القيادي بالحزب الشيوعي "يوسف حسين" يترافع في حوار مع (المجهر) (1-2)
فجأة ودون مقدمات واجه (الحزب الشيوعي السوداني) مطرقة عضوه المعروف الدكتور “صلاح البندر” التي أعادت إلى الواجهة علاقة الحزب العتيق بالدين والتربة السودانية التي تجذَّر فيها عميقاً عبر نضالات عماله وقادته وطلابه، وكان (سندان) وثيقة (الفجر الجديد) التي وضعت الحزب أمام احتمال حله، وبالتالي عودته مجدداً إلى العمل السري. وما بين مطرقة ما أثاره القيادي الشيوعي”صلاح البندر” الذي يمثل اختباراً جديداً هذه المرة وفي مسألة (حساسة) للغاية، وسندان (كمبالا) يجلس الحزب (الشيوعي) أمام تحدٍ جديد. (المجهر) التقت الناطق الرسمي للحزب، وطرحت عليه العديد من الأسئلة.. فإلى مضابط الحوار..
} دعنا نبدأ من قضية دكتور “صلاح البندر” التي أثارت لغطاً كبيراً في الساحة السياسية السودانية؟
– نحن نرى أن السودانيين بالخارج دائماً ما تجدهم كثيري الخلافات والمشاحنات، ويخلقون (من الحبة قبة)، وذلك لأنهم معزولون عن مجتمعهم السوداني ومجريات السياسة فيه، والخلافات بين الدكتور “صلاح بندر” والشيوعيين في (بريطانيا) مزمنة وقديمة، وباستمرار تنشر مثل هذه الخلافات على المواقع الالكترونية، وما حدث ليس بالشيء الجديد، ولكن يُخيل إليَّ أن “صلاح بندر” لم يستطع قراءة خريطة الصراع السياسي في السودان وبخاصة في الفترة الأخيرة التي علا فيها صوت الهوس الديني والإسلام السياسي، ويصبح الإقحام بحكاية الشابة التي قيل أن الشيوعيين ساهموا في تنصيرها وكذا، هذا سيأخذ حيزاً كبيراً جداً، وستكون له انعكاسات وردود أفعال كثيرة ليس كالسابق، “صلاح بندر” أخفق في هذا الجانب، ولم يقرأ الخريطة السياسية في السودان قراءة صحيحة، وفي وقت غير مناسب زجوا بهذا الموضوع، نحن قلنا إننا في برامجنا وفي كل أطروحاتنا السياسية، إنه لا يوجد لدينا شيء ضد الدين الإسلامي.
} لكن دكتور “صلاح بندر” أشار بوضوح إلى دور الشيوعيين في (بريطانيا) في تنصير الفتاة “نهلة محمود” وهذا اتهام واضح للحزب الشيوعي بما يتعارض مع ما تقوله؟
– الواقع الذي لم يقرأه “بندر” بشكل صحيح هو الواقع السوداني وليس الواقع البريطاني، وفرع (الحزب الشيوعي) في (بريطانيا) لا ناقة له ولا جمل في القيام بالتنصير أو في أي حديث عن الدين، لأننا حزب ولنا برنامج سياسي، فنحن نريد إحداث تغيير وطني ديمقراطي في السودان يفضي إلى (الاشتراكية)، ونحن نرى أن الدين الإسلامي والأديان السماوية الأخرى وكريم المعتقدات كل جوهرها ومقاصدها الكلية تساعدنا في دعوتنا ولا يوجد تعارض، لذلك لا يوجد لدينا شيء ضد الأديان بل على العكس، نحن نرى أن الدين يمكن أن يوضع في خدمة قضايا التقدم وإحقاق العدل للمضطهدين والمظلومين ولإشاعة الديمقراطية.
} لماذا لم يصدر (الحزب الشيوعي) فرع (بريطانيا) ما يجلي عنه هذه الغبرة؟
– ليس لدي علم بأن فرع الحزب في (بريطانيا) أصدر بياناً أم لا، إلى الآن لم تردنا معلومات بهذا الصدد، لكن الطبيعي أن فرع الحزب يستنكر هذا الأمر، يستنكر الزج باسمه في قضية (تنصير) وقضية معادية للدين الإسلامي، ذلك هو الأمر الطبيعي الذي ينبغي أن يحدث.
} كيف ساق دكتور “بندر” هذه الاتهامات وهو بمكانته العلمية ووزنه الفكري المعروف.. ألا تعتقد أن لاتهاماته ما يسندها؟
– هي أتت في إطار مشاحنات ومساجلات كثيرة ومزمنة لها (20) عاماً.
} ما طبيعة هذه الاختلافات بينكم وبين دكتور “صلاح البندر”؟
– قضايا مثارة في الخارج، وليست بيننا نحن في (الحزب الشيوعي)، الخلاف كان دائراً حول (جمعية ضحايا التعذيب) وقيادتها وممارساتها، وهنالك قضايا أخرى.
} هل من الممكن أن يتطور هذا الخلاف بحيث يتهمكم هذا الاتهام الكبير؟
– هو لم يقرأ الخريطة السياسية في السودان قراءة صحيحة، ولو فعل ذلك لما أقحم هذا الاتهام في هذا الوقت بالذات، لأنه بذلك يخدم مباشرة القوى المعادية للتقدم وحتى للأفكار التي يخدمها “صلاح بندر” نفسه.
} ولكن نُقل عنك شخصياً وصفك لـ”صلاح بندر” بأنه (نكرة) في رد لم يتوقعه كثيرون منك بالذات؟
– والله أنا انفعلت حقيقة، انفعلت بي الكلام القريتو ولقيتو كلام شاذ، وقلت نكرة بالذات لأنو هو ما الجهة المفوضة ولا هو السلطة الدينية اللي ممكن تفتي في المسائل دي، هو نكرة من هذه الزوايا.
} مؤتمر (الحزب الشيوعي) قادم مع الأيام.. كيف تبدو الأمور؟
– العمل التحضيري جارٍ على قدم وساق للمؤتمر السادس للحزب، والمؤتمر سيعقد في الشهور المقبلة، ووفقاً لدستور الحزب المجاز في المؤتمر الخامس، فإن دورة المؤتمر مدتها (4) سنوات، لكن في العمل السياسي فإن الأمور لا تسير في دقة الساعة السويسرية ولا في دقة الحاسوب، لقد شرعت اللجان المختلفة في عملها وبعضها أوشك على الانتهاء من عمله مثل (لجنة التقرير السياسي) و(لجنة دستور الحزب)، وأخر اجتماع للمكتب السياسي قبل أيام نظر في تقرير اللجنة التحضيرية، وأصدر بعض التوجيهات الكفيلة بالإسراع في عملية التحضير.
} ماذا عن العمل السري لـ(الحزب الشيوعي)؟
– نحن لا نزعم أننا أساطين في العمل السري، لكن لدينا تجربة بحكم محاربتنا منذ العهد الانجليزي مروراً بعهد مايو، فحكم الحرب الشعواء ضدنا تمرسنا إلى حدود في العمل السري، لكننا بصراحة نفضل العمل الشرعي، وإذا ما حدثت مفاضلة وموازنة بين العمل السري والعلني، فإننا نفضل العمل العلني لأنه في الظروف العلنية يستطيع الحزب الترويج لأفكاره بشكل أكبر ويكبر نفوذه، ويتضح طرحه السياسي، ويكسب جماهير أوسع وكذا، نحن نفضل العمل الشرعي.
} يجري حديث الآن عن حظر الأحزاب نتيجة لمذكرة (كمبالا) كيف ترى الأمر؟
– نحن قلنا إنه لا توجد قضية، فتحالف الإجماع الوطني حدد وفداً لمفاوضة الجبهة الثورية في (كمبالا)، وبالفعل ذهب وفاوض إلا أنه استعجل، حيث تفاوض وتوصل إلى اتفاق وقام بنشره، وهذا مخالف لأسس العمل الديمقراطي الجبهوي، حيث كان المفروض على الوفد أن يرجع للتحالف ويطرح ما توصل إليه، ومن ثم يتم النظر فيه، إلا أنهم استعجلوا، فالوفد لم يكن لديه تفويض، ونحن قلنا إنه لابد من عمل مراجعة لميثاق (الفجر الجديد) في قضايا كثيرة مثل (حل القوات المسلحة وحل الهيئة القضائية وموضوع الدين والدولة، وحق الولايات، هذا كله قلناه فإذاً لا توجد قضية اللهم إلا يكون لعبسة ساكت)، ثم أن المؤتمر الوطني نفسه يفاوض الحركات المسلحة، مفاوضات رسمية مثل اتفاق (نافع – عقار)، أو بصورة غير رسمية مثل لجنة “صديق ودعة” التي مازالت حتى اليوم تفاوض الحركات المسلحة، اللقاءات بين القوى السياسية أمر مشروع ومن أسس العمل الديمقراطي، (ألا يكونوا دايرين يتلعبسوا ويحلوا الحزب ساكت، ونحن قلنا إذا حلو الحزب برضو حا نشتغل سري، لكن نحن بنفضل العمل العلني).
} يرى البعض (المؤتمر الوطني) متشدداً بعكس ظروف المرحلة التي تتطلب أفقاً واسعاً.. هل ذلك صحيح؟
– هنالك ظروف تدفع قيادة (المؤتمر الوطني) للتشدد والتطرف بسبب الأخطاء الكبيرة التي ارتكبت في حق الوطن، وجريمة تمزيق وحدة الوطن وفصل الجنوب، والحروب الدائرة اليوم في (جنوب كردفان) و(النيل الأزرق)، بالإضافة إلى الأزمة الاقتصادية الطاحنة و”الحزازات والضغائن لدى أغلب شعب السودان ” نتيجة لممارسات والفصل للصالح العام،فقيادة المؤتمر الوطني أضحي لا طريق أمامها سوى ممارسة السياسات الحزبية لكي تتشدد ،وتطبق قانون الطوارئ في مناطق التماس ،وقانون رد العدوان، ومحاكم الإرهاب ، الخ ، فهم لا مخرج أمامهم ،حتى يتفادوا المساءلة والمحاسبة خلاف أن يتشددوا، ليس أمامهم غير ذلك.
} ماهي أبرز التحديات الفكرية التي يواجهها الحزب الشيوعي الآن؟
نحن ليست لدينا قضايا عالقة من هذا القبيل ،عقب انهيارالمعسكر الاشتراكي نحن أجرينا دراسة لهذه التجربة، ودرسنا تجربتنا في الواقع السوداني على مدى (60) عاماً، وتوصلنا إلى أشياء محددة، مثلاً قلنا إننا نتمسك بـ”الماركسية” ولكن في إطار النظرة الموضوعية التي لا تلغي التراث الفكري للبشرية، حيث ننظر لكل المدارس الفكرية الأخرى ونستفيد منها، ثانياً فيما يتعلق بأسس التنظيمية للحزب فقد قلنا بترك مبدأ “المركزية الديمقراطية” ،لأنه وعبر عشرات السنين اتضح أنه معوق للتحول الديمقراطي في الحزب، فقلنا بدون أن نتخلى عن “الانضباط الثوري” ووحدة الحزب ،نرفع مبدأ الديمقراطية المركزية ،وبالفعل رفعناه منذ مؤتمرنا الخامس، من الحوار الداخلي الذي امتد لعشرة أعوام، لكن وحدة الحزب مصانة، والانضباط الثوري في الحزب مصان، اللجنة المركزية هي صاحبة اتخاذ القرار في كل المسائل الوطنية العامة، وبالنسبة للقضايا الأخرى فنحن ندرس الواقع السوداني وتراث السودان من منظور “المنهج المادي الجدلي” حيث نستفيد من كل ومضات العمل الثوري في السودان بما في ذلك “التحالف الجبهوي” الذي لم تأت به “الماركسية”، التجربة السودانية منذ السلطنة الزرقاء ووضح أن “التحالف الجبهوي الواسع” في السودان هو سر قوة ومنعة الشعب السوداني وإحرازه للانتصارات، لذلك نحن طرحنا خط “التحالف الواسع والجبهة الواسعة.
} أعطني مثالاً على ذلك ؟
“الثورة المهدية”، حيث أبرز ما في هذه الثورة على أيام “الإمام المهدي” كان الحرص على التحالف الجبهوي، حيث كانت كل قبيلة لها رايتها ،”الطرق الصوفية” لها رايتها، أيضاً “قدامى المحاربين في الجيوش النظامية” من أمثال “حمدان أبوعنجة” و”النور عنقرة” لهم رايتهم، وهؤلاء تكون منهم جيش “المهدي” حيث لم تكن هنالك محاباة لجهة معينة أو قبائل معينة في السودان ،وماحدث بعد وفاة “المهدي” لا يتحمل مسؤوليته، نحن متمسكون بالتحالف الجبهوي، هذا لم تأت به “الماركسية” بل أشارت إليه ،لكن من التجربة السودانية وكل الانتصارات وحتى معركة الاستقلال و”أكتوبر” والانتفاضة،الشعب حققها بجبهات واسعة.
} حتى الآن لم يقطف الشعب السوداني ثمار هذه الانتصارات سواء في التنمية أو في بناء دولة حديثة؟
الأمر يحتاج إلى صبر ووقت، والشيء الذي ننظر له في البلدان الصناعية والمتطورة لم يتم بين عشية وضحاها، ولا في “عشرة – عشرين سنة، ولا في مائة أو مائتي سنة “، الناس هناك خاضت تجارب كثيرة جداً منذ الثورات الدينية أيام كانت “السلطة البابوية” هي كل شيء، وهي التي تكفر ولديها صكوك الغفران، وناس “مارتن لوثر”والثورات الدينية التي حدثت كانت أساساً ثورات ديمقراطية، الإنجيل الذي كان الكهنة والنظام البابوي يحتفظ به باللغة اللاتينية فرضوا ترجمته للغات الوطنية، والسلطة البابوية بدأت بالتفكك، لكن هذا الأمر أخذ مئات السنين، حتى أتى عصر النهضة والتنوير، فنحن في “عشرة عشرين” سنة ما بنحصل، دايرة صبر.
} أعود بك لواقع المعارضة ومسألة الخلاف الناشب بين “الأمة” و”البعث”؟
لا توجد خلافات الآن بعد أن أكّدنا على الحرص على وحدة المعارضة ،وإزالة كل الخلافات الموجودة، والتمسك بأسس التحالف الجبهوي بداخله.
} هل يستفيد الحزب الشيوعي من خلافات “الإسلاميين” المستمرّة التي تؤثر على بنية الحكم؟
هي طبعاً خلافات موضوعية، ولها أساس سياسي اجتماعي، ونحن لا نقول: “الإسلاميون هم أعداء التقدم في السودان”، لم نقل ذلك على الإطلاق، يوجد إسلاميون مخلصون ويمكن أن يقفوا مع الشعب…
} مقاطعاً: مثل من ؟
يوجد إسلاميون كثيرون طرحوا أطروحات فكرية متقدمة مثل من أمثال البروفيسور “الطيب زين العابدين” وآخرون كثيرون، وأيضاً توجد من الإسلاميين مجموعات شبابية لا أعرفهم شخصياً، ولكن لهم نفس هذه الأطروحات الموجودة في العالم العربي الإسلامي.
} ما هي هذه الأطروحات ؟
أطروحات تنبذ “الشمولية” والانفراد بالسلطة وتنادي بالدولة المدنية الديمقراطية، وتريد “الحريات” الخ ،هذا طرح موضوعي ويستند إلى التجربة التي مرّ بها السودان وعاشها الشعب، ولكن لسوء الحظ القابضون على السلطة لم يضعوا أي اعتبار لهذه الأطروحات المستنيرة، حيث قاموا بلفظها والنظام الموجود وقيادته حريصة على “الكنكشة” في السلطة لأن أي تفريط سيعرضها للحساب والمساءلة داخلياً وخارجياً، لذلك تجد أن كل “الأطروحات المستنيرة” التي جاءت في مؤتمر” الحركة الإسلامية” رفضت، وأصروا على السير على نفس النهج وذات الخطى الانفرادية الشمولية التي تقصي الآخر.