فنجان الصباح - احمد عبد الوهاب

خارطة طريق للخروج من عنق الزجاجة

أحمد عبد الوهاب

علبة الكبريت المستوردة من الهند ووقعت في يدي بالأمس.. لخصت لي أزمة السودان الاقتصادية الطاحنة.. سودان يستورد علبة الكبريت، ويفاخر بإنتاج طائرات (الدرون) المسيرة.. ويستورد البلاستيك من مصر وينشئ مصنع صافات.. سودان يطفش الكفاءات ويستقدم الشغالات والخبراء الأجانب في فنون التسول والشحدة.. ولك الله يا بلدي من أزمة فقدان الأمانة، وإستراتيجية ود اب زهانة.. وخطل السياسات واختلال الأولويات.
إن بلاداً تفخر بإنتاج الطائرات والسيارات.. هي نفسها البلاد التي لا تزال تستورد الجلاليب والعمم والشالات.. بلاد تمنع استيراد قطع غيار السيارات السكند هاند.. وتسمح باستيراد الملابس المستعملة.
إلى زمن قريب كان ثمن الجلابية المصنوعة في (يوهان)، أقل من سعر حياكتها عند ترزي في أم درمان.
إن واحدة من الثمار المرة لخطل السياسات واختلال الأولويات وفداحة الجبايات.. ارتفاع تكلفة الإنتاج.. هو إخراج منتوجاتنا من متناول يد المواطن في السوق المحلي.. وإخراجها من الأسواق العالمية.. إن قارورة المياه المعدنية بعشرة جنيهات في عاصمة ترقد على ست ضفاف، وتجري من تحتها الأنهار.
لقد دمروا برفع الحماية، وبمضاعفة الجباية الصناعة الوطنية تماماً.. إن لدينا مدناً صناعية مفخرة تعج بآلاف المصانع والمعامل والورش بقيمة سوقية بالدولار تزيد عن عشرات المليارات.. ترقد اليوم وإلى إشعار آخر.. جثث هامدة.. أو مخازن هي عبارة عن قنابل موقوتة، مثل مصنع السيراميك المنكوب.. تحتاج فقط لعود ثقاب من علبة كبريت مستوردة من الهند.. إن هذه المدن الصناعية كانت كفيلة بجعل بلادنا قاطرة صناعية أولى جنوب الصحراء.. ولكن كيف نصنع مع مؤامرة كبيرة رأس رمحها جباية غير رحيمة، ورسوم مجرمة وعداء شديد، وحقد أسود ضد كل صناعة وطنية.. إنها عداوة من جهات حاقدة في الدولة، ولوبيات ماسونية نافذة في السوق.. تحارب الربح الحلال لصالح الكوميشن الحرام.. لا تريد به بدلاً.. ولا تبغي عنه حولاً.. ولا تهمها مصلحة الوطن ولا فائدة المواطن.
إلى مصنع كالأسطورة بجنوبي الخرطوم، متخصص في إنتاج الأنابيب، شددت الرحال قبل (١٥) عاماً.. المصنع العملاق مصمم لإنتاج أصغر ماسورة مياه منزلية إلى أنابيب البايب لاين العملاقة.. وينافس على الأول إفريقياً وعربياً.. جاء “البشير” لافتتاحه ومعه وزراء المالية والنفط والصناعة.. وقال لهم لماذا وقعنا في اتفاقيات بعدة مليارات في آخر زيارة لنا لبكين؟!.. وقالوا بصوت واحد (لاستيراد أنابيب).. فكان رده (عظيم.. لقد أنشأنا لها مصنعاً وطنياً.. فلا أسمعن بعد اليوم، بأن دولاراً واحداً ذهب لاستيراد ماسورة).. قلت لهم هذا كلام عظيم من رجل دولة.. فهل تم تطبيقه؟.. هل منعوا الاستيراد.. هل اتفقوا معكم على صفقات مماثلة؟ وقالوا لي؛ للأسف فعلى رغم مرور سنوات لا زلنا في الانتظار، لأن مسلسل الاستيراد ما زال مستمراً!!
والقصة تلخص للأسف الشديد، أزمة الاقتصاد، وأزمة الصناعة، وأزمة الأخلاق.
لن أخاطب مجلس الوزراء، حتى يتم تشكيله من كفاءات حقيقة، أو يغور في (٦٠) داهية.. ولكنني أخاطب المجلس السيادي رئيساً وأعضاء.. وأطلب منهم إغلاق باب الاستيراد بالضبة والمفتاح.. إلى إشعار آخر.. وإحكام إغلاق الحدود، فلا تهريب للخارج ولا تخريب للداخل.. وأن يجمع المجلس بعدها أهل الإنتاج الزراعي والصناعي والحيواني، ويطلعهم على خطورة المرحلة الراهنة، وتحديات الفترة القادمة.. ويؤكد لهم بما لا يدع مجالاً للشك، أن الدولة ستكون جادة في حماية الصناعة والإنتاج الوطني.. جديتها في منع الاستيراد إلا لـ(الشديد القوي).. فهل أنتم يا عمالقة الصناعة.. ويا رفاق الشيخ “مصطفى الأمين” ويا إخوة الدكتور “خليل عثمان” على قدر المهمة.. هل أنتم على قدر عظمة التحدي لتحقيق شعار (صنع في السودان)؟.. هل أنتم جاهزون لـ(سودنة) السوق السوداني، ومنحه الاستقلال الكامل والشفاء التام من (الكورونا) الآسيوية.. وفك أسره من ربقة الإنتاج الصيني والتايواني.. بداية بسودنة الكبريت والجلاليب إلى إنتاج الأنابيب..
وللحديث صلة بحوله تعالى.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية