ربع مقال

عالم بلا عقل يعقل ولا قلب يرحم

د. خالد حسن لقمان

أمس الأول راودني شعور بالضحك، وأنا أستمع إلى رئيس وزراء اليونان “كيرياكوس ميتسوتاكس” الذي بدا منفعلاً على نحو واضح، وهو يهاجم تركيا متهماً إياها بأنها أصبحت المهرب الرسمي للاجئين إلى الاتحاد الأوروبي، ومضى الرجل وصدره يعلو ويهبط ليقول: (إن من واجباته حماية حدود وسيادة بلاده)، لكنه عاد وقال: (إن تركيا كانت بحاجة للمساعدة لكن يجب أن لا تبتز بهذا الاتحاد الأوروبي).. قال هذا وهو ينظر لكل من رئيسة المفوضية الأوروبية “أورسولا فون دير لاين” ورئيس المجلس الأوروبي “تشارليز ميتشل” اللذين كانا حضوراً أمام “متسوتاكس” في مؤتمر صحفي عقده في منطقة “إيفروس” قرب الحدود اليونانية التركية، وبالطبع فإنه لا يمكن قراءة تصريحات هذا الرجل دون اتهامه بالسعي لتأليب الاتحاد الأوروبي ضد “أوردوغان” وبلاده.
وقد بلغ انفعال رئيس الوزراء اليوناني هذا حداً بعيداً عندما
هاجم اللاجئين بقوله: (الرسالة واضحة لا تحاولوا الدخول إلى اليونان بطريقة غير شرعية لن تنجحوا وأنتم مسؤولون عن خياراتكم)، ومع هذا الانفعال عاد ليذكر الأوروبيين بأن أزمة اللاجئين على حدود بلاده مع تركيا قضية سياسية دولية. وأشار إلى أن اليونان منعت (24) ألف لاجئ من الدخول إلى أراضيها خلال الأيام الماضية، كما اعتقلت العشرات، وأنقذت بعضاً منهم. وفي ختام حديثه وجه هذا الرجل المنفعل ــ الذي (جاب أوردوغان كثافته) ـــ اتهاماً غاضباً للاتحاد الأوروبي، قائلاً لهم: (التضامن لا يكون بالكلام وحتى اللحظة فشلت أوروبا في إيجاد حل لهذا الوضع الخطير) .. هذا الانفعال الكلامي الغاضب يؤكد أن “أردوغان” قد نجح في رد تجاهل الأوروبيين له مع كل صراخه الذي أطلقه خلال الفترة الماضية لمساندته في موقفه السياسي والدبلوماسي، وأخيراً العسكري، عندما قرر التحرك وحده في سوريا دون مساندة من حلفاء بلاده الأوروبيين) .. وبهذا التصرف الذي أعلنه “أردوغان” بنفسه أخيراً عندما قال: (لن نحبس بعد الآن كل من يريد عبور الأراضي التركية إلى خارجها (وقد أبر بالفعل بما قاله) يكون الرجل قد وضع العالم كله وليس الأوروبيين فقط في أسوأ وضعية مع تدفق الآلاف من الفارين يومياً من حرب سوريا وهو وضع مفزع لهؤلاء الأوروبيين على نحو خاص أكثر من غيرهم.. ما أريد أن أقوله هنا هو أن هذا العالم وبالرغم من تطوره في كل شيء، إلا أنه عجز عن إيجاد العقل والفهم الدولي الجمعي للتعامل مع ظواهر العصر وقضاياه ابتداءً من حروباته ونزاعاته العسكرية، وانتهاءً بكوارثه الطبيعية، وهذا الأمر يورثني الدهشة بحق فكيف لازال كبار العالم وقادته الدوليون بأقطابهم ومحاورهم يجهلون بأن الحياة البشرية قد وصلت الآن الى حد المشاركة في كل مصائرها دونما استثناء.. حرب في أفريقيا أو نزاع في آسيا أو كوارث بيئية في أوروبا، كل هذا وغيره بات من الصعب أن لا يشعر ويتأثر به كل من هم على هذا الكوكب وذلك على نحو حتمي ومباشر، وليس هنالك أدل على ذلك من ما وضعه “أردوغان” الآن أنموذجاً للأوروبيين الذين لن يناموا بعد اليوم في دفء واطمئنان، وأطفال سوريا تقطع براميل البارود أوصالهم الضعيفة وتحرق طائرات الروس أجسادهم وتحيلها مع صناديق القمامة إلى كتلة سوداء صلبة كما مذاب خام الحديد ..

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية