أزمة الدواء .. الندرة و الغلاء بانتظار بشريات وزير الصحة
تقرير ـ فاطمة عوض
لم تبارح أزمة الدواء مكانها وظل المرضى في رحلة معاناة للبحث عن الأدوية في الصيدليات مع ارتفاع اسعارها لمبالغ باهظة إن وجدت ، غير أن بشريات وزارة الصحة الاتحادية بحدوث إنفراجٍ كبير في أزمة الدواء خلال الفترة القادمة مثلت ضوءاً في نهاية النفق بانصلاح الحال.
وبعث د. عمر النجيب وزير الصحة الاتحادي خلال زيارته لولاية الجزيرة ، بإشارات تطمينية بحديثه عن ما أسماه “معالجاتٍ متعددة” طالت ديوناً ضخمة على صندوق الإمدادات الطبية كإحدى المخاوف الرئيسة التي يمكن أن تؤدي لانهيار المنظومة الدوائية بكاملها.
الوزير أكد ترتيب هذه الديون بالكامل، وفتح اعتماداتٍ وصفها بالضخمة للدواء و قال إنهم يعملون بصورة يومية لتحقيق الوفرة كأولوية، وما دونها من إشكالاتٍ سيخضع للمعالجة من خلال “شغل مرتب جداً” مع التأمين الصحي.
ويتحدث الوزير عن أموالٍ “ما عندها حدود” تحت مسمى “العلاج المجاني” وهي أموال حسب تأكيده لا يعلمُ أحد أين تذهب، وتتأسس رؤية الوزارة حولها بإعادة التوجيه لدعم التأمين الصحي لأغراض زيادته وتوسعته أفقياً ورأسياً..
وتتجه الوزارة لتقوية الإمدادات الطبية وتعزيز دورها في سد الفجوة وصولاً للوفرة كحلٍ للأزمة..
ورغم الانهيار الكامل في الصحة، إلا أن “النجيب” يرى في الإمدادات الطبية إحدى الإشراقات القليلة جداً في جانب النظام الصحي..
ومع إقرار الصحة الاتحادية بوجود إشكالات على مستوى الدواء، إلاّ أن وزيرها يتحدث عن اختلاف “حقيقي” ستشهده الأسابيع القادمة يتغير معه الوضع الحالي بالكامل، تترافق مع ذلك أدوار قال إنها: “خاصة بهم” لتقوية الأجهزة الرقابية..
ويُقِرُ الوزير بمشاكل كبيرة جداً في الأدوية والسُموم، وقوانين تقتضي العمل والمراجعة، وإدارات متداخلة مع بعضها تحتاج لإعادة ترتيب، بَيْدَ أن ذلك كله لا يَعدِلُ أهمية الوفرة الدوائية، وهي مشكلة يرى “النجيب” أن حلها يكمُن في توطين صناعة الدواء بالسودان.
الندرة الدوائية
وبحسب إحصائيات أوردها د. ياسر أحمد عائس مدير فرع الصندوق القومي للإمدادات الطبية بالجزيرة، فإن الولاية تُعاني مشكلة في تغطية المراكز الصحية بالدواء بسبب النُدرة الدوائية..
وما وصل الولاية من أدوية الطوارئ خلال الربع الأول لم تتجاوز نسبته 40% من الحاجة، وحتى هذه النسبة تراجعت خلال الربع الثاني إلى 35%.. وكذلك انطبق الحال على أدوية الأطفال التي تراجعت من 41% إلى 36%، والأدوية الاقتصادية التي تراجعت كذلك نسبتها من 35% إلى 20%.
وكشف “عائس” عن مواجهتهم إشكالاتٍ تتعلق بوسائل الحركة التي باتت تتطلب إيجاد بدائل للقيام بها، مشيراً إلى استعانتهم بنحو (222) من العمالة المؤقتة من أصل (540) موزعين حسب المحليات، ونوه لمساعيهم مع الإمدادات الطبية المركزية لتوفير أدوية الخريف.
الشراء ولائياً
ولضمان الوفرة الدوائية، اقترح “عائس” تخصيص نافذة بالولاية لشراء الدواء، غير أن المقترح تباينت حوله الآراء، فمصدر التمويل الواحد يظل غير كافٍ في نظر أطباء بحيث تكون الإمدادات الطبية هي الممول الوحيد وليس للولاية حق في الشراء بنص القوانين واللوائح ، فالنقص سيؤثر على الأداء، ويُحـُدِثُ انفلاتاً في الأسعار..
وفي الاتجاه المُعاكس حذر أطباء من أن هذه الخطوة ستفتح مدخلاً للتحرير كما حدث في الوقود؛ ما يفرض أن تظل الإمدادات الطبية المركزية هي المسؤولة عن هذا الأمر..
ومضى وزير الصحة الاتحادي في ذات الاتجاه، فشراء الإمدادات الولائية للأدوية لا يخلو من إشكالات؛ فقد يتم ذلك من السوق المحلي، ومن جهاتٍ غير معلومة، ما يقدح في الجوانب الفنية المتعلقة بالاستيراد والتصنيع..
الوفرة الدوائية
ويمثل الدواء ركناً أساسياً من أركان المنظومة الصحية بالبلاد، ويساعد توافره بالمستشفيات والمراكز الصحية وغيرها من المؤسسات الصحية العامة بحسب د. أشرف عزمي عضو مجلسي إدارة جامعة الجزيرة، والصندوق القومي للإمدادات الطبية، على تخفيف الأعباء عن كاهل المواطن البسيط.
كما أن توفره يقرب المساحات ويقلل الأعباء على المستشفيات، فلا المستشفيات قادرة على التغطية، ولا الدواء قادر على تحقيق الاكتفاء.
وبين هذا وذاك تظل ود مدني قِبلة للمرضى من الولايات المجاورة لما تتميز به من إمكانيات صحية كبيرة، وكوادر مؤهلة، ومؤسسات صحية عريقة، وبالتالي يبقى توافر الأدوية أمر أساسي ومهم..
صرف الأدوية
ويشدد أطباء على ضرورة أن تتم معاملة الولاية في العلاج المجاني بقدر تقديم الخدمات التي تشمل خمس ولايات، وإيجاد صيدليات مركزية بالمستشفيات بإداراتٍ خاصة يؤمن فيها الدواء يضاف إلى ذلك ضبط صرف الأدوية المُخدرة عبر إدارة الصيدلة والمستشفيات وفق آلية صرف معينة تعتمد على “الروشتة” ، فضلاً عن تطوير الصيدلة السريرية.
إشكالات حاضرة
وتنتشر أدوية التأمين الصحي، والإمدادات الطبية بحسب صيادلة ، في السوق بكمياتٍ كبيرةٍ جداً إزاء الفشل في ضبط الأدوية بالولاية، بجانب فشل الرقابة الذي أدى لنقصٍ حادٍ في بعض الأدوية بصيدليات الإمدادات الطبية.
وتداركت محلية أم القرى بولاية الجزيرة ، إشكالية التسرب الكبير في الدواء بسياساتٍ للضبط تبقى الحاجة ماسة لتطبيقها على مستوى الولاية والسودان ، فيما أجهضت الكُلفة العالية مقترح العمل بروشتةٍ قومية موحدة للدواء تتيح المقارنة بينها وبين الكميات المصروفة.
أما الصيدليات التابعة للإمدادات الطبية ، فهُنالك شكوى من عدم وجود الدواء، أو بيعه بأسعار السوق السوداء ما يفرض الحاجة للسياسات والضوابط التي تحد من ذلك، كما يستدعي الأمر رقابة الأدوية بصورة عامة لاسيما المناطق البعيدة لانتشار كثيرٍ من الأدوية منتهية الصلاحية.
وتجد إدارة الصيدلة صعوباتٍ في الوصول للمناطق البعيدة لتفعيل نظام التحكم، وضبط فوضى الأدوية منتهية الصلاحية، والمُهربة، وبيئة التخزين. وبحسب صيادلة فإن معظم الصيدليات غير مؤهلة لتخزين الدواء، مطالبين وزير الصحة الاتحادي بتعيين الصيادلة، وتوفير وسائل النقل.
وكذلك تظهر الندرة في حقائب الصحة الإنجابية، ومستهلكات القابلات وتتنامى الحاجة لتوفيرها لخفض وفيات الأمهات.
نقص الهيبارين
وبالعودة لندرة الأدوية، فقد عانت ولاية الجزيرة خلال الفترة الماضية نقصاً في “الهيبارين” الذي تتوقف عليه عمليات غسيل الكُلى، بجانب الأدوية المصاحبة واضطرت إدارة مراكز غسيل الكُلى بالولاية للسحب من المراكز لتغطية النقص بالمركز القومي لأمراض وجراحة الكُلى..
وطالب د. الصادق التيجاني مدير إدارة مراكز الغسيل، وزارة الصحة الاتحادية بتوفير مخزون استراتيجي من معينات الغسيل وأدوية الكُلى المصاحبة لضمان انسيابها ومجابهة لأي نقص طارئ في الدواء.
ويصل الدواء لإدارة مراكز غسيل الكُلى من الإمدادات الطبية عبر المركز القومي ، غير أنهم يواجهون نقصاً بات عليهم التصرف لسده كما تفعل إدارة الدواء المجاني والتي سبقت ومنحتهم (٥٠) أمبولة “هيبارين”..
إلا أن مديرة العلاج المجاني بالولاية د. سارة يوسف دعتهم للتصرف كما تفعل هي؛ فمخزونها من “الهيبارين” لا يتجاوز (١٥٠) أمبولة وتحت رعايتها (٩٣) مستشفى.
رسائل مديرة العلاج المجاني لوزير الصحة الاتحادية لم تخلو من وضوح وصراحة، فهُنالك أدوية معدومة يجب توفيرها و”الناس بتموت”.
إذن بشرت وزارة الصحة الاتحادية بدنو أيام الوفرة الدوائية، فيما يترقب أهل الجزيرة الذين علت أصواتهم من أثر واقعٍ يشهد نُدرة ومعاناة لا تُخطِئها عين؛ تعود أسبابها لعوامل كثيرةٍ ومتشعبة بحثاً عن حلولٍ لأزمة الدواء ، فقد صار لحصول عليه أشبه برحلة بحثٍ مضنية عن إبرة ضائعة في كوم قش.