بدرين.. يضع رسائل الحقوق على طاولة الحكومة!!
كعادة كل خبراء حقوق الإنسان الذين يتخذون صفة مستقل ويبتعثون إلى السودان، جاء حديث خبير الأمم المتحدة المستقل عن وضع حقوق الإنسان متسماً بالشفافية التامة، ولأن الاستقلال هو المعنى المعاكس للتبعية، فإن البروفيسور “ماشود اديبايو بدرين” ألقى الضوء على كل مفاصل زيارته الحالية دون أن يخشى شيئاً، لأن التفويض الذي منحه إياه مجلس حقوق الإنسان والمُجدد في سبتمبر الماضي لعام آخر يتطلب منه وضع تقييم حقيقي لمجمل الوضع الإنساني في البلاد، وهو إذ يفعل ذلك يكون قد تمكن من تحديد احتياجات الحكومة السودانية فيما يلي العون الفني وبناء القدرات، وذلك توطئة لرفع تقريره النهائي عن وضع حقوق الإنسان في السودان بعد انتهاء فترة عمله في سبتمبر المقبل.
ولأن الزيارة الثانية للخبير المستقل جاءت عطفاً على زيارته الأولى التي سجل خلالها نقطة لصالح الحكومة بإنشائها مفوضية حقوق الإنسان، فإن الرجل وفي جولته الحالية أرسل رسالة واضحة للحكومة السودانية، بأن توفي وعلى وجه السرعة بالتزاماتها المالية تجاه المفوضية حتى تتمكن من تنفيذ المهام الموكلة إليها. وفي الخرطوم العاصمة ركز الخبير المستقل نظره على انتهاكات حقوق الإنسان المتمثلة في قمع الحريات والإعتقالات السياسية ومنع حرية التعبير، وأكد أن جل أصحاب المصلحة الذين التقاهم، قد أثاروا مسألة الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان من قبل الأجهزة المختصة، وشرح البروف “بدرين” أنه ناشد الحكومة لاتخاذ مسألة الانتهاكات على محمل الجد، وأن الجهة المختصة بذلك بحسبان أنها مؤسسة من مؤسسات الدولة، عليها أن تضع في الاعتبار حقوق الإنسان عند تنفيذ مهامها، كما أرسل مناشدة أخرى للحكومة تتحدث بصورة مباشرة عن اعتقال واحتجاز أجهزة الأمن لرموز المعارضة السياسية وغيرهم من الأفراد، لاسيما وأن بعض المعتقلين يعانون من مشاكل صحية ويحتاجون إلى عناية طبية عاجلة، ناشدها بإطلاق سراحهم فوراً أو توجيه التهم إليهم وتقديمهم للمحاكمة.
وعلى الرغم من أن رئيس جهاز الأمن الفريق “محمد عطا” قد أحاط الخبير الأممي في حقوق الانسان علماً بأنهم يتصرفون وفق القانون، كما نقل عنه البروفيسور “ماشود أديبايو بدرين” أمس في مؤتمر صحفي، إلاّ أن الخبير المستقل وأستاذ القانون بجامعة لندن في المملكة المتحدة، شدد على أن القانون الذي يتعاملون به فيه انتهاكات لحقوق الإنسان.
ولم ينسَ الخبير الأممي تجديد مطالبته للحكومة باحترام الحق في حرية التجمع وحرية التعبير وحرية الصحافة، وأيضاً خلق بيئة مواتية، وفتح خطاب سياسي حول العملية الدستورية الجارية، بجانب السماح لمنظمات المجتمع المدني بالعمل بحرية، مبدياً في ذات الوقت أسفه على تضييق الخناق الذي تمارسه الحكومة على بعض منظمات المجتمع المدني لدرجة منعها من تقديم شكوى إلى اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في الخرطوم، معتبراً أن مثل هذا المنع يمثل عائقاً واضحاً يعترض عمل اللجنة. وعقب لقائه مع المدعي الخاص لجرائم دارفور انتابه قلق شديد نتيجة محاكمة المتهمين بجرائم دارفور أمام محاكم عادية، وأن الموظفين المعنيين بحقوق الإنسان منعوا من الوصول إلى هذه المحاكمات، وحث الحكومة على ضمان تفعيل المحاكم الخاصة بالجرائم المرتكبة في دارفور وفق ما نصّت عليه وثيقة الدوحة للسلام في دارفور، ومنح المراقبين الوطنيين والدوليين الوصول دون عوائق إلى المحاكمات الجارية. ولم يفت على الخبير الحقوقي ارسال رسائل ايجابية يحفذ فيها الحكومة السودانية على تعزيز جهودها لتحسين وضع حقوق الإنسان في البلاد والعمل على مواجهة التحديات التي حددت آنفاً، لأن هذه التحديات تشكل أساساً لتحديد مجالات المساعدة التقنية وبناء القدرات اللازمة لتحسين وضع حقوق الإنسان في البلد، مشيراً إلى أن حكومة السودان قد أتخذت المزيد من الخطوات حيال تنفيذ توصيات الاستعراض الدوري الشامل، بما في ذلك تنظيم ورش عمل في ولاية (الجزيرة) و(النيل الأزرق) و(الولاية الشمالية) وولاية (نهر النيل) وولاية (البحر الأحمر) لتعريف هذه الولايات بالإطار الزمني ونقاط إتصال توصيات الاستعراض الدوري الشامل.
وفصّل البروفيسور “ماشود” في قضايا أخرى تخص دارفور استرعت اهتمامه، شملت سلامة النازحين العائدين وحماية المدنيين في مناطق الصراع والإفلات من العقاب، كما أن حماية حقوق المرأة والطفل هي أيضاً من القضايا ذات الاهتمام . فيما لم ينفِ الخبير المستقل دخول عناصر مسلحة من مالي إلى (شمال دارفور)، لكنه في ذات الوقت لم يتحدث عن معلومات أكيدة تؤكد صحة تلك المعلومة أو نفيها، وقال إنه وأثناء حديثه مع مدير الأمن في بعثة اليوناميد ذكر له وجود إشارات غير مؤكدة بدخول عناصر من دولة مالي. وامتدح انشاء إصلاحية حديثة جديدة للأحداث ومباني محكمة جديدة في الولاية، معتبراً إياها خطوات في الاتجاه الصحيح. كما تم التأكيد على الحالة السيئة للسجون. ونقل حالة التوافق في الآراء بين جميع الذين التقاهم بأن السلام والأمن في دارفور هما الشرطان اللازمان لضمان تحسين حالة حقوق الإنسان، وأن التنفيذ الكامل لـ(وثيقة الدوحة) للسلام في دارفور أمر ضروري، وأرسل مناشدة إلى جميع أصحاب المصلحة على تجديد التزامهم في هذا الصدد. كما حث أيضاً الجماعات المسلحة التي لم توقع بعد على الاتفاق، التوقيع عليه خدمة للسلام الدائم والاستقرار في المنطقة.