قبيل أيام قلائل اطلعت على خبر مختزل من حوار لعضو المجلس السيادي الفريق ركن “ياسر العطا” مع صحيفة (الصيحة) جاء فيه أنهم لن يسمحوا بأن يكون هنالك انقلاب (تاني) ولا أدري ما هو ( الأولاني)؟، لكن ربما يعني انقلاب الإنقاذ، وشدد كذلك بأن الثورة لم تفشل، فضلاً عن أن الثورة حققت الكثير من حرية الشعب، كما حققت العدالة ودعمت السلام، بيد أن رابعة أو خامسة الأثافي كانت قوله إن “حمدوك” ووزراءه لم يفشلوا ــ (يا راجل!) ــ والحكومة عرفت الطريق السليم وفقاً لمبادئ الثورة، وذهب “العطا” بتغزله إلى أن الشعب لا أظنه سيفقد ثورته من أجل الخبز، بل تفتقت لأجل الظلم والانتصار على الشمولية والاضطهاد والاستبداد.
ولما كنت بعيدة عن الكتابة لأسبوع بسبب ظرف اجتماعي، دعوني أعقب على هذا الحديث المستفز والمجافي للواقع بأثر رجعي، أولاً أين كان سعادته “العطا” عندما انطلقت شرارة الثورة في عدد من المدن والولايات، قبيل أن تتبلور في العاصمة، وتطيح بالحكومة السابقة بعيداً؟ ألم يكن يعلم أن الوقود الأساسي كان انعدام الخبز بعموم السودان، مما دفع الطلاب أولاً لبداية الحراك؟ وهو نفسه الحال لم يبارح مكانه، بل أشد ضراوة وسوءاً عن تلكم الفترة، للحد الذي حرض للخروج مجدداً رغم أنف (كورونا). لخص الفريق ركن ” ياسر العطا” نجاح الثورة المزعوم من وجهة نظره في الشعار الذي رفعته (حرية، سلام، عدالة)، وعليه أتساءل مجدداً أي حرية هذه؟ اللهم إلا إن كانت حرية الصحافة، وأكاد أجزم أنهم قد ضاقوا بها ذرعاً، وكأن بهذه الجزئية يوحي بأن البلاد كانت تعيش في (قمقم) ومقيدة تماماً، وأي عدالة تلك التي تتحدث عنها ؟والحقوق تؤخذ غلاباً، ثم وبموجب لجنة التمكين مورس القهر والظلم بأسوأ أنواعه، وركلوا بشخوص كل جريرتهم أن تم تعيينهم في عهد الإنقاذ، ومن أسف استبدلوهم بـ(مواسير) صدئة من الأصدقاء العطالى والفاشلين، ثم أين هذا السلام الذي تقول به وملفه لم يتقدم كما ينبغي له، وكل الجهود التي يبذلها نائب رئيس السيادي تضيع سدى بفضل عراقيل (قحت) نفسها؟.
فيا سيدي دعنا من العواطف الزائفة، وجميعنا يعلم ما تخفيه الصدور، وما يمور به جوف المجتمع من أزمات اعترف بها أصحاب الشأن أنفسهم عبر خطاب مطول، ساقوا فيه أسباب موضوعية تعبر عنا جميعاً، انتقدوا فيه وزير المالية الذي أحبط آمالهم، وحاد عن أهداف الثورة المنشودة، وهي الاقتصادية في المقام الأول، مطالبين بإقالته، وإن كنت أرى أن الفشل ذاته يتلبس أغلب الوزراء، والأولى أن يكون تغيير منظومة الحكم أجمع.
كنا يا سعادتك وما زلنا نعقد الآمال في العسكر، بأن يخرجونا من هذه الضائقة التي تستحكم حلقاتها يوماً عن آخر، ريثما يتم الإعداد لانتخابات مبكرة، لكنك أوصدت الباب بهذه العاطفة التي لا تعني الشعب في شيء، ومع ذلك فلن نيأس، ونعلم أن بين ظهراني قواتنا المسلحة من يستشعر المسؤولية، ويحس بآلام الشعب أسوة بالراحل الفقيد وزير الدفاع الذي كان يقف كالمسمار أمام كثير من القرارات التي يمكن أن تؤذي البلاد وتفت عضدها، للحد الذي ارتيب في وفاته، أنى لك بهذا الغزل الثوري والبلاد تحدق بها الأخطار من كل حدب وصوب ولا منجى منها سوى جيشنا الباسل؟.
(2)
رغم أن هذه الحكومة الانتقالية تحديداً تلفظ أنفاسها الأخيرة، إلا أنها، وكلما استشعرت دنو أجلها سارعت تسعف نفسها بإعلان تفكيك جديد ومصادرات، وهي تتوهم فيه ترياقاً يضخ الدم في عروقها مجدداً، لكنها لا تعلم أنها بذا أصبحت أضحوكة ومحل تندر، فالوضع الاقتصادي بات عصياً على هكذا مسكنات فقدت طبيبها.