قسمة السلطة إضعاف للمركز وتقوية للأطراف!!
المرجعية الأساسية لاتفاقية نيفاشا (الكارثة) تمثلها الورقة الأولى لمركز الدراسات الإستراتيجية الأمريكي بواشنطن، وقد قام بإعداد هذه الورقة الأمريكية ثلاثة من اليهود العاملين بالمركز، ورابعهم د. “فرانسيس دينق” ابن السلطان “دينق مجوك” أحد زعماء قبيلة الدينكا. لقد تم تصميم هذه الورقة الأمريكية لإضعاف الحكومة المركزية وتقوية الأطراف تحت دعاوى التهميش وعدم المشاركة في السلطة واتخاذ القرار، وقسمة الثروة، وهذه دعوة حق أريد بها باطل.
المتأمل جيداً لكل بروتوكولات اتفاقية السلام الشامل، يجد أنها تركز على إضعاف المركز، ولتوضيح ذلك تجدر الإشارة إلى أنه لا يمكن تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ أصلاً، لأن هذا التقسيم سيقود إلى إهدار موارد الدولة وتشتيت جهودها تحت الرغبات المستمرة لأبناء الولايات للمشاركة في السلطة. تقسيم السلطة الذي جاءت به اتفاقية نيفاشا قاد البلاد إلى نظام كونفيدرالي مشوه لا مثيل له في العالم، حيث فرضت الحركة الشعبية سيطرتها على كل السلطة بجنوب البلاد منفردة، وشاركت بنسبة أكثر من (33%) من حكم الشمال بالرغم من أن الفلسفة التي قام عليها الحكم الفيدرالي في كل دول العالم هي أن يحكم الولاية أبناؤها، وهذا التقسيم أخل بالنظام الفيدرالي الذي يتكون من الحكومة المركزية والولايات والمحليات، وكانت الحكومة الإقليمية لجنوب السودان مشوهة للنظام الإداري في الحكم كجسم غريب على هيكل الحكم الفيدرالي، وكانت نتيجة هذه الاتفاقية والأسلوب الذي جاءت به انفصال الجنوب. وعلى ذات المنوال تسير اتفاقية الدوحة التي جاءت بالسلطة الإقليمية الانتقالية لدارفور كجسم غريب على هيكل الحكم الفيدرالي بدارفور، أما قسمة الثروة فقد زادت الطين بلة، لأن الثروة القليلة ينبغي السيطرة عليها واستخدامها مركزياً وفق أسبقيات وأولويات محددة متفق عليها، وتقوم السلطة التشريعية بمراقبة تنفيذ المشروعات المتفق عليها، وأما الترتيبات الأمنية فإنها قد أخلت بقومية القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، لأن قوات حركات التمرد مبنية على أسس عرقية وقبلية. ونجد أن كل حركات التمرد تسعى لتطبيق نموذج نيفاشا، وإذا ما سارت الدولة على هذا النهج فإن الحكومة المركزية ستصبح حكومة حركات متمردة مع مرور الزمن!! كما أن كل مؤسسات الدولة ستفقد قوميتها وستضعف كفاءتها.
من سلبيات نيفاشا، أنها كافأت المتمرد الذي خرج على سلطة الدولة، وقد شجع ذلك على انطلاق شرارة التمرد بدارفور وتناسل حركات التمرد بها، لذا فإن نموذج نيفاشا ليس صالحاً ليطبق على كل حركات التمرد، لأن قالب نيفاشا قد صمم لتمزيق وحدة البلاد وتفكيك النظام من الداخل. وقد أعلنت الإنقاذ أنها لن تعطي السلطة لمن يطلبها، لكنها تراجعت عن ذلك وأعطت السلطة لمن يحاول انتزاعها عن طريق البندقية!! حركات التمرد عبارة عن سرطان استشرى بالبلاد ولا يمكن اجتثاثه بالمناصب والترضيات السياسية التي تزكي نيرانه.
وضع السودان قبل اتفاقية نيفاشا كان أفضل بكثير جداً من وضعه الحالي، حيث إن رحى الحرب كانت تدور في أدغال الجنوب، وبعد الاتفاقية أصبح شمال السودان مسرحاً للحرب الجديدة، وميثاق (الفجر الجديد) حوّل الصراع السياسي في السودان حول السلطة إلى ساحة مواجهة عسكرية لإيقاف مشروعات التنمية وتدمير البنية التحتية.. والمشهد السياسي الحالي بالبلاد محتقن سياسياً وعسكرياً ولا يبشر بخير.
خلاصة القول.. إن تطبيق نموذج نيفاشا بحذافيره في مفاوضات السلام الجارية حالياً مع حركات التمرد، سيقود إلى تفكيك النظام من الداخل حسب سيناريو نيفاشا إذا لم يتم تدارك الموقف قبل فوات الأوان وتكون براقش قد جنت على نفسها!! السودان يحتاج خلال هذه المرحلة الحرجة إلى حكومة مركزية قوية تسيطر على كل أجزاء السودان.
ختاماً.. أسأل الله أن يحفظ الوطن الجريح بفعل بنيه الطامعين في السلطة بلا فكر ووعي.. ورحم الله من قال إن الفكر المتخلف أكثر خطورة على الإستراتيجية من السلاح المتخلف..
وبالله التوفيق
فريق أول ركن
حسن يحيى محمد أحمد
زمالة كلية الدفاع الوطني
أكاديمية نميري العسكرية العليا