مدرسة (سُليمى) أساس للبنات ببحري.. تفاصيل واقع غير تعليمي!!
مدرسة (سُليمى) أساس للبنات ببحري، تعد من أهم وأعرق المؤسسات التعليمية بمدينة بحري، ومن أوائل المدارس التي أُنشئت بالمنطقة، تاريخ إنشائها يرجع إلى العام 1950م لتظل ولأكثر من نصف قرن من الزمان تقدم رسالتها التعليمية بصورة منتظمة وكاملة، نهل منها العديد من أبناء هذا الوطن الكبير، وتستوعب الآن أكثر من (700) طالب بالتعليم النظامي والموازي بنسبة نجاح فاقت الـ(90%)، إلا أن ما يحدث الآن داخلها يتناقض تماماً مع مقومات العملية التربوية، فالبنية التحتية للمدرسة دمرت تماماً، الإدارة العامة للتخطيط العمراني بمحلية بحري، أكدت بعد المعاينة أن فصولاً بالمدرسة آيلة للسقوط وبعضها من الجالوص وسقوفاتها من مادة (الاسبستس) المحظور، وأكدت أن بئر السايفون لم تكتمل وطالبت بمراجعتها! أضف إلى ذلك أن مبنى الوحدة الإدارية لمحلية بحري نفسها يدفع بمخلفاته ويتخلص من صرفه الصحي داخل حوش المدرسة!
داخل المدرسة
وصلتنا شكوى من أعضاء مجلس الإدارة بالمدرسة ومجلس الآباء تحوي سرداً وصوراً حسبناها من المبالغات التي تفوق حدود الخيال، لذلك آثرنا الذهاب في زيارة مفاجئة إلى المدرسة، لنرى بأعيننا ما سمعنا مسبقاً.
لم يكن الوصول إلى المدرسة بالأمر الصعب، لأنها تقع في قلب مركز مدينة بحري جنوب (سوق سعد قشرة)، عند مقدمنا تفاجآنا أن سور المدرسة الخارجي به عدد كبير من المحلات كما ذكرت سابقاً، فمساحة المدرسة التي تبلغ أكثر من (6000) متر مربع ربما فتحت باباً لأطماع الآخرين تحت اسم الاستثمار.
فور وصولي إلى المدرسة، جلت بنظري قليلاً لأرصد لافتة كتب عليها اسم المدرسة، ترددت قليلاً لاستوعب أن هذه البوابة التي تطل جنوباً والتي تحتضن كل أنواع القاذورات وتتنفس روائح الحريق اليومي داخل المجرى الأمامي للمدرسة هي البوابة الرئيسة للمدرسة! ليشدني الفضول إلى الدخول ومشاهدة الوضع بصورة أقرب وأكثر صدقاً، وما أن دلفت إلى داخلها وكانت عقارب الساعة حينها تشير إلى العاشرة صباحاً، استقبلتني إحدى الأستاذات وهي تمسك بسكين استعانت به في إعداد (السلطة)، سألتها عن مكتب المديرة لتشير لي بالاتجاه يساراً، وعلى بعد خطوات وجدت مكتباً به حوالي (15) أستاذة اصطففن جنباً إلى جنب تتوسطهن المديرة، وفي إحدى زوايا المكتب يوجد بوتاجاز (وحلة) و(تربيزة) وبعض (الصحون)، سألت المديرة عن المشاكل التي تعاني منها المدرسة، أجابني أنها كمديرة للمدرسة ممنوعة من التصريح إلى الصحافة، وكما يقول المثل (داري على أكل عيشك)، بهذه الكلمات اختصرت المديرة حديثها معي، لألتقي بعدها العم “علي” نائب رئيس مجلس الآباء الذي رافقني في جولة داخل المدرسة بدأناها بـ(الصف الثامن) الذي يفتقد إلى أبسط المقومات الأساسية من شبابيك وغيرها، ويوجد به شق كبير في الحائط الأمامي أسفل السبورة أصبح مدخلاً للأوساخ والأتربة، وداخل الفصل الأدراج الحديدية متهالكة وعددها لا يكاد يتعدى عدد أصابع يديك إلا قليلاً، بالإضافة إلى أن الصدى أكل عليها وشرب، وفي أخر الفصل الحوائط تصدعت بسبب الشقوق، وخلا الفصل تماماً من وجود المراوح والإنارة الكافية، طالبات (الصف الثامن) يقمن بالنظافة بمفردهن وفق تسجيلهن بدفتر النظافة الذي وضعنه الطالبات بأنفسهن فيما بينهن بسبب عدم وجود (فراشة) تهتم بنظافة المدرسة.
إلى جوار (الصف الثامن) يقع (الصف الرابع) الذي خلا تماماً من وجود الطالبات، وبالسؤال عن السبب أدركنا أنهن مشغولات بعدة أمور، فقد اتجهت “شهد” و”علوية” و”نضال” وأخريات إلى تنظيف دورات المياه باجتهاد منهن. توجهنا إلى حيث توجد دورة المياه وجدناهن مجتهدات في ذلك، أدخلت “علوية” الصغيرة طالبة (الصف الرابع) يديها في كيس أصفر وشاركتها “سارة” العمل بحمل المكنسة، وأخرى عملت على جلب الماء، أما الحمامات حدث ولا حرج، وهنا ربما عجزت المفردات عن وصف درجة تلك القذارة، وبسؤالي للطالبات عن أسباب إقبالهن على تنفيذ مثل هذه الأعمال، أجبن أنهن لجأن إلى ذلك بسبب حاجتهن الماسة إلى استخدام الحمامات، ولأن إدارة المدرسة لا تقوم بذلك، لذا قررن جمع بعض الأموال لشراء المنظفات لإغلاق الحمام بـ(طبلة) بعد تنظيفه، وعلمنا لاحقاً أن أصحاب الدكاكين حول المدرسة اعتادوا استخدامها.
اهمال
داخل (الصف الأول)، لاحظنا أن أسلاك الكهرباء عارية تماماً من أي عازل للحماية، أما السقف، فمنظره العام يؤكد احتمال انهياره في أية لحظة وارد جداً. أما (الصف الثاني)، رغم أن السبورة كتبت عليها جملة (تعال يا حسن نصلح الباب)، وكلمات من شاكلة (مكسور ونصلح ومنشار ومطرقة)، إلا أنه قد يتبادر إلى الذهن أن هذه الكلمات قد تشكل غاية الأمنيات التي تحلم الطالبات بوجودها داخل المدرسة، فغالبية الأبواب إن وجدت مكسورة تحتاج إلى ترميم وإصلاح، فضلاً عن الأسقف المستعارة والمتآكلة. رغم أن (الفصل الخامس) يقع جوار (بسط الأمن الشامل) إلا أن المراوح سرقت منه بفعل فاعل، استغل سور المدرسة ليقفز من فوقه ويدخل إلى الفصل ويسرق المراوح وفق ما أكده لنا عم “علي حمد خليل” نائب رئيس المجلس التربوي بالمدرسة. أما الناحية الغربية للمدرسة، بها ثلاثة فصول أنشأها مستثمر بالاتفاق مع المحلية منذ أكثر من عشرة أعوام، إلا أن المستثمر انشأ الفصول بسقف من (الصبة الخرصانية) بلا أعمدة أو قوائم، وكانت نتيجة التشييد العشوائي أن الفصول الآن على وشك الانهيار.
جنوب المدرسة طفح للصرف الصحي إثر انهيار بئر سايفون قديمة الأمر الذي اضطر بعض الطالبات إلى اللجوء لقضاء حوائجهن في العراء خلف الأشجار، وما زاد من تلوث المدرسة. إن مخلفات المحلات التجارية بما فيها مكاتب الوحدة الإدارية لمحلية بحري تتدفق داخل المدرسة بما في ذلك مياه الصرف الصحي، ومخلفات المحلات التجارية من بقايا (التمباك) وأكوام القمامة.
ورغم أن تاريخ إنشاء المدرسة يرجع إلى العام 1950م وأنها تستوعب أكثر من(700) طالب للتعليم النظامي والتعليم الموازي، إلا أن الواقع يؤكد أن المدرسة لم تصن من قبل أية جهة منذ أكثر من (25) عاماً، الأمر الذي جعلنا نطرح الأسئلة على عدد من الجهات أولها المعلمات، حيث أكدن لي أن من تبتعثه الوزارة إلى العمل في المدرسة يكون مغضوباً عليه لدرجة أننا أطلقنا عليها مدرسة التأديب، حيث أكدت إحدى المعلمات لـ(المجهر) أنها لم تتجرأ على دخول الحمام منذ أكثر من ثلاثة أعوام قضتها بالمدرسة، فيما ذهبت أخرى لتؤكد أنها كثيراً ما تعجز عن ايصال معلومة للطالبات بسبب الأصوات العالية لمكبرات الصوت التي تطلقها محلات الكاسيت المجاورة للمدرسة. أما السيد “عبود عبد السيد” عضو المجلس التربوي للمدرسة و”بدر الدين عباس” سكرتير اللجنة الشعبية، فقد أكدا لنا أنهم كمجلس آباء وأعضاء اللجنة الشعبية، خاطبوا عدة جهات بدءاً من السيدة “مثابة حاج حسن” رئيس لجنة التعليم والصحة بالمجلس التشريعي بولاية الخرطوم والسيد معتمد محلية بحري، الذي أحطناه علماً بأن المدرسة تعاني من الإهمال، بالإضافة إلى انهيار أحد فصولها منذ عام 1988م، هذا بالإضافة إلى وجود عدد من الفصول الآيلة إلى السقوط. جميع المعلومات التي أوردناها في هذا التحقيق ممهورة بتوقيع العميد معاش “جمال محمد الحسن الطيب” رئيس اللجنة الشعبية لحي (الإنقاذ جنوب)، وأيضاً خاطبت اللجنة الإدارة العامة للتعليم الأساسي بمحلية بحري لتتواصل الجهود لرفع الأمر إلى السيد رئيس الجمهورية في خطاب تفصيلي يوضح الوضع العام للمدرسة، ومدى الحالة الرديئة التي وصلت إليها.
ليبقى السؤال عن الأسباب والدوافع التي أدت إلى وصول المدرسة إلى هذا التدهور في الخدمات، لدرجة أن الطالبات بتن يهربن من تلقي التعليم بها. هذا الاهمال هل هو متعمد من قبل جهات استثمارية قصدت العمل على تلجين المدرسة بغرض الاستفادة من مساحتها وموقعها المميز لاستخدامها لأغراض تجارية؟..هذه الحيثية أكدتها لنا مصادر رفضت الكشف عن هويتها؟ بالإضافة إلى خطاب رسمي دفعت به اللجنة الشعبية لحي (الإنقاذ) ببحري إلى رئيس لجنة التعليم والصحة بالولاية، أشارت فيه إلى إرسالهم مندوب إلى أراضي بحري لاستخراج شهادة البحث الخاصة بالمدرسة، أفادنا موظف بأراضي بحري أن المدرسة تم نزعها، وتم تحويلنا إلى المدير التنفيذي الذي أكد لنا أن المدرسة تم نزعها منذ خمس سنوات ولم نبلغ بذلك من قبل، ولم نعلم إلى اللحظة الجهة التي قامت بالنزع!
مخالفات
إن ما يحدث بالمدرسة يتناقض مع القرار الإداري رقم (10) وقرارات الوالي لسنة 2004م الذي يراعي في انشاء المرافق الاستثمارية بالمدارس الأسس التي جاءت في البند (ج)، وهي أن تقتصر أغراض المرافق على الأغراض التالية، إما أن تكون مكتبة أو محل اتصالات أو مواقع انترنت أو طباعة أو ملابس أطفال، ولا يجوز التصديق لغرض آخر إلا بموافقة من وزير التخطيط العمراني والمرافق العامة بتوصية من معتمد المحلية المختصة، الأمر الذي يتناقض وحال الـ(54) محلاً تجارياً الموجودة بالمدرسة، والتي تحولت أغراضها التجارية إلى محلات لـ(التمباك) وأخرى للاستريوهات، والبعض الآخر للإسفنج والكافيتريات!
كما أن قرارات الولاية تنص على أن ريع الاستثمار يجب أن يوزع بحيث تكون (75%) لصالح المدرسة المقام بها المرافق، على أن يوظف للصيانة وإصحاح البيئة بالمدرسة و(25%) لإدارة المرحلة بالمحلية، ولا يجوز الإيجار من الباطن أو تحويل ملكية المنفعة بموافقة كتابية من المعتمد، إلا أن ذلك متناقض تماماً مع الوضع والواقع في المدرسة.
المدير التنفيذي لمحلية بحري “عماد الدين خضر” أكد لـ(المجهر) أن المحلية على دراية وعلم تام بما يحدث داخل المدرسة، وأنها سوف تطرح عطاء بالصحف ينشر في الأشهر المقبلة لتنفيذ مبانٍ بالمدرسة وتقسيم مساحتها إلى أجزاء ليخصص جزء للبنين وآخر للبنات وآخر تجاري، تُشيد بنظام الطوابق وتحوي حوالي(16) فصلاً وعدد من المكاتب، إلا أن أهالي المنطقة وأعضاء المجلس التربوي اعترضوا على التقسيم شكلاً وتفصيلاً، مؤكدين أن رسالة التعليم تسمو على أي غرض تجارى.