ربع مقال

كورونا وفقه الحجر الصحي

د. خالد حسن لقمان

في موجة طاعون عمواس، ذُكر أن المسلمين تحركوا في إطار قول رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطاعون: «إِذا سمعتم به بأرضٍ، فلا تقدموا عليه، وإِذا وقع بأرضٍ، وأنتم بها؛ فلا تخرجوا فراراً منه »، وهذا الحديث النبوي فيه إشارة واضحة إلى ما يطبق اليوم علمياً وعملياً من الحجر الصحي بهدف مواجهة الأوبئة المنتشرة، فرسول الله لم يكتف بأن يأمرهم بعدم القدوم إلى الأرض الموبوءة، بل أتبعها بأن أمر من كان في أرض أصابها الطاعون أن لا يخرج منها، وذلك لمنع انتشار العدوى فينتقل الوباء إلى مناطق أخرى، وبذلك فإن هذا الحديث لفتة إعجازية تضاف إلى سجل الطب النبوي.
وقد رجع “عمر بن الخطاب” رضي الله عنه بناءً على هذا الحديث إلى المدينة ولم يدخل الشام بعد أن كان قد قصدها، ولم يكن ذلك هرباً من الموت المقدر أن “عمر” أجاب “أبا عبيدة بن الجراح” عندما سأله عن سبب رجوعه إلى المدينة، قائلاً: أفراراً من قدر الله؟، فأجاب “عمر بن الخطاب” رضي الله عنه: لو غيرك يقول هذا، نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله… وعليه فقد أباح بعض العلماء الخروج على ألا يكون الخروج فراراً من قدر الله، والاعتقاد بأنَّ فراره هو الَّذي سلَّمه من الموت، أمَّا مَنْ خرج لحاجةٍ متمحِّضَةٍ، فهو جائزٌ، ومن خرج للتَّداوي فهو جائزٌ، فإِنَّ تَرْكَ الأرض الوبئة، والرَّحيل إِلى الأرض النَّزهة مندوبٌ إِليه، ومطلوبٌ.
وقد طلب الفاروق بعد ذلك من “أبي عبيدة” أن يرتحل بالمسلمين من الأرض الغمقة الَّتي تكثر فيها المياه، والمستنقعات إِلى أرضٍ نزهةٍ عالية، ففعل “أبو عبيدة”. وفي ذلك درس في الأخذ بأسباب الوقاية من المرض والوباء والابتعاد عن مصادره وأماكن استفحاله (الصلابي،2005 ص233).
بينما بقي “أبو عبيدة بن الجراح” وغيره من الصحابة في الشام ولم يخرجوا منها بعد أن أصابها الوباء، وقد أصاب بعض العلماء عندما ذكروا في حكمة النَّهي عن الخروج فراراً من الطاعون: إنَّ النَّاس لو تواردوا على الخروج، لصار مَنْ عجز عنه بالمرض المذكور أو غيره ـ ضائع المصلحة، لفقد من يتعهَّده حيّاً وميتاً، ولو أنَّه شُرع الخروج، فخرج الأقوياء، لكان في ذلك كسر قلوب الضُّعفاء. وقد قالوا: إِنَّ حكمة الوعيد من الفرار من الزَّحف، لما فيه من كسر قلب مَنْ لم يفرَّ، وإدخال الرُّعب فيه بخذلانه.
وفي رواية أن الوباء لم يرتفع إِلا بعد أن ولي “عمرو بن العاص” رضي الله عنه الشام، فخطب النَّاس، وقال لهم: أيُّها الناس! إِنَّ هذا الوجع إِذا وقع إِنما يشتعل اشتعال النَّار، فتجنَّبوا منه في الجبال، فخرج، وخرج النّاس، فتفرقوا حتّى رفعه الله عنهم، فبلغ “عمر” ما فعله “عمرو”، فما كرهه.

 

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية