كم يقلقني الحديث عن إصلاح أو هيكلة الأجهزة العسكرية والأمنية، وقد بات يتكرر بصورة مزعجة آخرها في الاجتماع الثلاثي الأخير لمكونات السلطة الانتقالية الذي كانت مخرجاته باهتة خالية من الجديد والتجديد، والغريب أن ممثل السيادي فيها الفريق ركن “ياسر العطا” عضو السيادي، وهو يؤيد بل يعلن الإصلاح، وكأن الأجهزة الأمنية وعلى رأسها الجيش كانت تعاني عطباً طيلة الحقب الفائتة مما يستدعي المعالجة في هذا العهد البائس والهزيل من عمر السودان. يحدث هذا وكلنا يعلم ما يحيق بالأجهزة الأمنية كافة، ومحاولة تفكيكها وإضعافها لشيء في نفس “يعقوب”، وأعتقد أن ما حدث ولأول مرة بأن تقتحم الشرطة مباني خاصة بجهاز الأمن يستدعي الحذر وينذر بشرر مستطير، صحيح أنها تؤدي دورها لكن كان ينبغي لها التحري والتحقق أكثر قبيل أن تصرح به إدارة مباحث التموين بوزارة التجارة والصناعة، قبيل أن يسارع الجهاز بإصدار بيان يوضح فيه الحقائق كاملة في حين أنه وبمزيد من التحري كان يمكن معرفة ذلك دون التسرع بتخوين مؤسسة أمنية معنية في المقام الأول بحماية وسلامة الوطن والمواطن أسوة برصيفاتها.
عقب الإعلان والتشهير بجهاز المخابرات والتصريح لسونا التي نشرت الخبر بضبط دقيق فاسد بمخازن تتبع للجهاز بالمنطقة الصناعية بحري نقلته عنها بعض الصحف اتضح أن جهاز المخابرات العامة والهيئة العامة للمواصفات والمقاييس قاموا بأدوارهم الرقابية على كل واردات البلاد بما في ذلك الهبات والمنح كما نص على ذلك بيانهم الذي جاء فيه أيضاً توضيح من مدير الهيئة أن شحنة الدقيق القادمة من دولة مجاورة تمت إجراءاتها بواسطة الجمارك، بما يعرف بحجز الموقع، واستناداً على ذلك تم حجزها بالمخازن والتحفظ عليها بالتعاون مع (الجهات الأمنية). لاحقاً سحبت عينات وأجريت عليها كل التحاليل التي أتت نتائجها باحتوائها على فطريات وملوثات، وعليه تقرر حجز الكمية حتى تتم إبادتها.
لا أدرى لم صمت الجهاز على ذلك كل تلكم المدة وكان بإمكانه التصريح بذلك مسبقاً درءاً لهكذا تصرفات هوجاء من هؤلاء الناشطين؟ ولا أدري إن كان سيتخذ إجراءات قانونية في حق وزارة الصناعة والتجارة أم لا؟ طبعاً لا أعتقد أنه سيتخذ ذلك ضد رصيفته وقرينته منذ الأزل الشرطة السودانية.. ومن الأساس عيب كبير أن تتهم جهة مسؤولة جهة أخرى لا تقل عنها مسؤولية وكلهم في سدة الحكم. أيضاً ترى هل سيعتذر وكيل وزارة التجارة والصناعة (الفرحان) للجهاز؟ وقد كان يعتقد أنه أنجز إنجازاً عظيماً عبر إدارته المنشأة حديثاً لكن ارتد عليه ظنه، و(صراحة اتهاماتكم المستندة على الظن كترت يا قحت). وأخيراً هل سيترك أمر تلكم الدولة التي أهدتنا تمويناً فاسداً ومضراً هكذا؟ وإن لم تتم معاتبتها هل ستعتذر من نفسها وتوضح لنا ملابسات هذا الخطأ الفادح المضر بصحة المواطن؟ أم ستضرب صفحاً عن الأمر الذي فاحت رائحته؟