(معهد السلام الأمريكي).. أدوار مشبوهة أم ضبابية؟
داخل مقره بالعاصمة الأمريكية، على ناصية المول الوطني بواشنطن، ربما بدأ كل شيء مستقل، ابتداء من تصميم المبنى الفخم وواجهاته (المودرن) كما رسم زواياها أشهر المنفذين “موشية صفدي”، هكذا تقول جغرافيته المكانية، ربما بدأ ذلك المبنى كما أريد له معهداً قومياً غير حزبي ومستقل، إلا أنه حسب مراقبين بدأ غير ذلك، أسسه ويموله الكنغرس الأمريكي بميزانية سنوية بلغت (40) مليون دولار، أهدافه وضعت وصيغت بطريقة لافتة من بينها (منع وحل صراعات العنف الدولية)، ومن بين ما أسماه (انجازاته) العمل مع قادة القبائل والمجتمع المدني لتدعيم صناعة السلام في السودان، إلا أن اللافت قوة العلاقة التي تربطهم بالحركات المسلحة، بعض مسؤوليه جنرالات في حروب سابقة ومن قادة حرب فيتنام! من بينهم “وليام تايلور” الذي يتولى إدارة مكتب خاص بتطورات الربيع العربي، يتبع هذا المكتب إلى وزيرة الخارجية الأمريكية ويرفع تقاريره إليها مباشرة، ويشغل “تايلور” الآن نائب مدير معهد السلام بواشنطن، وهو ضابط سابق في الجيش الأمريكي ومن قدامى المحاربين في حرب فيتنام، ومثَّل واشنطن في اللجنة الرباعية في الشرق الأوسط التي تركز على عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية، بعض مستشاريه أعضاء سابقين في مجلس الأمن القومي وبعض لجانه عالية السرية هي التي تقدم نصائح للرئيس اوباما خاصة فيما يتعلق بقضايا الشرق الأوسط.
داخل بعض أقسامه يبدأ النقاش هادئاً وطويلاً، والشأن هو في الغالب إحدى قضايا السودان، إلا أن اللافت أن حلقات النقاش عادة ما تكون مع أطراف مسلحة، وأن رأس الحديث يدور حول تغيير أو إسقاط النظام في الخرطوم!
أخر أعماله التي تبناها خلال زيارة وفد (قطاع الشمال) إلى العاصمة الأمريكية (واشنطن) الشهر المنصرم، اجتمع مديره “جون تيمن” بالوفد وناقش معهم مخرجات اجتماع (الجبهة الثورية) مع قادة تحالف المعارضة، واللافت تبنيه لعقد ورشة عمل حول (وثيقة الفجر الجديد)، إلا أن ذلك لم يتم ربما لأنه لا يتماشى وتوجهات الإدارة الأمريكية التي ترفض تبني الوثيقة بصورة علانية، وربما فسر ذلك لجوء إدارة المعهد إلى الاجتماع بشكل فردي مع قادة (قطاع الشمال) خلال زيارتهم إلى واشنطن! ويرى مراقبون أن مواقف ضبابية عديدة ربما شابت أعمال المعهد الذي يفترض تكريسه لمبدأ الشفافية والحياد في أعماله.
ففي أكتوبر من العام 1993م نظم معهد السلام الأمريكي بالتعاون مع الرئيس الكيني بـ(نيروبي) ندوة تحت عنوان (السودان المأساة المنسية)، إلا أن اللافت هو ما تم من مصالحة بين “مشار” و”قرنق” على هامش تلك الندوة! وفي سبتمبر من العام 1997م عقد معهد السلام الأمريكي مؤتمراً حول السودان، شارك فيه عدد من المعارضين السودانيين بجانب مسؤولين أمريكيين، وتوقع المؤتمرون سقوط حكومة الخرطوم نهاية العام 1997م وألمح حينها مسؤولون أمريكيون أن الاتجاه المتشدد داخل الإدارة الأمريكية قد كسب الجولة فيما يخص الملف السوداني!! وشكل ذلك المؤتمر حسب مراقبين منعطفاً مهماً ومؤشراً قوياً لبداية سياسة جديدة تهدف إلى الإطاحة بالنظام في السودان.
وفي مداولات المؤتمر الذي عقده المعهد عن السودان في أواخر العام 2011م، تلاحظ أن العبارة الأكثر تداولاً هي مسألة (الحل الواحد) أو (الشامل) في إشارة إلى التأكيد على ربط العديد من القضايا مثار الجدل مثل وضعية (قطاع الشمال) و(النيل الأزرق) و(دارفور) وقضايا حقوق الإنسان مع بعضها البعض، وهي ذات الرؤية والأطروحة التي تبناها (قطاع الشمال) لاحقاً خلال جولات مفاوضات بـ(أديس) في أغسطس من العام الماضي! وذات الرؤية وردت ضمن تقارير وبيانات صدرت من مجموعات معادية للسودان من بينها (ائتلاف العمل من أجل السودان) ومجموعة كفاية (ايناف) التي يتزعمها ويديرها “جون برندر غاست”!
ومن بين تلك اللقاءات الاجتماع بـ”مبارك الفاضل” خلال زيارته أواخر العام الماضي إلى (واشنطن) بالمجموعة المشرفة على السودان في معهد السلام الأمريكي، إذ دخل في اجتماعين مغلقين، حضرت الأول مجموعة عمل السودان بالمعهد، وحضرت الثاني ذات المجموعة، بالإضافة إلى مسؤولين في وزارة الخارجية الأمريكية وبعض دوائر صنع القرار بالإدارة الأمريكية!
كما أجرى “عرمان” و”عقار” و”الحلو” خلال زيارة قادة (قطاع الشمال) إلى (واشنطن) أواخر العام الماضي أيضا تنويراً بمعهد السلام ومراكزه المختلفة، ويذكر أن التنوير شمل كيفية تغيير النظام في الخرطوم، وعقدوا مائدة حوار بدعوة من المعهد نفسه! وحسب مصادر حضر اللقاء عدد من مراكز ومعاهد الدراسات الإستراتيجية ومتابعين لشؤون السودان في الكونغرس، ووزارة الخارجية الأمريكية، وعدد من السفراء الأجانب، وتناول اللقاء قضايا من بينها أيضاً تغيير النظام في السودان!
وربما بدأ “جون تمين” مدير برنامج السودان بمعهد السلام الأمريكي أكثر حكمة عندما تحدث في ندوة أقيمت بالمعهد مؤخراً تحت عنوان (مفاتيح السلام الجزئي بين السودان وجنوب السودان)، وهو يقول إن البرنامج سيراقب الدولتين من أجل تنفيذ اتفاق التعاون القاضي بينهما باستئناف صادرات النفط وإنشاء منطقة عازلة على طول الشريط الحدودي بين الدولتين عقب فشل العديد من الاتفاقات السابقة، وهنا طرح “تمين” عدة أسئلة من بينها هل تم تكوين اللجان التي نصت عليها الاتفاقية في الوقت المحدد؟ وهل هناك إرادة سياسية من كلا الطرفين لإنجاح الاتفاق؟ إلا أنه جاف تلك الحكمة عندما قال (ضمن أهم البنود بند الديون التي تقدر بـ(40) مليار دولار، والتي لن يتحمل (جنوب السودان) منها شيئاً، لكنه سيسعى لدى المجتمع الدولي من أجل تخفيفها!)، ويعتقد “تمين” أن فشل التوصل إلى حلول بشأن (أبيي) ووضع (قطاع الشمال) إلى عدم توازن الضغوط الخارجية مع الدوائر المسؤولة في الداخل!