الذين ماتوا في القضارف أكثر من الذين يموتون في الحج..!!
لم يسلم الوطن من الكوارث، سواء أكانت كوارث طبيعية مثل السيول والأمطار التي أدت إبان الديمقراطية الثالثة إلى وفاة بعض الأشخاص وفقدت عدة أسر ممتلكاتها جراء السيول التي هدمت منازلها، وإبان الإنقاذ الأولى أيضاً فقدت عدة أسر ممتلكاتها بسبب الأمطار التي جرفت عدة مناطق بشرق النيل. ولا ننسى الأضرار التي لحقت بمناطق كسلا بسبب فيضان القاش الذي مسح مناطق مختلفة من المدينة، كما أثر على السوق وأحياء البوليس والحلنقة، أو كانت كوارث بفعل البشر أنفسهم، وهذه فعلها أكبر وأخطر، فأمس الأول تدافع عدد من المواطنين بمدينة القضارف عندما أعلنت هيئة الحج والعمرة عن فتح باب التقديم لحج هذا العام 1434هـ.. ولما كانت حصة الولاية قد قلصت بنسبة (25%) من النسبة التي درجت الهيئة على منحها لمواطني ولاية القضارف، فقد تدافع المواطنون إلى مقر التقديم وهو مدرسة ثانوية فانهار جدار المدرسة وراح ضحيته (12) مواطناً من النساء والرجال الراغبين في أداء فريضة حج هذا العام.. لقد أزهقت أرواح المواطنين في مدرسة ثانوية جدارها لم يتحمل هذا الجمع من المواطنين، أزهقت أرواح الناوين الحج بمدينة القضارف ولم تزهق أرواحهم في الطواف بالبيت العتيق ولا في السعي بين الصفا والمروة، ولم يمت هؤلاء الحجاج في رمي جمرتي العقبة الكبرى أو الصغرى ولا عند رمي الشيطان، وهذه أكثر الأماكن التي يموت فيها الحجاج.. جدار المدرسة الذي انهار على أولئك المواطنين الناوين الحج أدى إلى وفاة أناس أكثر ممن يتوفون في الشعائر الدينية التي يسعى الحجاج لها.
في كل الدنيا الإنسان محترم وتقدم له الخدمات بدون عناء إلا في السودان.. التدافع ليس للحصول على فرصة لأداء فريضة الحج فقط، ولكن نشاهده يومياً بمواقف المواصلات التي جرى تعديلها وتبديلها من موقع إلى آخر.. المواطنون في المساء عند مواقف المواصلات بالإمكان أن تزهق أرواح منهم أكثر من أرواح الذين توفوا عندما انهار عليهم جدار المدرسة بالقضارف، والتدافع والتزاحم يمتد إلى أماكن شراء الكهرباء عند بداية كل شهر.. نحن أمة ما زالت متخلفة، والسبب ليس المواطن ولكن المسؤولين الذين ما زالوا يعتمدون على الطرق المتخلفة.. في كل العالم يدخل المواطن عن طريق جهاز الحاسوب على الخدمة التي يطلبها، لا أحد يحمل جوازه ويذهب لأخذ تأشيرة خروج ودخول، بل يتقدم مباشرة ويملأ البيانات وتمنح له الخدمة فوراً، وحتى شراء الكهرباء ودفع فاتورة المياه والنفايات، وكل المعاملات مع الأجهزة الحكومية تتم عبر الحاسوب دون عناء أو صفوف أو جدار ينهار عليك وتموت.
العالم يتقدم، بينما نحن في السودان نتأخر ونتراجع، وبعد أن كنا في المقدمة أصبحنا في المؤخرة، والسبب السياسات الخاطئة ووضع الشخص غير المناسب في المكان غير المناسب، وكلها أسباب أدت إلى تأخرنا وتراجعنا، ومن حق جدار هذه المدرسة البالية أن ينهار طالما إدارة المدرسة غائبة تماماً عن الإصلاح والتحديث والتجويد والتفقد.