عز الكلام

رسالة في بريد الجنة

أم وضاح

عزيزي ورفيقي “صلاح دهب”

بعد التحية والسلام

أما بعد

أكتب لك وأنت في جنات الخلد وأنا أثق أنك هناك، لأنك تشبه أهل الجنة وقد كنت نظيفاً عفيفاً تخاف الله، لا تكذب ولا تنافق ولا تخون، لم يعرف قلبك الحسد ولا الحقد، تفرح للآخرين كما تفرح لنفسك، تسعى بين الناس بالخير، تصل الأرحام وتقضي الحاجات، ما جاءك شخص ورجع مكسور الخاطر أو مرفوض الطلب.

من يصدق أن عامين كاملين لم أراك فيهما، وأنا وأنت ما كنا نفترق ولو لساعتين في اليوم الواحد، لكنها إرادة الله الغالبة وحكمه الذي لا يقبل إلا المثول له وطاعته، لأنه لو كان بيدك لما تركتني ورحلت، ولو كان بيدي لما تركتك تذهب وحيداً وقد رافقتك في كل المشاوير، وعبرت معك كل العقبات والمتاريس، ونزلنا سوياً في محطات التأمل والتزود بعبارات المحبة والمحنة الداعمة لكلينا ولأسرتنا الصغيرة.

عامان يا رفيقي مضيا وجرحك لا زال نيئاً يصيبني كثيراً بالسهر والحمى لكنني أتجلد وأتصبر حتى لا أخذلك، والأمانة التي تركتها في عنقي أعلم كم هي غالية عليك، وكيف أنك طوال سنوات حياتك بذلت نفسك لإسعادها وأوقدت أصابعك شموعاً لها وحرمت نفسك من القليل لتستمع هي بالكثير.

عامان مضيا وكل صباح أذكر نفسي بوصاياك، وكل خطوة أخطوها تركت لي فيها رسالة وإشارة وكأنك كنت على موعد مع الرحيل، تعلمه ولا نعلمه.

عامان مضيا وكل زوايا بيتنا الصغير تشتاق لسماع صوتك ولضحكتك المجلجلة الصافية النابعة من القلب.

عامان مضيا وكلما رن هاتفي وأنا في العمل أو في مناسبة، أظنك أنت المتصل وقد كنت تتفقد أحوالي على رأس الساعة وكأنني رضيع لا يقوى على فراق أمه.

عامان مضيا وكل صباح نبحث عنك في أصدقائك ومقالاتك القديمة ونحتفظ ببقايا عطر يخصك لا زال في قارورة نتنسم رائحتك منه.

عامان مضيا وتغيرت فينا أشياء كثيرة إلا حبنا لك، وهو حب لم يزده الفراق إلا اشتعالاً وكل أولادك يجتهدون أن يصبحوا صالحين ليكونوا ذلك الولد الذي يدعو لك، فيجد أبواب السماء مفتوحة.

عامان مضيا وما ضيعنا جمعة واحدة نزورك فيها وقلبي يراك تستقبلنا هاشاً باشاً بروحك الطيبة النقية ووجهك الصافي وابتسامتك الصادقة.

عامان مضيا وكلما زرتك أسأل نفسي أي صلاح فيك يا “صلاح” وقد كانت أمنية حياتك أن تبني بيتاً يجاور مسجداً،  وها هو قبرك (بيتك الأبدي)، يجاوره  مسجد.

عامان مضيا وكل ما زرت قبرك أدركت لِمَ كنت زاهداً قانعاً راضٍ بالقليل، لأنك تعلم أن آخرها كوم تراب.

عامان مضيا ورحيلك المفاجئ جعلنا نكتشف ما حولنا، وحزني كبير أنك لم تعرف كم من الناس يحبونك ويذكرونك بالخير والثناء.. حزني كبير أنك لم تعرف كم من الأوفياء لك الذين يصلوننا حباً فيك وبراً بك.

عامان مضيا يا رفيقي وكل نجاح أصيبه أنسبه لك، اعترافاً بفضلك عليّ ودفعي دفعاً لأكون ما أنا عليه.

عامان مضيا وعهدي معك أن أقود السفينة كما كنت بحكمة وتجرد حتى تصل إلى بر الأمان.

عامان مضيا ولا زلت كبيرنا ومرجعيتنا وتمامة قولنا وموجه خطاوينا.

عامان مضيا وتمر عشرون مثلها وأنت بيننا حي ترزق، لم يذهب منك إلا الجسد والحواس.

وفي نهاية رسالتي اطمئن نحن بخير، لأننا في أمان الله.

بالمناسبة نسيت أقول ليك حبيبتك “وجن” جابت لينا “صلاح” صغير يشبهك تماماً، بذات العيون الصافية والابتسامة الصادقة وبوادر أنفة وعزة نفس لا يشبهك فيها أحد، أقول له دائماً إنك غير محظوظ لأنك ما شفت جدك “صلاح دهب”.

وحتى رسالة تانية أو لقاء يجمعنا في جنات الفردوس، كن في رعاية الله وحفظه مع الصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقاً.

رفيقة دربك المخلصة (أم وضاح)

 

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية