدقة مدى موقف الدبلوماسيين المصريين الموجودين بالسودان مما حدث ببلادهم.
وبالعودة لدور الجيش، قيل على صعيد الأحزاب المتحالفة ضد “مرسي”

في البداية شعر بعض الليبراليون بالقلق من “السيسي” لكن سرعان ما زال
وأصبح بعدها الجيش يتمتع بتأييد واسع النطاق في البلاد، ويمكن القول إنه أصبح الآن المؤسسة الوحيدة في البلاد التي تتمتع بذلك التأييد على ضوء الهتافات التي انطلقت من ميدان التحرير ممجدة لخطوته.
ويعتقد المراقبون للمشهد أن “السيسي” دعم هذا التأييد الجماهيري للجيش في الأيام القليلة الماضية بإرسال طائرات حربية لإسقاط آلاف الأعلام المصرية على حشود المحتجين المهللة في ميدان التحرير،
فيما قالت مصادر بالجيش المصري لبعض الإذاعات إن دعوة “مرسي” الشهر الماضي إلى التدخل الخارجي في سوريا كانت نقطة تحول تجاوزت جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها “مرسي” بتأييد دعوات الجهاد مما أثار انزعاج الجيش الذي أمضى عقوداً في محاربة المتشددين المتطرفين.
من ناحية أخرى ينظر كثير من المهتمين لهذه الخطوة في إطار إجهاض الديمقراطية ودخول البلاد في نفق مظلم بدأت أبعاده تظهر منذ تلاوة البيان حيث انقسم المصريون لأول مرة إلى معسكرين مؤيد ومعارض للبيان، وبدأت تظهر بوادر العنف والتصنيفات المذهبية التي أدت في كثير من البلدان إلى زعزعة الأوضاع وانفلات الأمور، رغم أن المؤسسة العسكرية حرصت أن يكون من بين الحاضرين والمؤيدين للبيان ممثلون للجماعات الإسلامية مثل حزب النور السلفي، بجانب المسيحيين والشباب، وعموماً وسط هذه الأوضاع أدى “عدلي منصور” اليمين الدستوري كرئيس مؤقت لمصر على أن تجرى انتخابات مبكرة،  ويعتبر “العدلي” ثاني رئيس مؤقت في تاريخ مصر بعد “صوفي أبو طالب” رئيس مجلس الشعب الذي تولى إدارة المرحلة الانتقالية بعد اغتيال رئيس مصر الأسبق “أنور السادات”، لكن على ضوء تتمسك الإخوان بالشرعية وتواجدهم في الميادين يصبح مستقبل مصر السياسي مفتوحاً أمام كل الخيارات.   
جدل الديمقراطية والانقلاب
منذ أن قال الجيش المصري إنه بصدد الإعلان عن خارطة طريق كان واضحاً للمتابع والمراقبين أن الجيش ينوي حسم الأمر والاستيلاء على السلطة، وفي ذات الوقت شرعت الأحزاب في تكثيف عملها المعارض مستفيدة من أخطاء الرئيس “مرسي”، و”مرسي” من ناحيته حاول الإمساك بزمام الأمور عبر اختيار موالين له.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية