*تقرير ـــ هبة محمود سعيد
لم يكن يوم أمس (الاثنين) كسائر الأيام الأخرى. ففي الوقت الذي كان يتأهب فيه السودانيون لسماع أخبار مبشرة بشأن تحسن الأوضاع الاقتصادية في أعقاب تشكيل آلية لإدارة الأزمة برئاسة نائب رئيس مجلس السيادة “محمد حمدان دقلو”، وحملاته (أمس الأول) ضد تجار العملة والمضاربين فيها، آفاقوا ودون سابق إنذار على خطب جلل، وحادث غير متوقع أو مألوف في خارطة العمل السياسي في السودان، وهو محاولة فاشلة لاغتيال رئيس الوزراء الدكتور “عبد الله حمدوك”، أسفل جسر القوات المسلحة ببحري أثناء ذهابه لمقر عمله بمجلس الوزراء.
المحاولة أعادت لهيب الحماس الثوري إلى الشارع مجدداً، فخرج المواطنون عقب دعوات من قوى الحرية والتغيير للتجمع في ساحة الحرية. كما رسمت عدة احتمالات وسيناريوهات لاغتيال رئيس الوزراء وتوقيتات ما جرى.. فما هي الحقيقة، ومن الذي يقف وراء الحدث؟ وإلى من تشير أصابع الاتهام؟
*أولى السيناريوهات
ما إن تم الإعلان عن محاولة الاغتيال، حتى توجهت أصابع الاتهام نحو النظام السابق وقياداته بأنهم وراء ما جرى، وتعالت الأصوات وتنادت بأن التهاون بشأن رموز الإنقاذ المعتقلين في سجن كوبر حتى الآن دون تقديمهم للمحاكمة العادلة، كفيل بوقوع الكثير من الأحداث لإفشال الحكومة الانتقالية عقب زوال حكمهم، سيما أن بعضهم يرى في المنظومة الإسلامية التي كانت حاكمة أنها (إرهابية)، لكن وبحسب أستاذ العلاقات الدولية، المحلل السياسي الأستاذ “الرشيد محمد إبراهيم” في حديثه لـ(المجهر) فإن قيادات النظام السابق من المستبعد أن يقدموا على مثل تلك الخطوة التي وصفها بالانتحارية، قائلاً: (هذه خطوة خطيرة غير محمودة العواقب، فالمؤتمر الوطني لديه كوادر مشبعة بالمعارك والحروب تفرق عن كل الكوادر السياسية الأخرى، لكن لأن الخطوة خطرة فهي لا تشبههم).
ويشكك مراقبون في حقيقة المحاولة، ويعتبرون أن المقصد الأساسي من ورائها هو الدفع نحو تقديم رموز النظام السابق لمحاكمات عاجلة واجتثاث دولتهم العميقة التي تسعى لإفشال الحكومة الانتقالية عبر خلق أزمات مفتعلة.
*العودة لدائرة الضوء
بعيداً عن السيناريو (الكيزاني)، فقد رسم البعض سيناريو آخر، وهو أن المقصد من محاولة الاغتيال هو إعادة البريق لرئيس الوزراء، وإعادة روح الثورة بعد أن اختطف نائب رئيس المجلس السيادي الفريق أول “محمد حمدان دقلو” (حميدتي) الأضواء باختياره رئيساً لآلية حل الأزمة الاقتصادية التي تم تشكيلها يوم (الجمعة) الماضية، فبدا وكأنه المخلِّص للسودان من الانهيار في ظل حكومة جميعها (تكنوقراط)، ورئيس وزراء اقتصادي من المقام الأول. وقد أثارت خطوة اختيار نائب رئيس مجلس السيادة رئيساً للآلية استهجان قوى الحرية والتغيير، كما أشعلت الأوساط السودانية المختلفة لاختيار الرجل الذي طالما لاحقته اتهامات الثوار بأنه وراء فض اعتصام القيادة العامة بالخرطوم في يونيو من العام الماضي.
أصابع الاتهام أيضاً توجهت نحو الحزب الشيوعي السوداني لتصريحاته المعلنة برفضه لرئاسة “حميدتي” للآلية، واختياره يعني فشل الحكومة الانتقالية، وفشلهم جميعاً كقوى يسار أحدثت تغييراً كبيراً باقتلاع نظام استمر لثلاثة عقود، لكن وفقاً المحلل السياسي “الرشيد محمد إبراهيم” لـ(المجهر) فإن جهات خارجية وراء الحدث تستهدف القيم السودانية، لأن عمليات الاغتيال ليست من أدوات العملية السياسية في السودان ــ بحد تعبيره. ويعتبر “الرشيد” أنه ما من حزب لديه المصلحة في إشعال الوضع داخل البلاد، لأن جميع الأحزاب لها تجارب مع العنف كانت خسائرها أكبر من مكاسبها. ويقول: (هناك جهات خارجية من مصلحتها أن يظل السودان في حالك انقسام، ومن هذا الباب، يجب أن تكون الحكومة أكثر وعياً لتحويل الحدث لفرصة للتأكيد على وحدة المكون السياسي السوداني).
*اتهام الشريك
لم تتوقف أصابع الاتهام في حد الإشارة نحو النظام السابق والحزب الشيوعي السوداني فحسب، ولكن تخطتها إلى اتهام المكون العسكري الشريك في الحكم لاعتبار أنه المسؤول عن المنظومة الأمنية والاستخباراتية في البلاد، والمعني بعمليات التأمين. وقد رسم البعض سيناريو ما حدث بأنه نهاية للفترة الانتقالية التي يمثل “حمدوك” رمزيتها، ومن ثم العودة إلى دائرة الحكم العسكري مجدداً بذريعة تأمين البلاد، لكن ووفقاً للخبير الأمني “حنفي عبد الله”، فإنه اتهام لا أساس له من الصحة؛ نسبة لوجود تناغم كبير بين المكونين المدني والعسكري، مشيراً إلى أن هناك جهات ــ لم يسمِّها ــ تريد إرباك الموقف وإحداث فتنة، وعكس صورة شائهة عن أن السودان بلد إرهابي، وأن حكومته الانتقالية عاجزة عن إدارة البلاد. وشدد في حديثه لـ(المجهر) على ضرورة إعادة دائرة الحمايات بجهاز الأمن للعمل مجدداً، لأن هذه الدائرة تعمل على تأمين المواكب الرئاسية والشخصيات المهمة. وقال هناك جهات منتفعة ولديها مصالح وتقاطعات سواء كانت جهات داخلية أو خارجية، ويجب على الحكومة تفويت الفرصة لمن يود زرع الفتنة بين المكونين. وأضاف: (مثل هذه الاتهامات خطيرة وتشعل الفتنة).
*سد النهضة.. سيناريو الأشقاء
سيناريو آخر رسمه البعض وذهبوا به خارجياً، وهو أن محاولة الاغتيال التي تعرض لها رئيس الوزراء “عبد الله حمدوك” أمس، نسبة لموقف السودان من بيان جامعة الدول العربية.