قصة استقالة وزيرة : أميرة الفاضل .. العاطفة تغلب .. !!
لأجل رعاية والدتها المريضة، آثرت ترك كرسي الوزارة طائعة مختارة، لتكبو جاثمة تحت أقدام أمها، تحنو عليها بـ(رعايتها) وحدها بعد أن كانت مكلفة من قبل القيادة السياسية للدولة برعاية جميع فقراء ومحتاجي السودان، وما أكثرهم، كوزيرة في وزارة أطلق عليها اسم (وزارة الرعاية والضمان الاجتماعي)، عرفت أميرة الفاضل بميول فطرية حباها إياها الخالق، حيث تجد في تقديم المساعدة لمن يطلبها سعادتها ـبحسب مقربين منهاـ حيث يقولون: (كأنما خلقت للعمل الاجتماعي)، بعد أن دعمت تلك الميول بتخصصها في علم الدراسات الاجتماعية بكلية الاقتصاد في أم الجامعات السودانية جامعة الخرطوم.
وعلى الرغم من بقائها في كرسي الوزارة لمدة قاربت ثلاث سنوات، ورغم الملفات الضخمة الموكلة إليها، إلا أن ثلث سكان السودان ما يزالون يرزحون تحت خط الفقر، ولم تفلح مجهودات الوزيرة الشابة في كبحه رغم مبادرتها الاجتماعية التي أطلقتها والتي تتألف من (9) ملفات، على رأسها مشروعات القرض الحسن، والمرأة الريفية، وملفات المعاشيين وملفات التأمينات الاجتماعية، والتأمين الصحي، وملفات الشؤون الإنسانية، وكان أن تلقت (أميرة الفاضل) في عهدها الوزاري رسائل شديدة اللهجة وعصيبة نشرت للرأي العام، من رصيفها في وزارة الصحة الاتحادية “بحر إدريس أبوقردة”، مفادها أن هناك (13) مليون مواطن سوداني يعانون من نقص حاد في الغذاء نتيجة لزيادة معدلات الفقر المدقع في البلاد وما يقارب ثلث أطفال السودان يعانون الفقر، فضلاً عن تمدد جيوش العاطلين عن العمل الأمر الذي يزيد من دائرة الفقر.
ولم تخشَ الوزيرة من أن تسجل اسمها في محاضر البرلمان حينما صوب وزير المالية أصبعه نحو الوزيرة، فضلاً عن تصويب سياساته الرامية لإبعاد شريحة الفقراء عن موازنته السنوية ونصف السنوية، ودارت بين الوزيرين معارك ساخنة لتضيف بذلك جواً من السخونة على قاعة البرلمان شديدة البرودة، وحينذاك تدخلت القيادة العليا للدولة ليتم حسم الموضوع لصالح الوزيرة ضد الوزير، ولم يكن الحسم بفضل (الجندر) بقدر ما كان حسماً ينبئ بالمكانة التي تحظى بها الوزيرة “أميرة الفاضل” وسط القيادة السياسية، لتنتهي فصول قصتها مع وزير المالية “علي محمود” باعتذار الأخير تحت قبة البرلمان، وأمام نواظر نوابه الذين على ما يبدو أقلقت مضاجعهم تلك الخلافات الساخنة التي لم يعتادوا عليها.
وخاضت الوزيرة “أميرة الفاضل”، خلال توليها حقيبة الوزارة التي تعنى بشؤون الفقراء والمساكين وملفات الشؤون الإنسانية في البلاد وما أكثر الفقراء بفعل السياسات الحكومية نفسها، خاضت معارك ضارية ومشهورة، كانت الأولى مع المدير السابق لمركز المايقوما للأطفال فاقدي السند، الدكتور “محيي الدين الجميعابي”، حول اتهامات وحديث عن تجاوزات تتعلق بأموال أطفال دار المايقوما، انتهت لصالح الوزيرة، بعد أن تم إبعاد “الجميعابي” من دار المايقوما.
أما المعركة الثانية فنشبت بينها وبين صديقتها (قمر هباني) التي كانت تشغل منصب الأمين العام للمجلس القومي للطفولة والأمومة، الذي يقع ضمن مسؤوليات وصلاحيات الوزيرة، وخرج هذا الخلاف الحادّ إلى العلن والرأي العام، حينما تقدمت “هباني” باستقالتها من منصبها، وقالت: إن ما دعاها إلى هذه الخطوة هو تعامل الوزيرة معها على حد تعبيرها، الأمر الذي دعا الوزيرة “أميرة الفاضل” للحديث إلى إحدى الصحف عن أن أسباب الخلاف الحقيقية بين الطرفين تعود إلى كثرة سفر “هباني” وعدم التزامها بموجهات الوزارة، وهذا الخلاف استوقف الكثير من المقربين للطرفين الذين يعرفون عمق العلاقة التي تربط الاثنين، فالوزيرة والأمين العام لمجلس الطفولة سابقاً درستا في جامعة الخرطوم، وزاملت “هباني” عند دخولها الجامعة “أميرة الفاضل” وهي كانت على أعتاب التخرج كما جمعهن تنظيم الحركة الإسلامية، حيث كنّ من الناشطات في العمل السياسي، ما يعني أن “أميرة” و”هباني” كانتا (رفيقات درب) ومن ثم جمع بينهن العمل التنفيذي كممثلات للمؤتمر الوطني الحزب الحاكم، وانتهى هذا الخلاف إلى صالح الوزيرة “أميرة” عقب قبول الرئيس استقالة “قمر هباني”، أما المعركة الأخيرة فكانت مع وزير المالية “علي محمود” داخل قبة البرلمان، عندما احتجت “أميرة” على أوضاع عدم تضمين الشرائح الفقيرة داخل موازنة (2013) وانتهى الأمر لصالحها.
وبدأ الوجوم و(الإحباط) يخيم داخل حوش وفناء وزارتها -التي تسلمت زمام أمرها في يونيو (1010)- على وجوه العاملين معها، كما بدا مكتبها الفخيم خالياً من حركتها الدؤوبة والنشطة، ويقول مقربون منها لـ(المجهر): إن استقالة الوزيرة يعد فقداً للوزارة، وإن حيويتها ونشاطها هو الذي يحفز العاملين معها على مضاعفة أعمالهم وإنتاجهم، ويشيرون إلى أنها سبق أن تقدمت باستقالتها للرئاسة بذات الحجة (دواع صحية) بسبب مرض والدتها، لكن تم إثناؤها عن قرار استقالتها من قبل حزبها الحاكم والقيادة العليا للدولة، فضلاً عن إثنائها من قبل اتحاد المعاشيين الذين تمسكوا بوجودها داخل الوزارة، ويبدو أن الوزيرة هذه المرة قررت عدم العودة إلي وزارتها إلي غير رجعة، رغم أن كثيراً من المسؤولين في الوزارة يقولون: إن مؤسسة الرئاسة لم تبتّ بشكل نهائي في أمر قبول استقالتها من عدمه، وأنه لم يصلهم أي إخطار يفيد بالقبول أو الرفض، وما إذا كان سيأتي شخص غيرها إلى كرسي الوزارة أم يتم إثناؤها عن قرار مغادرتها.
وكانت الوزيرة المستقيلة التي ولدت في منطقة (المعيلق) بولاية الجزيرة في العام 1967، وتخرجت في كلية الاقتصاد جامعة الخرطوم تخصص دراسات اجتماعية، ونالت درجة الماجستير في جامعة (ونستمنستر) في لندن حول موضوع (المرأة السودانية وبناء السلام في السودان) تدير شؤون وزارتها حتى وإن كانت خارج حدود السودان عبر الهاتف، وتتابع جميع الملفات المتعلقة بمكافحة الفقر والشرائح الضعيفة والدعم الاجتماعي، وفقاً لمقربين منها فضلوا عدم ذكر أسمائهم، لكن يبدو أن (صراع العاطفة والواجب) ظل ملازماً لها طيلة إدارتها للوزارة، خاصة بعد رفض استقالتها في وقت سابق، قبل نحو ستة أشهر، لينتصر لصالح عاطفتها، لتفضل البقاء إلي جانب والدتها المريضة.
ويقول مقربون منها: إن الوزيرة تعد امرأة (إنسانة) وهي مقربة من جميع العاملين في الوزارة، وتتابع كل مشاكل الناس الاجتماعية، ابتداءً من حوش وزارتها وكأنها زميلة بالنسبة لهم، وليست وزيرة، بكل أريحية، دون أن تشعر من حولها بمنصبها، وأنه ليس هناك شخص جاء يحمل إليها مشكلة إلا تدخلت وحسمت له قضيته.
ويرى مسؤولون في الوزارة أن من بين مشروعاتها الطموحة التي بدأت إنزالها على الأرض مشروعات الدعم الاجتماعي، التي كانت توليه بالغ اهتمامها، رغم أن ملايين السودانيين يحتاجون إلى الدعم الفوري، بسبب الفقر المدقع الذي يعيشونه وأن إحدى نساء الريف في إقليم دارفور سبق أن تم تسليمها مبلغ (100) جنيه كدعم اجتماعي، فأوصت وزيرة الرعاية بجنوب دارفور أن تبلغ الوزيرة “أميرة الفاضل” شكرها، خاصة وأنها في (حياتها لم تتسلم مبلغ 100 كاملة)، وعلى الرغم من مغادرة الوزيرة “أميرة الفاضل” لكرسي الوزارة، فما يزال ثلث سكان السودان يعانون الفقر والفقر المدقع، وسياسات الدولة لم تكبح جماح الفقر، بل تتزايد وتيرته عاماً بعد عام..