رحم الله الفريق أول ركن “جمال الدين عمر” وزير الدفاع الذي اختاره الله تعالى إلى جواره، وهو يفاوض حملة السلاح ويذود عن بلاده بالرأي والفكر على مائدة المفاوضات، بعد أن ذاد عنها في ساحات العز والشرف جندياً مخلصاً وفارساً لا يشق له غبار.. مات الرجل في وقت أحوج ما تكون البلاد إلى أمثاله من أصحاب السنان واللسان.. إنه أحد فرسان بلادنا البررة، وإننا مع كامل الرضا والتسليم بقضاء الله تعالى وقدره، على قناعة بأن حكومة الجنوب ليست في وضع سياسي أو أخلاقي بحيث نأَتمنها على كادر بخطورة وزير الدفاع وبرتبة الفريق أول.. إن قيادة مفاوضات شاقة مع حملة سلاح خارجين على شرعية الدولة أمر بالغة الصعوبة وبالغ الخطورة في آنٍ.. خصوصاً أن إقامة جولات تفاوض في جوبا المنحازة تاريخياً ضد الخرطوم، مضافاً إليها زيارات “حمدوك” وتفاهماته ومكاتباته قد فتحت شهية حاملي السلاح، ورفعت سقف مطالبهم إلى أقصى الحدود .. إن العقل والفهم الإستراتيجي يدعو الخرطوم لإعادة النظر في مفاوضات برعاية حكومة الجنوب.. إن جوبا وإلى إشعار آخر تحتضن حاملي السلاح، وهي بؤرة لأجهزة مخابرات وتجسس كبيرة، وهي في حالة فلتان أمني؛ مما يجعلها بلدة غاية في الخطورة، ويتعين على الدولة السودانية أن لا تغامر بمفاوضين بوزن نائب رئيس المجلس السيادي أو وزير الدفاع.. إن الخرطوم أكثر العواصم المؤهلة لأي جولات قادمة، ففيها من الأمن والأمان والحريات وكفالة أمن وسلامة المفاوضين ما لم يتوفر في جوبا أو غيرها.. إن الخرطوم التي استضافت قمة اللاءات الثلاث قبل أكثر من نصف قرن، واستضافت القمة الأفريقية قبل (٤٠) سنة، وقمتين أخريين قبل عقد ونصف، ليست في حاجة إلى خدمات من دولة الجنوب، وهي التي توفر للحركات المسلحة كل الدعم الذي تحتاجه..
إننا لا نتهم أحداً.. ولكننا قطعاً لن نرضى بأن تكون جوبا بعد اليوم وسيطاً مأمون الجانب.. إن اختيار الحركات المسلحة لدولة الجنوب لتكون راعية للتفاوض مع الحكومة مقصود لذاته، فهي تشعر بأن موقفها التفاوضي هناك أقوى من موقف الحكومة، وهو إحساس مخادع وكذوب، ولكنه يعطي إشارات سالبة للأسف، ويطيل من أمد التفاوض وشراء الوقت حتى تثمر خطة “حمدوك” وتؤتي أكلها .. فتكون في حل من كل ما التزمت به أو تضاعف حصادها من التفاوض اللزج..