رأي

عابر سبيل

ابراهيم دقش

وتقولوا لي (كورونا)؟
(1)
عندما عين المشير “جعفر نميري” ألف رحمة تغشى قبره .. الخبير الزراعي العالمي “علي التوم” وزير دولة للإصلاح الزراعي في صدر ثورة مايو في عجز الستينيات أو بداية السبعينيات، عقد الرجل مؤتمراً صحافياً محضوراً قدم فيه رؤيته كيف يكون ذلك الإصلاح الزراعي، دون إجحاف بحق الملاك، ومع حفظ حق أصحاب الأرض وملحها بحقهم كاملاً.. وأتذكر أن وجه له صحافي سؤالاً محرجاً، إن كان المقصود بالعملية كلها البيوتات الطائفية بـ(اللفة) والرأسمالية الوطنية، وكان رده تلقائياً: القرار سياسي، ولا يعني بجهة أو شخوص بقدر ما يعني بإعادة الأمور لنصابها، فالملاك يعوضون، والمزارعون يملكون ويمتلكون.
وفي حديث جانبي مع الوزير صارحته بأنه (تربية) يسار، وإن كان من جناح (المنشفيك) الذي أنشأ الجبهة الوطنية.. وضحك دون أن يعطيني إجابة قاطعة: من غيرنا لها؟
وبهذه الخلفية، مضافاً إليها علاقة حميمة مع المناضلة الجسورة الراحلة “حاجة كاشف” يستحيل أن (أهاجم) وزير الصحة الاتحادي “أكرم علي التوم” حتى وإن أخطأ أو تصرف بعفوية وتلقائية.. فبيننا الوسائل التي (نثبته) بها قبل أن (نسبته).. يا “أكرم” عليك الله.. الكورة (واطا) قبل أن (تشوت) في أي اتجاه!!
(2)
وصلني (واتس) عاجل من الصين من طبيب سوداني يعمل هناك.. أرى من واجبي أن أنقله حرفياً لكم لتعميم الفائدة طالما كان يخص وباء (الكورونا) اللعين، الذي مصدره تلكم البلاد البعيدة والعجيبة.. يقول الرجل نصاً:
حالة كورونا خلاص اتسجلت في السودان وصارت أمراً واقعاً.. فلا هي مزحة أو حمى كنكشة أو كوليرا تنتقل بطرق محددة أو محصورة في مكان واحد.. الكورونا لو لمست حاجة لامسها زول قبلك مصاب أنت ح تمرض.
هل رأيتم كيف أغلقت السعودية حدودها حتى مع أقرب الأقربين من الخليجيين؟
قبل يومين دخل مصري مصاب السعودية (مكة)، وحالياً المصابون من المخالطين وصلوا أربعين.
نحن بنيتنا التحتية صفر وحرفياً ما عندنا معدات أو أماكن عزل، وحرفياً ما عندنا أي حاجة داخل الخرطوم أو خارجها.. وإذا انتشرت الكورونا في السودان، خلاص الهواء ضربنا.. تصوروا إيطاليا بجلالة قدرها والأحسن مننا بمليار مرة قالت أي زول عمره (65) فما فوق ما عندنا ليه شيء.. يأكل ناره بس.. ويا بقى كويس من نفسه، ويا مات الله يرحمه.
ورئيس وزراء بريطانيا طلع في مؤتمر قال استعدوا لوداع أحبائكم.. نحن أحسن من بريطانيا؟
وحكاية أن الفيروس (الكوروني) لا يصيب أصحاب البشرة السمراء والسوداء أكذوبة لا تصدقونها.. وإشاعة أنه يموت بالحر أيضاً أكذوبة.. لأن الفيروس حائم في السعودية سراح مداح.
والحل؟
بيوت بكيات لا.. بيوت عرس لا.. تمرين كورة لا.. صف عيش لا.. صف بنزين لا.. زحمة مواصلات لا.. أقفلوا بابكم عليكم!!
وبالتأكيد أن مرسل الواتس، الدكتور “محمد فضل الله” بكلية الصحة العامة بجامعة الخرطوم، يقصد ما يقوله نصاً وحرفاً!!
(3)
ما كنت أتصور أن يصل بنا الحد في بيوت العزاء أن نعلنها داوية من بعيد لبعيد!.. فقد زارني أحد المعزين الذي عاد من مدينة (المهندسين) بأم درمان، بأن بيت العزاء فيه صيوان فخيم ومقاعد مريحة ومراوح ومكيفات، ورغم ذلك انصرف المعزون عنه واختاروا وضع الكراسي تحت الأشجار على امتداد مساحة المنزل.. يعني بيت العزاء صار طوله (20×20) متر مربع خارج الأسوار!! والبقية تأتي وبالتدريج.
(4)
ورغم كل شيء.. فلا زالت الطرفة تفرض نفسها بدليل ذلك (الرباطابي) الذي يؤجر منزلاً في أحد أحياء أم درمان القديمة.. وقد جاءه صاحب الدار آخر الشهر يسأله دفع الإيجار.. فما كان منه إلا أن واجهه قائلاً:
شوف يا ابن العم.. منذ أول الشهر وحتى الآن، أنا في صف البنزين، والمدام في صف الرغيف والعيال في صف الغاز.. يعني يوم واحد ما نمنا في بيتك دا.. ندفع ليك مقابل شنو؟
(5)
فاجأني “أمين علي إدريس” القاضي برحيله.. فقد صدمت (موتره الكهربي) عربة كبيرة عند معهد (القرشي) بأم درمان في العاشرة صباحاً.. وبقي في المشرحة بمستشفى أم درمان حتى السادسة مساءً حتى عرفوا طريقه إلينا.. هل هذا معقول أو مقبول يا أهل شرطة المرور؟
وخلال اليوم الثاني للعزاء، جاءني من يقول لي: البركة فيكم، جاركم صاحب التكسي “صلاح عبد الله” أسلم الروح قبل دقائق، وكان المرحوم قبل نصف ساعة فقط معي.. وتقولوا لي (كورونا)؟

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية